الخميس، 29 أبريل 2021

بايدن يطلق الديبلوماسية والردع الصارم في مواجهة «النووي» الإيراني والكوري الشمالي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في خطابه الأول إلى الكونغرس مجتمعاً بغرفتيه، اعتبر الرئيس جو بايدن أن البرنامجين النوويين لكل من كوريا الشمالية وإيران «يهددان أمن أميركا والعالم». ووعد بالعمل «عن كثب مع حلفائنا لمواجهة التهديدات التي يشكلها كلا البلدين، من خلال الديبلوماسية وكذلك من خلال الردع الصارم».

وترى المعلّقة نهال طوسي أنه «من الواضح أن كلاً من إيران وكوريا الشمالية موضوعان معقدان للغاية، ويصعب إيجاد حلول لهما، لذا تحاول إدارة بايدن إحياء الاتفاق النووي الدولي مع إيران لعام 2015، والذي انسحب منه (الرئيس السابق دونالد) ترامب، كما تعيد النظر في سياسة واشنطن تجاه كوريا الشمالية».

واعتبرت أن العودة للاتفاق مع إيران «قد تؤدي إلى حل موقت على الأقل، فيما يشكّل وقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية تحديا لم يتمكن أي رئيس من حله».

في السنة الأولى لهم في الحكم، لا يسمي الرؤساء الأميركيون خطابهم الى الكونغرس «خطاب حال الاتحاد» بسبب حداثتهم في الرئاسة، ويطلقون تسمية «حال الاتحاد» على الخطاب السنوي، ابتداء من السنة الثانية لهم في الحكم.

هذا العام، وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، توجه بايدن الى مضيفتيه في الكونغرس بالقول: «السيدة رئيسة الكونغرس (نانسي بيلوسي)... السيدة نائب الرئيس (التي تترأس مجلس الشيوخ كامالا هاريس)».

وكما هو متعارف عليه، لا يفرد الرؤساء الأميركيون للسياسة الخارجية مساحة كبيرة، بل يكتفون بكلمات مقتضبة، ويركزون بدلا من ذلك على الشؤون الداخلية.

وفي هذا السياق، قالت طوسي إن خطاب بايدن الى الكونغرس ركّز على القضايا الداخلية،«لكن تعزيز الديموقراطية الأميركية هو أيضا أحد أهداف السياسة الخارجية»، اذ إن «هذه الإدارة تقول إنها لا ترى فارقاً كبيراً بين السياسة الخارجية والداخلية لأن قوة أميركا داخليا تؤثر على صورتها الخارجية وقوتها».

وافتتح بايدن خطابه بالقول إنه على الرغم أن الخطاب الرئاسي السنوي للكونغرس أمر معتاد، إلا أنه يختلف قليلا هذا العام، ويذكّر بـ «الأوقات غير العادية التي نمر بها».

وتابع: «عبر تاريخنا، جاء الرؤساء إلى هذه القاعة للتحدث إلى الكونغرس والأمة والعالم، لإعلان الحرب والاحتفال بالسلام... الليلة، جئت للحديث عن الأزمة والفرص لإعادة بناء شعبنا، وتنشيط ديموقراطيتنا، وضمان المستقبل للأميركيين».

وأضاف بايدن: «في غضون 100 يوم، أي منذ أن أقسمت اليمين رئيسا، واجهنا أسوأ جائحة في قرن، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقد، أي منذ الركود العظيم، والآن بعد 100 يوم يمكنني إبلاغ الشعب أن أميركا» عادت للحياة والحركة، اذ إن الأميركيين يقومون دائما من كبوتهم، و«اليوم، هذا هو ما نقوم به... أميركا تنهض وتختار الأمل على الخوف، والحقيقة على الأكاذيب، والنور على الظلام».

وتابع بايدن:«نحن نرى النتائج بالفعل... بعد أن وعدت بمئتي مليون جرعة لقاح كوفيد - 19 في الأيام المئة الأولى، سنكون قد قدمنا أكثر من 220 مليون جرعة، ونحن نقوم بحشد كل مواردنا لمواصلة ذلك».

وأضاف:«عندما أقسمت اليمين في 20 يناير، كان أقل من واحد في المئة من كبار السن في أميركا قد تم تطعيمهم بالكامل... وبعد 100 يوم، تم تحصين 70 في المئة من كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما، وانخفضت وفيات كبار السن بنسبة 80 في المئة (من اجمالي ضحايا الوباء)، في وقت تلقى أكثر من نصف البالغين في أميركا جرعة واحدة من اللقاح على الأقل».

من ناحية ثانية، أكد الرئيس الأميركي، أن«التهديد الإرهابي الأكثر فتكا بالبلاد حالياً هو إرهاب تفوق البيض».

كذلك اعتبر بايدن أن العنف باستخدام أسلحة نارية«وباء حقيقي وعار على الولايات المتحدة»، وكشف أن العنف باستخدام الأسلحة النارية يكلف الولايات المتحدة 280 مليار دولار سنويا.

وأكد أن اقتراح إدارته في إطار التصدي لهذه الظاهرة لا يتعارض مع حق المواطنين في الاحتفاظ بالسلاح وحمله، قائلاً:«اليوم نتخذ خطوات لمواجهة ليس فقط أزمة الأسلحة النارية، ولكن في الواقع هي أزمة صحية».

ودعا بايدن، مجلس الشيوخ إلى تمرير مشروع قانون رئيسي من أجل إصلاح الشرطة يحمل اسم الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد.

كما حذر الرئيس الأميركي، في أول خطاب ألقاه أمام الكونغرس، منذ توليه السلطة، قائلاً:«لا تخطئوا، إن التهديدات الإرهابية خرجت من حدود أفغانستان منذ عام 2001، وسنظل يقظين ضد التهديدات التي قد تستهدف الولايات المتحدة من أي مكان كان مصدرها».

وأضاف أن تنظيمي«القاعدة»و«داعش»لا يزالان ينشطان في اليمن وسورية والصومال وأماكن أخرى في أفريقيا، في الشرق الأوسط وخارجه.

وعن الاقتصاد، رسم الرئيس الأميركي صورة زهرية، واقتبس من أحدث توقعات صندوق النقد الدولي، التي اعتبر فيها أن الاقتصاد الأميركي «سينمو بمعدل يزيد على ستة في المئة هذا العام»، وقال بايدن إن «ذلك سيكون أسرع وتيرة للنمو الاقتصادي في هذا البلد منذ أربعة عقود».

وأكد الرئيس الأميركي أن أميركا تتحرك وتمضي قدما، «لكن لا يمكننا التوقف الآن، فنحن في منافسة مع الصين ودول أخرى للفوز بالقرن الحادي والعشرين، ونحن عند نقطة انعطاف كبيرة في التاريخ، وعلينا أن نفعل أكثر من مجرد إعادة البناء بشكل أفضل، وعلينا أن نتنافس بقوة أكبر».

وأكد بايدن أنه أبلغ الرئيس الصيني شي جينبينغ في اتصالهما الهاتفي الأخير، بأن «الولايات المتحدة ستحافظ على حضور عسكري قوي لها في المحيطين الهندي والهادئ، مثلما تقوم به مع الناتو في أوروبا».

وتطرق بايدن إلى اتصاله مع فلاديمير بوتين، وقال إنه تحدث مع الرئيس الروسي حول أن الولايات المتحدة لا تسعى للتصعيد لكن أعمال موسكو «ستكون لها عواقب».

ويعتقد الخبراء الأميركيون أن مواجهة الصين تلقى اجماعاً أميركيا يشمل الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وهو ما يقدم لبايدن فرصة للافادة من هذا الاجماع وتمرير سلسلة من القوانين لتمويل البنية التحتية والانفاق على الأبحاث، وكل ذلك تحت عنوان السباق مع الصينيين.

كما يرى الخبراء أن الولايات المتحدة تفيد عادة من هذا النوع من التنافس الدولي، اذ إن أي منافسة تحقق اجماعاً وطنياً، وهو ما يسهل تمويل ورعاية مشاريع كثيرة، كما حصل في «الحرب الباردة» التي انتصرت فيها أميركا والغرب الديموقراطي على الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي.

وعلّق مراسل صحيفة «بوليتيكو» في الكونغرس، اندرو ديزيديرو، بالقول إن «في مجلس الشيوخ المنقسم على نفسه انقساماً شديداً بسبب الحزبية الزائدة، يجمع المشرعون على قانون لاستثمار أكثر من 100 مليار دولار في العلوم والتكنولوجيا لتجاوز إنجازات بكين، وقد يقرّ المجلس الشيوخ القانون في أقرب وقت الشهر المقبل، وقد تعهد البيت الأبيض بالمصادقة على القانون والتوقيع عليه ليدخل حيز التنفيذ».

وفي سياق الافادة من الاجماع على تطوير أميركا لمواجهة الصين، سعى بايدن في خطابه الى تسويق قانون تمويل البنية التحتية الذي تقدر تكلفته بأكثر من تريليوني دولار. ومما قاله بايدن إنه «طوال تاريخنا، قمنا بالاستثمار في البنية التحتية التي غيرت وجه أميركا، فالسكك الحديد العابرة للقارات، والطرق السريعة بين الولايات، وحدت المحيطين، وأتت بعصر جديد من التقدم للولايات المتحدة، وفتحت المدارس الحكومية الشاملة والمساعدات الجامعية أبواب الفرص على مصراعيها».

وفي اندفاعته نحو الاستثمار في تحديث وتطوير البلاد، يعتقد الخبراء أن بايدن لا يتحدث فقط عن الطرق والجسور، بل ان رؤيته، في جوهرها، تقود البلاد للعودة إلى زمن الحكومة الكبيرة التي تلعب فيها الحكومة الفيديرالية دوراً أساسياً، ومكلفاً، في تخطيط وادارة الاقتصاد، وهو ما يعتبر خروجاً عن عقود من سياسات الإدارات الديموقراطية والجمهورية المتعاقبة التي تبنت المدرسة النيوليبرالية القاضية بترشيق الحكومة، وتقليص حجمها ودورها، واسناد النمو الاقتصادي للقطاع الخاص.

ورسم الرئيس الأميركي أمام الكونغرس، صورة ولايات متحدة نهضت مجدداً بعد سلسلة من الأزمات الخطيرة، وعبر عن إرادته في الإصلاح، داعياً الأثرياء إلى «دفع حصتهم العادلة».

وعشية المحطة الرمزية المتمثلة بمرور مئة يوم على توليه الرئاسة، عرض الرئيس الديموقراطي خطته «مشروع من أجل العائلات الأميركية» التي تبلغ قيمتها نحو ألفي مليار دولار وينوي تمويلها من زيادة الضرائب.

وتحدث عن «دولة في أزمة» عندما تولى السلطة... أزمة صحية واقتصادية ولكن أيضا اقتحام مبنى الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير من قبل أنصار دونالد ترامب، معتبرا أنه «أسوأ هجوم على ديموقراطيتنا منذ الحرب الأهلية».

في المقابل، دان السناتور الجمهوري تيد كروز «الرؤية الاشتراكية» للرئيس الديموقراطي. وقال ملخصا موقفه من الخطاب الرئاسية في ثلاث كلمات «ممل لكن راديكالي».

الثلاثاء، 27 أبريل 2021

الوساطات الدولية توقف اندلاع حرب بين إسرائيل وفصائل غزة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يبدو أن الوساطات التي وظفتها إسرائيل لانهاء عمليات اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية أثمرت العودة الى الهدنة التي كانت سائدة قبل قيام الفصائل الفلسطينية بشن «حرب صغيرة» عليها. وساهمت في الهدنة قنوات متعددة، منها الأمم المتحدة، التي كانت الحكومة الإسرائيلية حمّلتها انذاراً شديد اللهجة لفصائل غزة. كما ساهمت في الوساطات كل من العاصمة الأميركية، وعواصم إقليمية وعربية وخليجية، خصوصاً منها التي تتمتع بعلاقات ونفوذ لدى حركة «حماس» الفلسطينية.

وتنقل المصادر الأميركية عن المسؤولين الإسرائيليين اعتقادهم أن «حماس» لا ترغب في تصعيد يصل الى حرب كاملة، وتعرف أن إسرائيل ترغب في تفادي الحرب كذلك. لذا، عمدت الحركة الفلسطينية، التي تحكم غزة، الى اطلاق أقل من 50 صاروخاً على مدى ثلاث ليالٍ، في استعراض بدا أكثر للاستهلاك الإعلامي منه ليكون حرباً حقيقية.

ولم تؤد صواريخ الفصائل الى وقوع ضحايا في الأرواح، ولا الى أضرار مادية تذكر، بل اقتصرت عواقبها على انطلاق صافرات الانذار، والتوتر لدى بعض الإسرائيليين ممن اضطروا للجوء الى الملاجئ.

وأشار المسؤولون الإسرائيليون الى تصريحات أدلى بها قائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي في مقابلة مع قناة تلفزيونية لبنانية موالية لايران، أن «في الأيام الماضية شاهدتم كيف أن أعمالهم الشريرة لم تبق من دون رد، وكيف وقعت بعض الأحداث داخل الأراضي المحتلة، وبكل تأكيد فإن هذه الأحداث قد تتكرر وتتوسع لاحقاً».

وربط سلامي بين اطلاق الصواريخ في غزة وما أسماها أعمال إسرائيل «الشريرة»، في الغالب في اشارة منه الى التفجير الذي طال منشأة ناتانز النووية. وتصريح سلامي جاء بعد أيام على إشادة وسائل الاعلام العربية الموالية لطهران، بالصاروخ الذي انطلق من الأراضي السورية، وانفجر على بعد 30 كيلومتراً من منشأة إسرائيل النووية في ديمونا الجنوبية.

ودأب الموالون لنظام «الجمهورية الاسلامية» على الاشارة الى أن الصاروخ السوري كان بمثابة رد محور إيران على تفجير ناتانز. بعد ذلك، أضاف سلامي، صواريخ غزة الى لائحة «الردود» الإيرانية.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن نظراءهم الإسرائيليين لا يعتقدون أن «حماس» تنوي الانخراط في حرب«لا سقف لها»، وأن«استعراض الصواريخ هو على الأرجح لارضاء الايرانيين الذين طالبوا بذلك».

كما أبلغ الإسرائيليون، الأميركيين، أن أي حرب في غزة«لا أفق لها»، وأن أقصى ما يمكن لتل أبيب فعله هو الحاق الأذى بمواقع عسكرية تابعة لـ«حماس»وانزال عقاب بالفصائل الفلسطينية، لكن أي عقاب لن يغير الكثير على أرض الواقع، وسيجعل من أي حرب جولة جديدة من المواجهة، ويحتم أن تكون نهايتها العودة الى الهدنة بين الطرفين، على غرار المواجهات العسكرية السابقة.

في سياق متصل، صار من شبه المؤكد في أوساط العاصمة الأميركية أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس سيعلن تأجيل الانتخابات الى موعد يتم الاعلان عنه في وقت لاحق. ويتوقع المتابعون أن يأتي الاعلان يوم غد.

وكانت واشنطن أبلغت عبّاس، سراً وعلنا، أنها لن تعلّق على أي قرار يتخذه في شأن الانتخابات، ان قرر المضي في اقامتها أو تأجيلها. وكررت ان الانتخابات هي شأن داخلي، وبذلك، افترقت ادارة الرئيس جو بايدن عن سابقاتها التي دعمت معظمها اجراء الانتخابات على أنواعها في عموم دول العالم، بغض النظر عن هوية الفائز.

في الحالة الفلسطينية، تشير الاستطلاعات الى أن كتلة«فتح»ستجني أصواتا ومقاعد أكثر من كتلة«حماس»، لكن المشكلة تكمن في أن«كتلة فتح»منقسمة الى لوائح متنافسة، واحدة بقيادة عباس واثنتين تنافسانها، واحدة يقودها ناصر القدوة، ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتشترك معه فيه فدوى، زوجة مروان البرغوثي - الأسير لدى إسرائيل بسبب تورطه في الانتفاضة الثانية، وهو يتفوق على كل السياسيين البقيةن في شعبيته - والثانية يقودها كل من محمد دحلان وساري نسيبة.

ومن المتوقع أن تحصد كل من هذه اللوائح، كتلا انتخابية بأحجام متفاوتة، يشكل مجموعها اكثر من نصف مقاعد المجلس التشريعي، الـ 132. الا أن هذه الكتل المعارضة لـ«حماس»لا تتفق في ما بينها، ما يسمح لها بالفوز بالكتلة الأكبر، وهو ما يقلق عواصم العالم، خصوصاً منها التي تموّل موازنة السلطة الفلسطينية، مثل واشنطن.

وتصنّف واشنطن«حماس»كتنظيم إرهابي، وهو ما من شأنه أن يؤدي لحرمان السلطة الفلسطينية من أي أموال أميركية في حال فوز الحركة الإسلامية بالانتخابات وسيطرتها على السلطة في الضفة الغربية، كما في غزة.

ولتفادي هذا المأزق، وعدت عواصم العالم بالتغاضي عن قيام عبّاس بتأجيل الانتخابات وابقاء الوضع كما هو عليه، وهو ما أثار حفيظة«حماس»وحلفائها في الأراضي الفلسطينية وفي الاقليم.

ومن المتوقع أن يشير عبّاس الى منع إسرائيل، فلسطينيي القدس الشرقية من المشاركة في العملية الانتخابية، كسبب للتأجيل.

وقامت إسرائيل حتى الآن بتعطيل النشاطات الانتخابية التي حاولت بعض اللوائح الفلسطينية تنظيمها في القدس الشرقية. ويقول المسؤولون المحسوبون على عبّاس أنه لو أجرت السلطة الانتخابات من دون القدس، ما الذي يمنع إسرائيل من منع فلسطينيي «المنطقة جيم» في الضفة الغربية من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهكذا، تصبح الانتخابات الفلسطينية، تحت رحمة إسرائيل.

إسرائيل، بدورها، لا يبدو أنها تتحرج من القاء اللوم في تأجيل الانتخابات الفلسطينية عليها، اذ يجمع المراقبون الإسرائيليون على أن بقاء عباس و«فتح» في السلطة، وان من دون انتخابات، أفضل من تكرار سيناريو فوز«حماس» في الانتخابات الفلسطينية وتحويل الضفة الغربية الى قطاع غزة ثانٍ.

بيرنز وظريف التقيا في بغداد... لم يلتقيا!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فجّر كبير الباحثين في معهد «أميركان انتربرايز» مايكل روبن «قنبلة سياسية»، بنشره، على موقع 1945، خبراً مفاده بأن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي اي) بيل بيرنز، زار بغداد، وعقد لقاءات مع مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، بينما رجّحت مصادر أميركية أن يكون التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي كان يزور بغداد، أول من أمس.

وتابعت أن اللقاء السري عُقد في منزل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.

في العام 2013، أدار بيرنز - وكان لا يزال وكيلاً لوزارة الخارجية - بالاشتراك مع جايك سوليفان، الذي يعمل اليوم مستشاراً للأمن القومي، قناة مفاوضات سرية مع مسؤولين إيرانيين في مسقط، وتمحورت المفاوضات حول ملف إيران النووي. وأدّت القناة السرية إلى التوصل للاتفاقية النووية في العام 2015.

وروبن كان من أبرز مؤيدي حرب العراق في 2003، وكان يتمتع بعلاقة جيدة مع قباد، نجل رئيس العراق الراحل جلال طالباني، وكان قباد يعمل وقتذاك ممثلاً لحكومة إقليم كردستان في العاصمة الأميركية. والأرجح أن روبن مازال يتمتع بعلاقات جيدة مع طالباني والمقربين منه، فيما فؤاد حسين هو من المحسوبين على عائلة بارزاني الكردية، المنافسة لطالباني.

ولم تنف الإدارة الأميركية الخبر، بل أحالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي الصحافيين المستفسرين على «سي آي اي»، المعروفة بتكتمها على نشاطاتها عموماً. وفي وقت لاحق، أبلغ ناطق باسم الوكالة، صحيفة «واشنطن اكزامنر» أن الخبر عن «لقاء» بيرنز غير صحيح. لكنه رفض الإفصاح عن جدول لقاءاته الماضية.

كما نفى الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، لـ«وكالة تسنيم للأنباء»، خبر لقاء مسؤولين إيرانيين مع بيرنز في بغداد، ووصف ما تم تداوله بـ«الصحافة الصفراء».

ومع تكتم الإدارة، سرت إشاعات متضاربة في العاصمة الأميركية حول فحوى «اللقاء السري». وقال بعض المقربين من إدارة الرئيس جو بايدن أنه رشّح إليهم أن بيرنز أبلغ ظريف أن واشنطن لا تُمانع في العودة إلى الترتيب السابق لانسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية، والقاضي بالاتفاق نووياً والاستمرار في المواجهة في الملفات الأخرى.

والعودة للاتفاق النووي تَعني أن تقوم الولايات المتحدة برفع عقوبات عن ثلاثة قطاعات إيرانية، هي النفط والشحن البحري والتأمين، وإبقائها على كل القطاعات والكيانات الأخرى، بما في ذلك العقوبات التي أضافها ترامب، وشملت قيام وزارة الخارجية بتصنيف «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة التنظيمات الإرهابية.

ونقل الإعلام الموالي لطهران، عن الوفد الإيراني الذي توجه للمشاركة في جولة محادثات جديدة في فيينا، أن المحادثات غير المباشرة التي تجري في العاصمة النمسوية توصلت حتى الآن إلى الاتفاق على بعض النقاط، منها أن لا عودة تدريجية من الجانبين بل اتفاق فوري. ومما قاله الوفد إن من ضمن الأمور التي صار متفقاً عليها الآن هي أن رفع العقوبات ستتضمّن القطاعات الثلاثة المذكورة أعلاه.

وسبق لبيرنز أن نشر - على اثر تقاعده من وزارة الخارجية وتوليه منصب رئيس مركز أبحاث «كارنيغي» - كتاب مذكراته بعنوان «القناة الخلفية»، ذكر فيه أنه «بعد تطبيق الاتفاقية النووية ورفع بعض العقوبات الأميركية، لم يتحوّل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد عملاق، بل بقي غارقاً في أزماته، واندلعت تظاهرات معيشية ضد النظام في 2017، وهو ما يعني أن الاتفاقية سلبت النظام الإيراني حجة كان يستخدمها أمام الناس لتبرير فقرهم».

وأضاف بيرنز أنه «في الأثناء نفسها، واصلت إيران تصدير عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، واستغلت الفوضى في سورية، وسرّعتها في اليمن»، معتبراً أن «الرئيس (السابق باراك) أوباما كان دائماً يعلم أن المفروض هو إدخال الاتفاقية النووية في استراتيجية أوسع لطمأنة أصدقائنا وشركائنا، الذين كانوا يخشون أن يؤدي حوارنا مع طهران إلى تخفيف دعمنا لهم».

وختم بيرنز أن «الاتفاقية النووية حفظت بوضوح حق الولايات المتحدة وشركائها في اتخاذ خطوات ضد حكومة إيران على خلفية الأمور غير النووية، ولكن مع ذلك، هاجم معارضو الاتفاقية بشكل كاريكاتوري، وقالوا إنها ضبطت طموح إيران النووي لكنها عززت قدرتها على نشر المتاعب».

لكن «الاستراتيجية الأوسع لطمأنة أصدقائنا وشركائنا» حول الاتفاقية النووية، التي أشار اليها بيرنز، يبدو أنها تقتصر على شعارات وكلمات، إذ ان الزيارة السرية تؤجج الانطباع القائل بأن الولايات المتحدة عازمة على العودة للاتفاقية بأيّ ثمن، حتى لو اقتضى ذلك مفاجأة الحلفاء، وفي طليعتهم إسرائيل.

وتستقبل واشنطن، هذا الأسبوع، وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى يقوده مائير بن شابات، مستشار الأمن القومي، ويضم رئيس جهاز«الموساد» يوسي كوهين. وكان من المقرر أن يكون في عداد الوفد رئيس الأركان آفي كوخافي، لكن التوتر العسكري الذي ساد في قطاع غزّة أجبره على البقاء في إسرائيل.

ويشكو الإسرائيليون من أن واشنطن لا تتشاور معهم بشفافية حول تطورات المفاوضات النووية، وأنها ماضية في إعادة إحياء اتفاقية تراها الدولة العبرية بمثابة تهديد وجودي لها.

القضية الفلسطينية كصراع عقاري

حسين عبدالحسين

خبران تصدرا الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي الأسبوع الماضي. الأول، شغب ومواجهات في الشارع بين عرب ويهود في إسرائيل على خلفية نزاع عقاري وهتافات عربية "حيفا ليست للبيع"، والثاني، جدال أثارته محاولة "الصندوق القومي اليهودي" رفع حظر ذاتي، والسماح لنفسه بشراء أراض محيطة بمستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية.

في الخبر الأول، يجهد متابع التقارير الإعلامية لمعرفة كيف بدأت المشكلة. الإعلام العربي، حتى الناطق منه بالإنكليزية، يصور الموضوع امتداد لعملية تهجير الفلسطينيين التي بدأت في 1948. في الإعلام الإسرائيلي، يبدو الصراع طبقيا، في ظل محاولة شركات استثمار إسرائيلية "تحسين" الأحياء بإخلائها من ساكنيها المستأجرين، وبيع شققهم، ليصار إما ترميمها أو هدمها وبناء جديدة بدلا منها. في الحالتين، تتحول الشقق القديمة إلى جديدة فاخرة، وتصبح أسعارها خارج قدرة سكانها على شرائها، ما يجبرهم على الرحيل عن أحيائهم إلى أحياء أقل تكلفة. 

وعملية "التحسين" هذه منتشرة في معظم مدن العالم، وتنقسم حولها الآراء بين مؤيد لتحويل أحياء فقيرة -غالبا ما تعاني من ارتفاع في معدلات الجريمة - إلى أحياء فاخرة، وبين معارض يرى أن هذا التحويل يتجاهل مشكلة الفقر، ويطرد الناس من أحياء ولدوا ونشأوا وعاشوا حياتهم فيها.

أما كيف بدأت المشكلة، فعلى الشكل التالي: يورد موقع "ميدل إيست آي" أنه بعد سنتين على مغادرة مئات آلاف الفلسطينيين دولة إسرائيل على أثر اعلانها في 1948، أقرّت الدولة العبرية قانون تملكت بموجبه أملاك الغائبين، بما في ذلك ثلث أملاك فلسطينيي يافا، الذين حافظوا على ملكية ثلثي العقارات. وضعت الدولة هذه الأملاك في عهدة شركة عميرام، التي قامت بتأجيرها كمساكن للفلسطينيين. ثم شرّعت إسرائيل، كعدد من دول العالم، قوانين "حماية المستأجر"، وهي قوانين تمنع المالك رفع الإيجار أو إخلاء المستأجرين بدون رضى الطرفين.

ثم بعد انتشار مبادئ النيوليبرالية الاقتصادية وتلاشي قوانين "حماية المستأجر"، في نيويورك كما في بيروت، يبدو أن هذه القوانين تلاشت أيضا في إسرائيل، وهو ما دفع شركة عميرام إلى تخيير 40 عائلة، من ساكني شققها من عرب يافا، التالي: أما يشترون شققهم أو يغادرونها. ولأن الشقق في أحياء يمكن إنشاء بنايات فاخرة مطلة على البحر بدلا منها، حددت عميرام سعر الشقة بنصف مليون دولار. ويشكو المستأجرون أن سعر الشقة خارج عن قدرتهم، ويشيرون إلى أن يهود إسرائيليين - يسمونهم مستوطنين - ينوون شراء هذه الشقق بدلا منهم.

وقام الحاخام ألياهو مالي، الذي يدير مدرسة شيرات موشيه الدينية في يافا، بزيارة رافقه فيها الحاخام موشيه شاندوفيتز، إلى شقق شركة عميرام، فما كان من السكان إلا أن تظاهروا ضد زيارتهما، قبل أن يقوم شبان بالتعرض للحاخامين بالضرب. وفي اليوم التالي، تظاهر مناصرو مالي في أحياء العرب، وتظاهر العرب ضدهم، وانتشرت الشرطة بين الطرفين، وساد الهرج والمرج والتضارب، وتكررت المواجهات على مدى ليال. 

من وجهة النظر العربية، تبدو خطوة عميرام وزيارة مالي استيطانا بالقوة وتهويدا، لكن حقيقة الأمر هو أن ملكية الشقق مفتوحة للعرب، والمطلوب مبلغ 20 مليون دولار تشتري كل الشقق التي تعرضها عميرام للبيع، فتبقى العائلات العربية في شققها، بل تتحول العائلات من مستأجرة إلى مالكة. 

ومثل يافا، كذلك في الأراضي المجاورة للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، حيث استملاك يهود للأراضي لا بتم عنوة، بل أن مالكين فلسطينيين هم من يقومون ببيعها لـ"الصندوق القومي اليهودي"، ولا إكراه في عملية البيع والشراء هذه.

عام 1964، أقامت "منظمة التحرير" الفلسطينية "الصندوق القومي الفلسطيني"، الذي تحول إلى "وزارة المالية" للمنظمة على مدى عقود، وكان يجمع أمواله من تبرعات الأثرياء الفلسطينيين والحكومات العربية، ويفرض ضريبة دخل ستة في المئة على الفلسطينيين في أنحاء العالم. وكان اسمها "ضريبة تحرير فلسطين".

لكن ضريبة "تحرير فلسطين"، كسائر عملية "تحرير فلسطين"، غرقت في فساد مسؤوليها، الذي انهمكوا في إقامة "مشاريع استثمارية"، غالبا تحت أسمائهم وأسماء أفراد عائلاتهم، فأثروا أيّما ثراء. ثم مضى رئيسا المنظمة، الراحل ياسر عرفات وخلفه الحالي محمود عبّاس، يستخدمان الصندوق لتمويل شبكة ريعية موالية لهما، فيمدّان الفصائل التي تواليهما بالمال، ويحرمانه عن معارضيهما. وفي زمن عبّاس، تحول الصندوق إلى "مغارة علي بابا والأربعين حرامي"، حتى أن أحد مدراءه، الذين اتهمتهم القيادة الفلسطينية بالفساد، اقترح تقديم 45 عقارا كان يملكها في العاصمة الأردنية مقابل إسقاط التهم ضده.

هكذا، يملك مدير "الصندوق القومي الفلسطيني" 45 عقارا، ويملك بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير" مئات ملايين الدولارات، ولا يتبرع أحد منهم بشراء عقارات يافا من شركة عميرام الإسرائيلية، بمبلغ 20 مليون دولار فقط، حتى يسمح لعرب يافا بشرائها بأسعار مخفّضة وعلى دفعات شهرية. 

بدلا من شراء الشقق التي تعرضها عليهم إسرائيل، يتظاهر الفلسطينيون ويشتمون العالم كله على تآمره ضدهم وضد قضيتهم، كما بدا في الفيديو المسرّب لاجتماع منظمة التحرير، والذي يظهر الرئيس الفلسطيني محمود عباس يشتم الصين وروسيا وأميركا وكل العرب.

ومثل في حالة يافا، كان يمكن لـ"الصندوق القومي الفلسطيني"، أو أي صندوق يمكن أن يقيمه أي عدد من المتمولين الفلسطينيين، شراء أي أملاك قد يرغب في بيعها الفلسطينيون، إن في الضفة أو داخل إسرائيل. لكن فيما يموّل اليهود صندوقهم من جيوبهم، ينهب الفلسطينيون صندوقهم لملء جيوبهم.

والصراع العقاري ليس محصورا بإسرائيل والفلسطينيين. في لبنان، جنّ جنون زعيم الدروز وليد جنبلاط يوم رأى أن شيعة لبنانيين، غالبا من "حزب الله"، يقومون بشراء عقارات يملكها دروز في جبل لبنان الجنوبي، معقل دروز لبنان. فتح جنبلاط خزائنه وراح يشتري أي أرض يرغب مالكوها الدروز في بيعها. ومثل الدروز، اشتبكت الكنيسة المارونية مع شيعة لبنانيين حول ملكية أراض في مناطق متجاورة بين الطائفتين. 

في لبنان، تصرّ كل طائفة على الحفاظ على "نقاء" ملكية وسكان أحيائها وقراها وبلداتها، حتى أن بلدية الحدث — ضاحية بيروت ذات الغالبية المسيحية — أصدرت مرسوما يحظّر تأجير المسلمين.

هذا هو الشرق الأوسط: تعايش بلا اختلاط ولا تزاوج. إسرائيل لا بد لها الا أن تلعب وفق قوانين المنطقة وأعرافها، حتى لو تقدمت بديمقراطيتها على دول المنطقة بما لا يقاس.

الأحد، 25 أبريل 2021

اعتراف بايدن بـ «إبادة الأرمن» يسرّع تقرّب أردوغان من إسرائيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في خطوة تفادها كل أسلافه، أعلن الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة تعترف بأن تركيا ارتكبت مجازر إبادة بحق الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى.

وقال في بيان صادر عن البيت الأبيض، إن «في هذا اليوم من كل عام، نتذكر أرواح جميع الذين ماتوا في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني، ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى».

وأضاف البيان أنه «من بين الذين نجوا، أجبر معظمهم على العثور على أوطان جديدة وحياة جديدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة... ونجا الشعب الأرمني، وأعاد بناء مجتمعه».

وتابع أنه «على مدى عقود، ساهم المهاجرون الأرمن في الولايات المتحدة بطرق لا حصر لها، لكنهم لم ينسوا أبدا التاريخ المأسوي الذي دفع الكثير من أسلافهم إلى شواطئنا».

وختم البيان: «نحن نكرم قصتهم، ونرى هذا الألم... ولا نفعل ذلك لإلقاء اللوم، ولكن لضمان عدم تكرار ما حدث».

في سياق متصل، لم يفت المراقبون المعنيون بالسياسة الخارجية في واشنطن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعكف على تحسين العلاقات مع إسرائيل، في محاولة منه لتخفيف غضب بايدن عليه، وهو غضب تجلى في تحول الأخير إلى أول رئيس أميركي يعترف بالمجازر التركية بحق الأرمن قبل 106 أعوام.

وفي سياق تعزيز العلاقة مع إسرائيل، وجه وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو دعوة لوزير الطاقة الإسرائيلي يوفال ستاينيتز للمشاركة في مؤتمر حول الطاقة تستضيفه أنقرة، وهي الدعوة الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات على الأقل.

يعاني أردوغان من سلسلة من المشاكل، أبرزها اقتصادية، مع مواصلة الليرة التركية انحدارها الكبير أمام العملات الأجنبية، وهو انحدار يبدو أنه أجبره على تغيير سياساته الإقليمية والخارجية الماضية، ومحاولة ترميم العلاقات مع دول الجوار والعالم.

لكن ترميم علاقة تركيا وواشنطن صارت أصعب مما يدركه الرئيس التركي.

ويقول الباحث في«معهد أميريكان انتربرايز» مايكل روبن إن «الديبلوماسيين الأتراك وأصدقاء أنقرة في واشنطن دأبوا تقليدياً على الضغط على الإدارات الأميركية المتعاقبة لمنع اعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية» بحق الأرمن، «إلا أن 18 عاماً من حكم أردوغان غيّرت الأجواء في واشنطن بتحويل الديبلوماسيين الأتراك إلى ناشطين غير فعالين، بمن فيهم السفير الحالي مراد ميركان»، الذين يعاني من عزلة، و«لا يمكنه عقد لقاءات إلا مع أكثر المدافعين عن سلوك أردوغان، من دون القدرة على الاستعانة بقوة المعارضة» التركية في العاصمة الأميركية.

وأضاف روبن أن أردوغان «قام بتطهير العديد من مجموعات الضغط التركية الأميركية بحيث صارت تعكس آراء الدائرة الداخلية المقربة منه حصراً، بدلا من أن تقدّم آراء الطيف السياسي والفكري الأوسع في تركيا».

باختصار، يتابع روبن، «يمكن لتركيا الضغط، ولكن نفر قليل من أصحاب القرار سيجيبون مكالمات ميركان الهاتفية، ناهيك عن مكالمات وزير الخارجية» أوغلو.

وأشار الباحث الأميركي إلى أنه باستثناء تسريب أسرار «تحالف الأطلسي» إلى روسيا، ليس بيد أنقرة الكثير لتفعله للضغط على أميركا، التي قامت فعليا بنقل مركز بحريتها من تركيا إلى اليونان.

وقال إنه إن لم تكن واشنطن سحبت ترسانتها النووية من قاعدة انجرليك الجوية، «ان كان لأميركا أسلحة نووية هناك، فيجب عليها اليوم سحب هذه الأسلحة». بكلام آخر، يدعو روبن، ومعه مسؤولون وخبراء أميركيون كثر من الحزبين الديموقراطي والجمهوري على رأسهم بايدن وإدارته، إلى الابتعاد عن تركيا وتركها لمصيرها.

ويستند مؤيدو إنهاء سنوات التحالف مع تركيا إلى سلسلة من التصرفات التي قام بها أردوغان وجعلت سياسة تركيا الخارجية تقتصر عليه كحاكم أوحد، كما قام بعدد من الخطوات التي آذت الولايات المتحدة بحلفائها بشكل دفع الأميركيين وحلفائهم إلى حمل الضغينة ضده، وهي ضغينة وقف في وجهها الرئيس السابق دونالد ترامب منفرداً، إذ إنه كان يستفيد من عائدات برجين يحملان اسمه في إسطنبول، وكانت العائدات تقدر بالملايين.

لكن بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، لم ينس الأميركيون أن أردوغان، الذي يعاني اقتصاده من نفاذ العملات الأجنبية، أنفق ملياري دولار على شراء المنظومة الروسية للدفاع الجوي «أس 400»، وهو ما دفع القيادة العسكرية الأميركية الى طرد أنقرة من برنامج تصنيع واقتناء 100 مقاتلة من طراز «أف - 35» الأميركية الأكثر تطوراً.

ثم إن الإسرائيليين، حلفاء الولايات المتحدة، لم ينسوا بعد أنه في العام 2012، قام الرئيس التركي بإفشاء أسرار شبكة جاسوسية تابعة للإسرائيليين داخل إيران، كانت تعمل على جمع استخبارات حول البرنامج النووي وشن عمليات تخريب ضد هذا البرنامج.

ولم ينس حلفاء الولايات المتحدة، العرب، مواقف أردوغان ضدهم، في سلسلة من الأحداث والأزمات التي عصفت بالمنطقة على مدى العقد الماضي.

لكل هذه الأسباب، يقف أردوغان وحيداً ومعزولاً، في الإقليم وداخل واشنطن، وهو ما دفعه لبدء عملية التقارب مع اسرائيل وإعادة تنشيط علاقات أنقرة معها، اعتقاداً منه أن هذا النوع من السياسة قد يكون بمثابة مفتاح عودته الى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

لهذه الأسباب، وجد بايدن تصعيد خطابه السياسي في تركيا فرصة سياسية مفتوحة مجاناً أمامه، وهي فرصة يجمع عليها كل أصدقائه وخصومه، داخل واشنطن وخارجها.

أما كيف ستكون ردة الفعل التركية بعد إعلان بايدن اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بالمجازر ضد الأرمن، يقول روبن إنه «عندما اعترفت فرنسا وإيطاليا رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن قبل عامين، أدانت تركيا كليهما».

لكن ورغم أن هذا الحدث قد يكون شجع على الخلاف اللاحق بين أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أنه في نهاية المطاف لم يلحق بباريس سوى القليل من الضرر، على شكل مقاطعات رمزية وتظاهرات معادية لفرنسا.

وختم روبن مؤكداً: «نتوقع الشيء نفسه الآن تجاه للولايات المتحدة».

واشنطن تدفع لبغداد لتخيير «الحشد» ما بين السياسة والعسكر

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تستعد إدارة الرئيس جو بايدن لجولة مستقبلية من المفاوضات الاستراتيجية مع الحكومة العراقية، قد تتضمن تقديم أفكار أميركية للمسؤولين العراقيين حول الوسائل الممكنة للتعامل مع «معضلة» ميليشيا «الحشد الشعبي» الموالية لإيران.

ومن أبرز الأفكار التي يجري تداولها في العاصمة الأميركية، قيام الحكومة العراقية بتخيير هذه الميليشيات، إما العمل السياسي وإما العسكري، وذلك بالاستناد إلى الدستور الذي يحظر على العسكريين المشاركة في الحياة السياسية أو الترشح للانتخابات، في وقت يشغل عدد كبير من قادة «الحشد» مواقع في عضوية مجلس النواب أو الحكومة.

وفي سياق النقاش المندلع في العاصمة الأميركية، أصدر «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى» دراسة مفصلة حول الوضع القانوني لـ«الحشد»، وحول الخيارات المتاحة أمام بغداد وواشنطن للتعامل مع النموذج العراقي الذي قارنته الدراسة بنموذج «حزب الله»، الذي نجح - حسب الدراسة - بالسيطرة على لبنان.

وتورد الدراسة أن إعلام «الحشد» يبدو مفتوناً بإمكانية «استخدام المؤسسات القانونية، المحلية والدولية، لتقييد وتشويه سمعة خصومه الأقوى منه عسكرياً»، مثل الولايات المتحدة. وتنقل عن «بعض المعلقين المرتبطين بالميليشيات»، أن الولايات المتحدة تسعى إلى «شن حرب قانونية ضد الميليشيات».

وتتابع الدراسة أن «الميليشيات تسعى في نهاية المطاف للسيطرة على الدولة العراقية من خلال مزيج من المكاسب الانتخابية، وإقامة حكومة ظل للسيطرة على السكان والموارد»، وهو ما «يعكس جهود حزب الله في لبنان، ولكن لتحقيق هذا الهدف، تحتاج الميليشيات إلى الشرعية الشعبية والدعم»، في وقت تشير استطلاعات الرأي أن الدعم الشعبي العراقي للميليشيات، محدود.

وتضيف: «يرى المقاومون أنفسهم على أنهم مدافعون عن السيادة العراقية من ناحية، بينما يقسمون الولاء للولي الفقيه في إيران (المرشد علي خامنئي)».

كل هذا يعني، حسب الدراسة، أن الميليشيات «ترغب في أن يُنظر إليها على أنها مدافعة عن القانون العراقي ومصلحة العراق، بدلاً من صورتها كمنتهكة للقواعد والقوانين، رغم انتهاكاتها الجسيمة والمتكررة للقوانين العراقية».

وتشير الدراسة إلى أن «الحشد» يسعى عبر وسائله الإعلامية إلى تطويع القانون لمصلحته، فتصور وجوده على أنه قانوني، في وقت هو عكس ذلك، وتصور وجود المستشارين العسكريين الأميركيين في العراق على انه غير قانوني، رغم أن هذا الوجود يستند إلى طلب رسمي وجهته الحكومة العراقية إلى الأمم المتحدة في العام 2014.

«تدّعي المقاومة أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هو احتلال... ما يعني أن استهداف الأميركيين مبرر بموجب القانون العراقي والدولي، على غرار ما يقول زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي»، الذي كان اعتبر أن «القانون الإلهي وقوانين الأمم المتحدة تسمح لكل من يواجه الاحتلال بحمل السلاح ومقاومة المحتل»، حسب الدراسة، التي تتابع أن دعاية «الحشد» تعمد إلى «الخلط بين عناصر قانون النزاع المسلح ومفاهيم النضال من أجل تقرير المصير وقانون الحرب».

وتواصل الميليشيات العراقية الموالية لإيران عملية التضليل التي تقودها عبر وسائل إعلامها، فتشير إلى تصويت في مجلس النواب في الخامس من يناير 2020 لطرد القوات الأميركية، ولكنه «كان تصويتاً غير ملزم بسبب عدم توافر النصاب المطلوب لعقد جلسة» في ظل غياب كتلتي الكرد والسنة.

وتشير الدراسة إلى أن المادة 42 من أنظمة لاهاي لعام 1907 «تعتبر الأرض محتلة عندما تكون بالفعل تحت سلطة جيش معادٍ»، وأن الاحتلال يقتصر على الأراضي التي تمارس فيها السلطة العسكرية سلطتها، «لكن الولايات المتحدة ليست جيشاً معادياً، بصفتها مدعوة من حكومة العراق، ولا تمارس أي سلطة على الأراضي العراقية».

مع ذلك، «لا تمنع هذه الحقائق، المقاومة من استخدام القانون الدولي الإنساني لتبرير هجماتها، إذ حسب تصريحات قادة الميليشيات، تبدو الولايات المتحدة قوة أجنبية معادية تحتل العراق وتنتهك سيادته»، لكنها فعليا لم تعد كذلك من نهاية العام 2011.

وفي سياق متصل، نشرت هولي ماكاي في «انسايد سورسز» أن «الميليشيات ليست جديدة»، وأنه منذ 1979،«قام النظام الديني في إيران بتمويل وتحصين شبكة من الجماعات المطيعة والمسلحة جيداً في معظم أنحاء الشرق الأوسط».

وقالت ماكاي إن «الفصائل العراقية كانت تحت قيادة قاسم سليماني، القائد الغامض لفيلق القدس الإيراني، حتى تاريخ مقتله برفقة قائد ميليشيا الحشد أبو مهدي المهندس في غارة أميركية بطائرة مسيرة في أوائل عام 2020»، وهو ما أشعل ثأراً حيث «لا يزال عدد من رجال الميليشيات يسعون للانتقام من الولايات المتحدة، ما أدى الى شن أكثر من 40 هجوماً ضد البنية التحتية الأميركية في الربع الأول فقط من هذا العام».

وكانت اعتداءات الميليشيات العراقية الموالية لإيران على أهداف أميركية، دفعت الرئيس جو بايدن لإعطاء الضوء الأخضر لشن غارة جوية ضد بعض الفصائل العاملة بالقرب من الحدود العراقية - السورية في 25 فبراير. مع ذلك، واصلت الميليشيات الإصرار على أنها مصممة على إخراج الأميركيين من العراق، «مما يسهل عليها تثبيت الأجندة الإيرانية في جميع جوانب المجتمع العراقي».

ورأت ماكاي أن هدف «الحشد» متعدد الجوانب، اذ «هو لا يتعلق فقط بالأعمال العسكرية»، بل يشمل جوانب في «الاقتصاد والتعليم إلى الدين والأمن». وينظّم أنصار إيران في العراق «التظاهرات، ويشنون حروبا ضد خصومهم السياسيين، ويغتالون الصحافيين والأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويفجرون متاجر الخمور، ويدمرون صالونات التجميل بما يتماشى مع رؤية إيران لما هو حرام» دينياً.

ونقلت ماكاي عن الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي اي) دانيال هوفمان أن «إيران تستخدم ميليشياتها في العراق لمضاعفة الضغط (ضد الولايات المتحدة)، لكن الميليشيات تريد أيضا كسب المال، والحصول على السلطة والسيطرة، وهو ما يعني أن الميليشياويين العراقيين سعداء بالقيام بما تطلبه إيران في سبيل مصالحهم الشخصية الأنانية».

الثلاثاء، 20 أبريل 2021

القرن الـ21.. القرن الأميركي الثاني

حسين عبدالحسين

مع نهاية الحرب الباردة، وانتصار الولايات المتحدة والرأسمالية على روسيا والشيوعية، كتب فرانسيس فوكوياما مقالته "نهاية التاريخ". بعده بخمس سنوات، وقف الرئيس السابق بيل كلينتون في خطاب قسمه لولاية ثانية، مطلع 1997، ليعلن أن القرن العشرين كان قرنا أميركيا. ثم أسدلت هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية الستار على القرن الماضي، وحاولت الولايات المتحدة استخدام قوتها لنشر الديمقراطية، فغرقت في مستنقعي أفغانستان والعراق، وتلى ذلك "الركود الكبير" في 2008، الذي تزامن مع استمرار النمو الرهيب للاقتصاد الصيني، فأجمعت المعمورة أن القرن الأميركي ولّى، وأن الآتي هو قرن صيني تتربع فيه بكين على عرش العالم. لكن المعمورة كانت مخطئة. 

القرن الحالي انتهى مساء 6 يناير الماضي، بعد اعتداء متظاهرين على مبنى الكونغرس في واشنطن. لأول وهلة، بدا الاعتداء وكأنه أسدل الستار على العظمة الأميركية، لكن الأهم كانت اللحظة التي أعلنت فيها رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، أن الاعتداء "على معبد الديموقراطية" لن يثني المشرعين عن المضي في المصادقة على نتائج الانتخابات، ومثلها فعل رئيس مجلس الشيوخ ونائب الرئيس الجمهوري مايك بنس، يسانده زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. دور بنس وماكونيل سيتذكره التاريخ، إذ كان يمكن لهما الوقوف في صف الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب في معارضته للمصادقة على النتائج، ولكنهما لم يفعلا ذلك. 

لم يقو رئيس أميركا، أقوى رجل في العالم، على تعطيل الديمقراطية الأميركية، بل فشلت محاولته في استخدام العنف في تعطيل عمل السلطة التشريعية ووقف عملية انتقال السلطة التنفيذية. 

لم يفت آباء أميركا المؤسسون أن القوة تُسكِر صاحبها، وأنه يمكن لأي رئيس أميركي أن يحاول القضاء على الديمقراطية ليتفرد بالحكم. لذا، كل ما في دستور أميركا ومؤسساتها يُعلي سلطة الشعب وممثليه فوق كل السلطات الباقية، بما فيها الرئيس. حتى مبنى الكونغرس، تم بناؤه على تلّة مرتفعة، وبضخامة لافتة، مقارنة بالبيت الأبيض مقر الرئيس، الأصغر حجما، والذي تم بناؤه أسفل التلّة.

أهمية سلطة المحكومين على الحاكم فاتت القوى التي تطمح لمنافسة أميركا وانتزاع صدارة العالم منها. في الصين، أول ما فعله شي جينبينغ بعد تسلمه الرئاسة هو إلغاء البنود التي تحدد فترة رئاسته بعشر سنوات. ثم أطلق حملة "عبادة الفرد" متمحورة حول شخصه، وربط بين ما أسماه "الحلم الصيني"، وهي استعارة من "الحلم الأميركي"، وبين بقائه رئيسا للصين الى الأبد.

من عايش فترة "الركود الكبير"، وانتقال الرئاسة الأميركية من جورج بوش الابن إلى باراك أوباما، قد يتذكر الخوف الذي عاشته أميركا من إمكانية تفوق الصين عليها، حتى أن حكام الصين راحوا يتحدثون عن نموذجهم العالمي الذي كان مفترضا أن يخلف "إجماع واشنطن"، وهذا كان عبارة عن سلسلة من السياسات النيوليبرالية التي تقضي بترشيق الحكومات وتقليص مؤسساتها ودورها، وإطلاق عنان القطاع الخاص لتحقيق نسب نمو اقتصادي مرتفع. لكن مع "الركود الكبير"، قدمت الصين "اجماع بكين"، القاضي بإضافة "يد الدولة" إلى جانب "يد السوق الخفية"، التي يرتكز عليها الاقتصاد الرأسمالي الحر.

مرّ 13 عاما منذ "الركود الكبير"، وبقيت الصين قوة من الدرجة الثانية، لم تنجح حتى في ضبط انفلات فيروس كورونا المستجد، الذي تحول إلى وباء أدى إلى مقتل الملايين حول العالم، وشلّ الاقتصاد العالمي. كل حكومة تعاني من هفوة، لكن بكين أمعنت في فشلها، إذ أن حكام مقاطعة ووهان كانوا يخشون أن تؤدي تقاريرهم عن تفشي الوباء إلى حرمانهم الترقية داخل الحزب الشيوعي، فتفادوا الإشارة إلى الخطر، بل قمعوا أصوات الأطباء والخبراء الذين حذروا من الوباء. 

ثم اتصلت تايوان بـ"منظمة الصحة العالمية" وحذرتها من أن الوباء في الصين خرج عن السيطرة. لكن المنظمة، التي ينخرها الفساد، امتنعت عن تعميم تحذير تايوان لتفادي غضب بكين، التي تخشى أن يكون قبول المنظمة التحذير التايواني بمثابة اعتراف بسيادة تايوان. هكذا، فوتت الصين و"منظمة الصحة العالمية" فرصة ثانية لتفادي الوباء لأسباب سياسية تافهة.

بعد اعتراف الصين بالوباء، راحت تتباهى بحسن تنظيمها في ضبطه وببنائها مستشفى كامل في مهلة 24 ساعة للتعامل مع فائض المصابين. لا يهم أن الصين فرضت حظر تجول شبه دائم على مئات الملايين من الناس، ولا يهم أن بكين راحت تخفي أرقام الإصابات والوفيات، بل طردت وسائل الإعلام الغربية لفرض تعتيم على الوقائع. كل ما يهم هو السمعة والتظاهر بالعظمة.

أما الولايات المتحدة، فبدت فاشلة: لا قرارات مركزية، وتردد في الحد من حرية المواطنين، وتسجيل أعلى أرقام إصابات ووفيات في العالم. لكن مع الحرية يأتي الابتكار، ومع الابتكار يأتي تفوق أميركا في صناعة لقاح فعّال في أقصر مدة زمنية ممكنة، ما أجبر الصين وروسيا على الإعلان عن صناعة لقاحات كذلك للتباهي بمقارعة أميركا. لكن بعد شهور، اعترفت الصين أن لقاحها لا يعمل، فيما تبين أن روسيا سرقت وصفة اللقاح الأميركي بالتهكير، وفشلت في صناعته بجودة مشابهة، فعانى من تلقوا اللقاح الروسي، من أمثال رئيس الأرجنتين، بالإصابة بالفيروس بعد أشهر على لقاحهم.

فوتت الصين فرصة للانتقال من كونها مصنع العالم إلى زعيمته يوم انتقلت من ديكتاتورية الحزب إلى حكم الفرد، بدلا من الانتقال إلى الديموقراطية. هكذا، اقتصرت العظمة الصينية على قطاع واحد فقط هو البناء. يمكن للصين بناء ألف بناية وجسر في طرفة عين، ولا يمكنها صناعة لقاح واحد. أما أميركا، فتصدرت العالم في سرعة تلقيح سكانها. ثم راح رئيسها جو بايدن يعمل على إقرار قانون لتأهيل وتوسيع البنية التحتية بتكلفة ثلاثة ترليونات دولار، وهو مبلغ يمثل ثلث حجم الاقتصاد الصيني.

وإن وافق الكونغرس على مشروع بايدن، تتفوق أميركا على الصين في القطاع الوحيد المتبقي للصينيين، أي البناء، في وقت تعاني بكين من أزمة سيولة تستجديها لتمويل مشروعها الدولي المتعثر "الحزام والطريق". ويوم تتوقف الصين عن البناء، يتوقف اقتصادها عن النمو، ولا يتبقى لها إلا التلاعب ببياناتها المالية للتصوير وكأنها حققت الخطط الحكومية المقررة سلفا. على هذا الشكل انتهت فورة الاتحاد السوفياتي، وهكذا ستنتهي على الأرجح الفورة الصينية، وستبقى أميركا والديمقراطيات الغربية، وسيكون القرن الحالي قرنا أميركيا ثانيا في التاريخ.

الخميس، 15 أبريل 2021

باسيل يعد واشنطن بالانفصال عن «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

رصد المراقبون في العاصمة الأميركية نشاطاً تقوم به مجموعة من اللبنانيين الأميركيين، باسم وزير خارجية لبنان السابق جبران باسيل، وينقلون عنه وعده لمسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن ولأعضاء نافذين في الكونغرس بأنه مستعد لإنهاء تحالف حزبه «التيار الوطني الحرّ» مع «حزب الله»، وإعلان تبنيه كل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو لحل الميليشيات في لبنان، كالقرارين 1559 و1701، في حال وافقت واشنطن على تبني وصول باسيل لرئاسة الجمهورية في لبنان.


وتنتهي ولاية رئيس لبنان ميشال عون، البالغ من العمر 86 عاماً، في 18 شهراً ونصف الشهر. ويحظر الدستور اللبناني تجديد أو تمديد الولاية الوحيدة للرئيس، على الرغم من ثلاثة استثناءات أدت إلى تمديد ولايات ثلاث رؤساء سابقين هم بشارة الخوري وإلياس الهراوي وإميل لحود، بواقع ثلاث سنوات لكل منهما.


ويعتقد الخبراء في واشنطن أن أسلوب «حزب الله» وباسيل، يقضي بتجميد الحياة السياسية في لبنان إلى أن يتم لهما ما يريدان. وسبق للحزب اللبناني الموالي لإيران أن فرض فراغاً رئاسياً مرتين لفرض الرئيس الذي يريده الحزب. هذه المرة، يرى الخبراء أن باسيل يتبنى أسلوباً مشابهاً ولكن بتجميده تشكيل حكومة، أي أن الوزير السابق لن يدع عمّه عون يوافق على أي تشكيلة حكومية ما لم يتلق باسيل تعهدات من الأفرقاء اللبنانيين أنهم سيقومون بانتخابه رئيساً خلفاً لعون. كذلك، يسعى باسيل للحصول على تعهدات دولية مشابهة من واشنطن والعواصم العربية الحليفة لها.


ومن يعرفون باسيل يقولون إنه يولي أهمية كبيرة للموافقة الأميركية والعربية لانتخابه رئيساً، وأنه لا يمكنه الوصول إلى الرئاسة بتأييد طهران وحلفائها وحدهم. لهذا السبب، قام باسيل بزيارات متعددة إلى واشنطن على مدى السنوات الماضية، منها أثناء عمله وزيراً للخارجية. لكن على الرغم من منصبه الرسمي، لم تمنحه الإدارات الأميركية المتعاقبة أي لقاءات رسمية تذكر.


وكان اللقاء الرسمي الأخير لباسيل في العاصمة الأميركية مع نائب وزير الخارجية السابق جون سوليفان في يوليو 2018، وجاء اللقاء على هامش مؤتمر الحريات الدينية الذي استضافته واشنطن. لكن في السنة التالية وأثناء مشاركته في المؤتمر نفسه، حرمت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب باسيل أي لقاءات رسمية، فاكتفى بحضور حفل عشاء أقامه «التيار الوطني الحر» وشاركت فيه عمدة مدينة واشنطن موريل بوزير بسبب العلاقة التي تجمع المنظمين، وهم من المقاولين ممن يشرفون على مشاريع في العاصمة، مع بوزير.


ومضت العلاقة تتدهور بين الولايات المتحدة وباسيل حتى بدا أنها ارتطمت بالقعر، في نوفمبر، عندما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات مالية على الوزير اللبناني السابق بموجب قانون ماغنتسكي، الذي يعاقب المسؤولين ممن يجنون أموالاً بالإفادة من مواقعهم في الدولة بالاقتران مع ارتكابهم اختراقات لحقوق الإنسان. وفي حالة باسيل، كان السياق الذي اعتمدته إدارة ترامب مبني على اعتبار أن باسيل أثرى من مناصبه الحكومية بسبب تحالفه مع «حزب الله»، الذي تضعه واشنطن على لائحتها للتنظيمات الإرهابية.


واعتبر باسيل أن العقوبات الأميركية التي تعرّض لها كانت ثمن «مواقفه المؤيدة للمقاومة»، لكنه مع ذلك، لم يتخل عن حلم نيل تأييد الولايات المتحدة وحلفائها العرب للوصول للرئاسة خلفا لعمّه عون.


ومنذ نوفمبر، تحرك عدد من اللبنانيين الأميركيين من المؤيدين لـ «التيار الوطني الحر»، الذي يرأسه باسيل، لإصلاح الأمور بين الوزير اللبناني السابق والعاصمة الأميركية. ومن قياديي التيار سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى، الذي أمضى عقوداً في الولايات المتحدة أثناء سني منفى عون في باريس. وكان عيسى من أبرز الأصوات التي كانت تحرّض ضد احتلال قوات الرئيس السوري بشار الأسد للبنان وتنادي بحل ميليشيا «حزب الله».


لكن انقلاب عون من معارض للأسد و«حزب الله» إلى حليفيهما، وعودته إلى لبنان، ثم فوزه بكتلة نيابية وبعدها وصوله للرئاسة، أجبر «العونيين» في الولايات المتحدة على انتهاج سياسة مضادة لتلك التي كانوا انتهجوها على مدى عقود، وهو ما أدى إلى خسارتهم معظم حلفائهم وعزلتهم، وهي العزلة التي يعاني منه السفير اللبناني عيسى، الذي بالكاد يلتقي أي من المسؤولين الأميركيين في أي من الإدارات المتعاقبة.


على أن فوز بايدن، ووصول بعض أصدقاء إيران إلى مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية، جدد أمل «العونيين» بإمكانية عكس قرارات الإدارة السابقة، أي كما ترفع أميركا عقوبات ترامب عن إيران وتعود للاتفاق النووي، يمكن لها أن ترفع عقوباتها على باسيل، وتنظر في إمكانية فوزه بالرئاسة اللبنانية.


لكن ما لا يدركه «العونيون» هو أن مشكلة واشنطن مع «حزب الله» لا تتأثر بعلاقتها مع طهران، إذ سبق للرئيس السابق باراك أوباما أن وقع على قانون عقوبات على «حزب الله» في الأسابيع، التي تلت توقيعه على الاتفاقية النووية مع إيران. حتى طهران نفسها لم تعترض - في ذروة التقارب بينها وبين واشنطن - على العقوبات الأميركية على الحزب اللبناني الموالي لها. وكذلك الأمر سيكون مع باسيل، أي أنه حتى لو استعادت واشنطن العلاقة الأفضل مع طهران، سيبقى «حزب الله» على اللائحة الأميركية السوداء، ومعه حلفاؤه مثل باسيل.


ختاما، يقول المتابعون إن أصدقاء باسيل في واشنطن يسعون لإقناع أميركا أن الوزير السابق مستعد لتبني القرارات الدولية لأن «حزب الله» ليس مشكلة لبنانية، بل هو مشكلة دولية، وانه «إذا لم يكن العالم قادرا على حلّ ميليشيا حزب الله، فكيف يتوقع الأميركيون أن تنجح دولة لبنان بذلك؟»


وسبق لباسيل ورئيس حكومة لبنان المكلّف سعد الحريري أن أعلنا - إبان التسوية بينهما التي أدت لانتخاب عون رئيساً، وأعادت الحريري رئيساً للحكومة - أن دولة لبنان في حلّ من التعاطي مع «مشكلة حزب الله»، التي صنفوها «مشكلة دولية». ووافقت واشنطن على ذلك الترتيب على مضض، لكن ما لبث أن توصل المسؤولون الأميركيون إلى ما مفاده أن «حزب الله ليس مشكلة دولية، بل هو مشكلة اللبنانيين، أولاً وأخيراً».

الأربعاء، 14 أبريل 2021

الاستخبارات الأميركية: إيران لا تطوّر سلاحاً نووياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين 

في تقريرها السنوي المشترك حول المخاطر المحدقة بالمصالح الأميركية، أفادت أجهزة الاستخبارات الأميركية بأن إيران «لا تقوم حالياً بالنشاطات الأساسية المطلوبة لتطوير سلاح نووي».

وذكر تقرير الاستخبارات أنه «بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018، تخلى المسؤولون الإيرانيون عن بعض التزامات إيران واستأنفوا بعض النشاطات النووية التي تتجاوز حدود الاتفاقية».

وفي تقديرها هذا، تفترق الاستخبارات الأميركية عن بعض الاستخبارات الحليفة، وفي طليعتها الإسرائيلية، التي زار رئيسها يوسي كوهين العاصمة الأميركية، هذا الأسبوع، وعقد سلسلة لقاءات مع نظرائه وكذلك مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.

وتشير إسرائيل إلى أن بحوزتها معلومات تثبت أن البرنامج النووي الإيراني ليس سلمياً، بل هو برنامج عسكري سري.

وتوقعت الاستخبارات الأميركية، في تقريرها، أن تعمد إيران إلى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة تصل 60 في المئة، فضلاً عن إمكانية بنائها مفاعل «مياه ثقيلة» قوته 40 ميغاوات، ما لم تقم واشنطن برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على طهران.

إلا أن التقرير رأى أن إيران ستشكل «خطراً متواصلاً على الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في المنطقة، وستسعى لإضعاف النفوذ الأميركي، ولدعم المجموعات السكانية (الموالية لها) خارج إيران، ولتعزيز نفوذها وبسطه في الدول المجاورة، ولتشتيت الضغط الدولي، ولتقليص المخاطر المحيطة باستقرار النظام».

وأورد التقرير أنه «على الرغم من أن تدهور اقتصاد إيران وسوء سمعتها في المنطقة يمثلان عقبات لأهدافها، ستلجأ إيران لاستخدام أدوات متعددة، كالديبلوماسية، وتوسيع برنامجها النووي، وبيع وشراء معدات عسكرية، واللجوء لهجمات يشنها التابعون لها وحلفاؤها لتحقيق أهدافها».

وأضاف: «نتوقع أن تقوم إيران بمجازفات من شأنها تصعيد التوتر وتهديد الولايات المتحدة ومصالح حلفائها على مدى السنة المقبلة».

وتابعت الاستخبارات الأميركية أن «إيران ترى نفسها في صراع مع أميركا وحلفائها، الذين تراهم يسعون للحد من نفوذها الجيوسياسي، ولتغيير النظام» في طهران.

واعتبرت الاستخبارات أن «نية إيران في شن أي هجوم يرتبط بنية الولايات المتحدة على الرد، وعلى قدرة إيران على شن هجوم من دون إشعال صراع عسكري مباشر، وكذلك من دون زعزعة إمكانية رفع أميركا عقوباتها» المفروضة على طهران.

وخصص التقرير فقرة للتدخل الإيراني في الدول العربية، ولفت إلى أن «إيران ستواصل إثارة المشاكل في العراق»، وأنها «مصممة على الحفاظ على نفوذها في سورية... وستبقى قوة مزعزعة للاستقرار في اليمن».

كما تطرق التقرير الاستخباراتي الأميركي إلى سورية، وتوقع أن «يتواصل الصراع، والتدهور الاقتصادي، والأزمة الإنسانية في سورية في السنوات القليلة المقبلة، وستزداد التهديدات للقوات الأميركية». وأضاف أن «الرئيس بشار الأسد يسيطر تماماً على قلب سورية، لكنه سيشقى للسيطرة على كل البلاد في مواجهة بقايا الانتفاضة المسلحة ضده، بما في ذلك القوات التركية، والمتطرفين الإسلاميين، والمعارضة في إدلب».

وأضاف التقرير الأميركي أن «الأسد سيعطل أي مفاوضات ذات مغزى وسيواصل اعتماده على روسيا وإيران، وأن القوات الأميركية شرق سورية ستواجه تهديدات من المجموعات الموالية للنظامين السوري والإيراني، غالباً عبر هجمات يمكن نفي المسؤولية عنها». وتوقع التقرير أن يؤدي المزيد من القتال أو الانهيار الاقتصادي إلى موجة ثانية من هجرة السوريين خارج بلادهم.

ولم يتطرق التقرير إلى لبنان، لكنه تطرق إلى «حزب الله»، وتوقع أن «يقوم حزب الله بالتنسيق مع إيران والميليشيات الموالية لإيران، بالاستمرار في تطوير إمكانات إرهابية كردع، وكخيارات رد، وكأدوات قمع ضد خصومه» داخل لبنان.

وأضاف التقرير أن «تركيز حزب الله على تقليص النفوذ الأميركي في لبنان والشرق الأوسط تكثّف بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني».

وتابع التقرير أن «لحزب الله إمكانات على استهداف - بصورة مباشرة وغير مباشرة - المصالح الأميركية في لبنان والمنطقة، وحول العالم، وبدرجة أقل داخل الولايات المتحدة».

وعن العراق، اعتبرت الاستخبارات الأميركية في تقريرها السنوي أن «الحكومة العراقية ستواصل صراعها في قتال تنظيم داعش والسيطرة على الميليشيات المدعومة من إيران».

وذكرت أن الأميركيين في العراق «سيواجهون مخاطر إن تحولت التظاهرات الشعبية ضد الفساد الحكومي والتدهور الاقتصادي إلى أعمال عنف، أو اذا انخرطت بغداد في صراع إقليمي أوسع».

الرياض تدعو لاتفاق دولي مع طهران بـ«محددات أقوى»

شددت الرياض أمس، على أهمية توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق مع طهران «بمحددات أقوى وأطول، بما يعزز إجراءات الرصد والمراقبة ويضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي».

وأعربت وزارة الخارجية السعودية، في بيان أوردته «وكالة واس للأنباء»، بأن «المملكة تتابع بقلق التطورات الراهنة لبرنامج إيران النووي، والتي تمثلت آخرها بالإعلان عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، الأمر الذي لا يمكن اعتباره برنامجاً مخصصاً للاستخدامات السلمية».

وأضافت: «تدعو المملكة إيران إلى تفادي التصعيد وعدم تعريض أمن المنطقة واستقرارها للمزيد من التوتر».

وأكدت «أهمية توصل المجتمع الدولي لاتفاق بمحددات أقوى وأطول، وبما يعزز إجراءات الرصد والمراقبة ويضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي أو تطوير القدرات اللازمة لذلك، ويأخذ بعين الاعتبار قلق دول المنطقة العميق من الخطوات التصعيدية التي تتخذها إيران».

وكان سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كاظم غريب آبادي أعلن أن بلاده ستحصل على يورانيوم مخصب خلال أسبوع بنسبة 60 في المئة.

واعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن قرار إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة بعد الانفجار في محطة ناتانز هو «رد» طهران على «الإرهاب النووي» لإسرائيل.

الثلاثاء، 13 أبريل 2021

أولى ثمار الحوار الإستراتيجي بين واشنطن وبغداد... غير أمنية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في وقت تَركَّزَ انتباهُ المراقبين على شؤون التعاون العسكري والاستخباراتي والأمني في الحوار الإستراتيجي بين واشنطن وبغداد، والذي انعقدت أحدث جلساته الأسبوع الماضي، تبيّن أن التحالف الأميركي - العراقي بدأ يتباحث بشكل أوسع في شؤون غير أمنية، في طليعتها الشؤون الاقتصادية، إذ تعتقد إدارة الرئيس جو بايدن أن نمو العراق اقتصادياً يسمح لبغداد بالتعامل مع الملفات الشائكة الأخرى، خصوصاً موضوع الميليشيات الموالية لإيران، بشكل أفضل.
وورد في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عن الحوار بين البلدين، الذي انعقد عبر الإنترنت وترأسه وزيرا خارجية البلدين، أن «الولايات المتحدة أعربت عن دعمها لجهود العراق لإصلاح قطاع الطاقة حتى يحصل مواطنوه على كهرباء أرخص بشكل موثوق، مع انقطاع أقل في التيار الكهربائي». كما «أكد البلدان دعمهما للعراق في تنويع مصادر طاقته من خلال بناء علاقات أوثق مع جيرانه في الأردن وفي دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك من خلال المضي قدما في مشاريع ربط الشبكة الكهربائية».
وظهرت أولى ثمار الحوار الإستراتيجي في العقد الذي وقعته، في دبي هذا الأسبوع، وزارة المال العراقية مع شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية لتأهيل وتطوير سبعة محطات توليد كهرباء في عموم البلاد هي القدس وخيرات وجنوب بغداد والحلة والمسيب والحيدرية وكربلاء. وتنتج هذه المحطات، مجتمعة، 2.7 غيغاوات من الكهرباء.
وتشير بيانات وزارة الطاقة الأميركية إلى أن ذروة الطلب على الكهرباء في العراق، في موسم الصيف الحار، تبلغ 27.5 غيغاوات، وأن لدى العراق قدرة على توليد 33 غيغاوات. لكن انعدام الصيانة لمحطات الانتاج وشبكات التوزيع، فضلاً عن انخفاض فعالية الانتاج والتوزيع العراقية لأسباب متعددة، منها أن أكثر من نصف الكهرباء تتم سرقتها، كلها أثّرت على الكهرباء العراقية وأدت لانقطاع التيار، الصيف الماضي، وهو ما ساهم في تأجيج الاحتجاجات الشعبية في الشارع.
وتضيف بيانات الطاقة الأميركية أن «قطاع الكهرباء في العراق يعتمد على إيران في الكثير من إمداداته»، وأنه «في عام 2019، تم توليد نحو 23 في المئة من كهرباء العراق بالغاز الطبيعي المستورد من إيران، كما استورد العراق نحو خمسة في المئة من الكهرباء من إيران».
ويأمل الأميركيون أن يؤدي دعمهم لقطاع الطاقة العراقي لاستقلاليته عن إيران، وهي سياسة تتعارض تماما مع سياسة طهران، المتمحورة حول ما يسميه مرشدها الأعلى علي خامنئي «اقتصاد المقاومة»، ويقصد به «اكتفاء ذاتياً» إيرانياً بالتعاون مع الدول المتحالفة مع إيران والمجاورة لها، مثل العراق وسورية ولبنان وأفغانستان. ويقول المسؤولون الإيرانيون أن تكلفة مبيعاتهم الغاز والكهرباء للعراق بلغت تسعة مليار دولار. وسمحت إدارة الرئيس بايدن للعراق بالإفراج عن أربعة مليارات وتسديدها للإيرانيين.
لكن المسؤولين العراقيين يعتقدون أن إيران تفرض تسعيرة مرتفعة على العراقيين، وأن بتسعة مليارات دولار كان يمكن للعراقيين زيادة قدرتهم الإنتاجية وتصدير الفائض إلى دول الجوار.
ومع تأمين التيار الكهربائي لكل العراقيين في موسم الصيف، تأمل واشنطن بإصابة عصفورين بحجر، إذ يتحرر العراق من الاعتماد على إيران، ويمكنه تفادي الاحتقان الشعبي في الشارع.
وفي السياق نفسه، تضمّن الحوار الإستراتيجي الأميركي - العراقي الحديث عن كيفية دعم الاقتصاد العراقي. ويتوقع «صندوق النقد الدولي» أن ينمو اقتصاد العراق بواقع واحد في المئة هذا العام، بعدما تقلّص بواقع أربعة في المئة العام الماضي. ويتوقع الصندوق أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط اثنين ونصف في المئة.
وتأمل واشنطن في أن تساهم في رفع نسبة نمو الاقتصاد العراقي، خصوصاً بعدما نجحت إصلاحات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في ضبط نزيف احتياطي العملات الأجنبية، الذي تستخدمه بغداد لتثبيت سعر صرف الدينار. وتشير البيانات العراقية إلى أن حجم الاحتياطي العراقي بلغ 60 مليار دولار، وهو الأعلى منذ فترة.
وكانت «غرفة التجارة الأميركية»، وهي هيئة غير حكومية مركزها واشنطن، أصدرت بياناً قبل موعد انعقاد الحوار الأميركي - العراقي ضمنته دعوة للتعاون في أربعة مجالات بين البلدين هي الصحة، والغاز، والمال، ونمو الوظائف في القطاع العراقي الخاص.
وذكرت الغرفة في بيان أن «هناك فرصة لدفع الإصلاحات وخلق شراكات جديدة في قطاع الرعاية الصحية، وهو ما لديه تأثير واسع وإيجابي على العراقيين».
وأضافت أن العراق «لديه الموهبة البشرية للتفوق في هذا المجال، ومع ذلك، يعاني من بيروقراطية ضخمة، وسياسات وأنظمة قديمة تعيق التعاون والوصول إلى حلول صحية مبتكرة».
وأوصت الغرفة بإقامة «حوار صحي بين الولايات المتحدة والعراق يركز على الإصلاح والتعاون في مجال الرعاية الصحية... ومن الضروري أن يكون القطاع الخاص جزءا من هذه المناقشة المستمرة».
وعن الغاز، أشارت الغرفة إلى تقنية يستخدمها العراقيون في استخراج النفط، وهي التي تقضي بحرق الغاز الذي يرافق النفط المستخرج لتصفية الأخير وتنقيته. وأفادت الهيئة الأميركية بأن هذه التقنية صارت قديمة وتتعارض مع الأساليب القائمة، وتساهم في تأزيم الاحتباس الحراري وتغير المناخ، لذا دعت إدارة بايدن إلى تشجيع الشركات الأميركية للاستثمار في القطاع لتحديثه واستثمار الغاز بدلاً من حرقه. وعن القطاع المالي العراقي، أوردت الغرفة في بيانها أنه «يمكن أن يؤدي تطوير قطاع خدمات مالية حديث في العراق إلى تعزيز الاستثمار الأميركي ومشاركة القطاع الخاص، ما سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد بأكمله». وأضافت أنه «يجب تمكين البنوك التجارية للقطاع الخاص في العراق من لعب دور مادي في تمويل مشاريع القطاع الخاص، التي تولد فرص العمل والنمو الاقتصادي بتمويل مشترك من الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين».
وختمت بأنه «في حين أن بنوك الدولة مهمة لتنمية العراق، يجب أن تلعب البنوك الخاصة أيضاً دوراً في إنشاء الائتمان وتلقي الودائع، خصوصاً الشركات الصغيرة والأفراد، كما يجب السماح للبنوك الخاصة ذات رأس المال الجيد بالتنافس على العقود الحكومية وقبول الودائع الحكومية».
الحوار الأميركي - العراقي لم يعد مقتصراً على العسكر الأميركي، وعددهم، وأماكن انتشارهم، ودورهم، وجدول انسحابهم، بل صار منصباً على تنمية الاقتصاد والقدرات العراقية، ودمج الاقتصاد العراقي باقتصاد المنطقة، وهذا ما يتناسب ومطالب المتظاهرين العراقيين، وهذا ما يحرم هواة الحروب فرص تجنيد الشباب الذين يعانون البطالة ولا يجدون أمامهم غير الميليشيات.

عوائق انتشار الديمقراطية عند العرب

حسين عبدالحسين

لم يلق تعثر انتشار الديمقراطية في دنيا العرب وإيران اهتماما يذكر، ومرّ غالبا بلا أبحاث جدية وبلا دراسات، واقتصر التغيير ونقده على جولات عنف وتنابذ بين الحكام ومعارضيهم. 

والعرب والفرس ليسوا وحدهم ممن تعذّر نشر الديمقراطية بينهم. الصين وروسيا، ومعظم أوروبا الشرقية، وأفريقيا، وأميركا الجنوبية، كلها حضارات لا تعرف معظم دولها الديمقراطية حتى اليوم. 

في زمن الحرب الباردة، ساد اعتقاد مفاده وجود ترابط بين الديمقراطية والاقتصاد الرأسمالي الحر. هكذا، بعد انهيار المعسكر الشرقي، سارع الغرب إلى نشر الديمقراطية في روسيا والدول الشيوعية السابقة، وهي محاولات — كما في العراق وأفغانستان — لم تثمر، وهو ما طرح السؤال التالي: كيف نجحت الولايات المتحدة في بناء الديمقراطية في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وفشلت في الدول السوفياتية السابقة وأفغانستان والعراق؟

في كتابها الصادر الشهر الماضي بعنوان "تاريخ الحركات الاجتماعية في إيران"، عزت الأكاديمية في جامعة أوكسفورد، ستيفاني كرونين، الفشل الإيراني المزمن في بناء دولة ديمقراطية إلى تغييرات اقتصادية واجتماعية مرّت بها إيران، إما طوعا أو تحت ضغط غربي، واعتبرت كرونين أن هذه التغييرات التي ناسبت الغرب وأدت إلى تطوره لا تناسب بالضرورة إيران.

ومن نافل القول إن إلقاء اللائمة في الفشل على الرجل الأبيض الأوروبي ونماذجه الاقتصادية والسياسية، كما فعلت كرونين في كتابها، هو التفكير السائد اليوم بين صفوف الأكاديميين الغربيين، وهو بمثابة "التكفير عن ذنوب" يعتقد الغربيون أن الرجل الأبيض اقترفها بحق الشعوب من غير البيض، وتصوير هذه الشعوب على أنها ضحية الجشع والعنصرية الغربية. 

هذا النوع من التفكير قد يولّد شعورا بالفخر لدى الأكاديميين الغربيين بمدى إنسانيتهم وتعاطفهم مع المظلومين، لكنه تفكير يؤذي الشعوب غير الغربية، إذ هو يعفيها من مهمة نقد نفسها لإدراك مكامن خطأها وإصلاح ذاتها، وهو ما يجعل من عملية إلقاء اللائمة على الغرب بلادة فكرية وكسل يعفي الدول الفاشلة من مهمة نقد الذات. 

على أننا لو تجاهلنا عملية الاتهام غير المبررة للغرب، لبدا كتاب كرونين بمثابة دراسة قيّمة في الاقتصاد السياسي الإيراني قدمته المؤلفة في ثلاثة من فصول الكتاب الخمسة، قبل أن تخصص الفصلين الأخيرين للبحث في موضوعين لا تحصرهما بإيران: العبودية والحجاب في الإسلام. 

في الاقتصاد السياسي، تشير كرونين إلى رياح الاقتصاد الرأسمالي الحر التي وصلت إيران وأدت لاهتزاز قرون من الاقتصاد التقليدي الذي اعتاده الإيرانيون. تقول كرونين إنه على غرار الدول الإسلامية، كان يضبط السوق الإيرانية مفهوم "الحسبة" العباسي الإسلامي، وكان المحتسب موظفا في الدولة يتمتع بنفوذ واسع، وكان يضبط الأسعار بالتفاهم مع التجّار، ويراقب الأوزان، ويمنع المضاربين من تحقيق الكسب السريع. لا تتعمق كرونين في تاريخ هذه المؤسسة، لكن يمكن للقراء المهتمين بالموضوع مطالعة مؤلفات المؤرخ اللبناني في جامعة كامبريدج، باسم مسلّم. 

في سباق إيران وتركيا ومصر نحو التحديث في القرن التاسع عشر، قامت كل من هذه الدول بنسخ نماذج الاقتصاد الرأسمالي والتجارة الحرة، وهو ما قوّض الدور الذي كانت تقوم به "الحسبة" تقليديا، وأناط دورها بمجالس بلدية وحكومية محلية. وسمحت التجارة الحرة للمضاربين بالاستغلال ورفع الأسعار، وهو ما أدى إلى "ثورات الخبز" بشكل متكرر، في القاهرة ودمشق وطهران وغيرها. 

وأدى اهتزاز الأمن الغذائي إلى اهتزاز العلاقة بين الحاكم ومحكوميه، ما سمح لاستيلاء الضابط رضا بهلوي على حكم القجر في إيران، وأطاح الضباط الأتراك بحكم السطان العثماني، وانهار ملك مصر، أولا أمام حكم الإنكليز وبعد ذلك أمام انقلاب "الضباط الأحرار". 

وواصل الحكام الجدد، بمساندة النخبة الثقافية، الاندفاعة نحو التحديث، فساهموا في توسيع الشرخ بين الحاكم والنخبة وطبقة الأثرياء، من جهة، والطبقات الأقل دخلا، من جهة أخرى، وهو شرخ استغله الإسلام السياسي، كما في الانقلاب الذي أطاح بمحمد رضا بهلوي في إيران عام 1979، وبعض ثورات الربيع العربي في العقد الماضي. 

هكذا تحمّل كرونين الحداثة مشكلة فشل الدولة الذي تعاني منه إيران وبعض دول العرب اليوم، بدلا من إلقاء اللائمة على هذه الشعوب نفسها، وعلى حكامها ومعارضيهم، في الفشل في اللحاق بالحداثة. ويمكن القول إن الملكيات العربية القائمة اليوم — والتي نجت من انقلابات الشيوعيين ثم التغيير الأميركي وبعده الربيع العربي — هي دليل على أن الحداثة قد تكون ممكنة بشكل تدريجي، لكنها مستحيلة بالشكل الفوري الذي وعد به الانقلابيون العسكر، وبعدهم ثوار الإسلام السياسي.

ويمكن الاستعانة بالتجربة الأوروبية، كما اليابانية والكورية الجنوبية، للاستدلال على طريقة التدرج من ما قبل الحداثة إلى الديمقراطية، حيث يبدو أن قيام الحاكم، بقوة القانون والمحاكم والعدالة، برعايته قيام سوق تنافسية حرة، يدفع الكفاءة إلى الصدارة، والكفاءة بدورها تكسر الروابط القبلية التقليدية، إذ هي تمنح الفرد مدخولا يسمح له بالاستقلال عن القبيلة. 

والاستقلال المالي والاجتماعي يؤدي لاستقلال في التفكير السياسي والمواقف، فيتحول الأفراد إلى مواطنين، مصلحتهم تكمن في حماية الدولة وحكم المؤسسات والقانون. أما من يحاربون سيادة القانون وحكم المؤسسات، فالأفراد ممن لا كفاءة لديهم ممن لا يجدون إلا العنف وسيلة لكسب الرزق، ما يقوّض الدولة ومؤسساتها والاقتصاد الحر، ويستبدله بالاقتصاد الريعي الذي يرى في الاقتصاد غنائم للحاكم، يوزّعها بدوره على العصابات العنفية التي تفيد من حكمه وتبقيه قائما.

تخرج كرونين من الإطار الإيراني وتشير إلى القبائل العربية التي سيطرت، على مدى قرون كثيرة، على جسر عبور التجارة العالمية بين الشرق والغرب. لكنها بسبب انحيازها لإيران ضد العرب، لا ترى كرونين في عرب الزمن الغابر تجّارا بنوا ممالك وحضارة متفوقة تبنى حرفها ودينها وتقاليدها الإيرانيون والأتراك، بل تراهم قطّاع طرق فرضوا خوّات على قوافل التجارة التي مرّت عبر أراضيهم. 

مقاربة تعثر انتشار الديمقراطية في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليبيا من زاوية الاقتصاد السياسي فكرة سديدة. لكن الانحياز لإيران، وإلقاء لائمة فشل هذه الدول على الديمقراطية نفسها وعلى الاقتصاد الرأسمالي، واعتبار أن هذه المبادئ الغربية لا تناسب المجتمعات التقليدية، هو ضرب من "الاستشراق" الذي تنتقده كرونين تقريبا في كل صفحة من كتابها وتمارسه في الوقت نفسه.

الاثنين، 12 أبريل 2021

«الموساد» يضغط لإقناع بايدن بعدم العودة لـ «النووي»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

سبقت زيارة رئيس الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، يوسي كوهين، إلى العاصمة الأميركية «إنجازات» جهازه، مع تداول وسائل الإعلام أنباء عن أضرار فادحة طالت منشأة ناتانز النووية الإيرانية، بسبب هجوم - يعتقد خبراء أنه سيبراني - أدى إلى تعطيل جزء كبير من الشبكة الكهربائية في المنشأة وتخريب عدد غير معروف حتى الآن من طرود التخصيب المركزي لليورانيوم.

وكانت إيران أعلنت، السبت، استبدالها عدداً من طرود ناتانز القديمة بأحدث منها من الجيلين الخامس والسادس، لكن «الحادث» الذي أعلنت عنه وسائل الإعلام الإيرانية يبدو أنه أدى إلى تدمير معظم هذه الطرود، وأدى إلى تعثّر عملية التخصيب التي تقوم بها طهران.

وتتوقع مصادر الإدارة الأميركية أن يجري كوهين في واشنطن سلسلة من اللقاءات مع نظرائه من قادة أجهزة الاستخبارات الأميركية، وأن يقوم بتزويدهم بمعلومات سرية وحساسة جمعتها إسرائيل حول برنامج إيران النووي.

وتشير تقارير في العاصمة الأميركية إلى أن لدى الإسرائيليين معلومات تؤكد أن «الجمهورية الإسلامية دأبت على إخفاء جزء كبير من برنامجها النووي، وأنها تدير برنامج تسلح نووياً، على عكس ما تعلنه لناحية أن أهداف برنامجها سلمية محضة وهدفها توليد الطاقة النووية للاستخدام المحلي».

وتشير المصادر الأميركية إلى أن تفاصيل البرنامج النووي الإيراني «تلفها السرية»، وأن وكالة الطاقة الذرية النووية وعواصم القرار تشارك نفسها في إحاطة هذه التقارير بالسرية حتى لا يتحول أي تقرير أممي إلى مرجع للإيرانيين يشير إلى مكامن الخلل في برنامجهم.

ويقول مسؤول أميركي رفيع إن التقارير التي تتحدث عن البرنامج النووي الإيراني، وتقدم تقديرات عن مدى قربه أو بعده من صناعة سلاح، «قد تشير إلى خطوات لم تتخذها إيران بعد، ربما عن غير قصد طهران، وهو ما قد ينبّه الإيرانيين إلى الثغرات في برنامجهم النووي فيقوموا بسدّها».

لذلك، ما تزال التقديرات حول كمية قرب أو بعد الإيرانيين عن صناعة سلاح نووي محاطة بالسرية، لكن أجهزة الاستخبارات، مثل الإسرائيلية، لديها اطلاع على الموضوع، وهو ما يعني أن السياسة الإسرائيلية تتحرك وفق معطيات غير متاحة للعامة، بمن في ذلك كبار الديبلوماسيين في عواصم العالم، وهو ما يدفع كوهين إلى محاولة لقاء الرئيس جو بايدن شخصياً، لأن بايدن يتطلع على كل التقارير الاستخباراتية، بما فيها الأكثر سرية. وقالت المصادر الأميركية إن الديبلوماسيين الإسرائيليين يعكفون على محاولة تدبير لقاء بين كوهين وبايدن حتى يقوم المسؤول الإسرائيلي بإقناع الرئيس الأميركي بمخاطر عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

وكانت كل من الولايات المتحدة وإيران انخرطت في محادثات غير مباشرة، في العاصمة النمسوية فيينا، الأسبوع الماضي، حول إمكانية عودة كل منهما للاتفاق.

ووصف الديبلوماسيون المشاركون جولة المحادثات الأولى بالإيجابية، لكن كل الأطراف قامت بالتكتم على الجولة الثانية.

ويرى مراقبون أميركيون أن الجولة الثانية لم تأت على حجم الطموحات التي كانت معقودة عليها، في وقت يجري الأميركيون والإيرانيون، عبر قنوات ديبلوماسية أخرى، محادثات تهدف إلى «تبادل السجناء» بين البلدين، وهي عملية يعتقد الديبلوماسيون عادة أن من شأنها أن تساهم في عملية بناء الثقة بين الطرفين على طريق إحراز تقدم في المفاوضات بينهما.

لكن إسرائيل لا توافق على العملية الديبلوماسية التي تخوضها الإدارة الأميركية للعودة للاتفاق النووي مع إيران. ويرى الإسرائيليون، حسب المصادر الأميركية، أن إدارة الرئيس بايدن لا تأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي طرأت منذ توقيع الاتفاق، إذ توافرت للاستخبارات الإسرائيلية والغربية المزيد من الدلائل التي تؤكد أن برنامج إيران النووي ليس سلمياً أبداً، بل هدفه هو صناعة أسلحة نووية، وهو ما يعتبره الإسرائيليون تهديداً وجودياً، وهو التهديد الذي دفع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو للقول، في خطابه في ذكرى المحرقة اليهودية هولوكوست «الأسبوع الماضي»، إن الاتفاق النووي الدولي مع إيران لا يلزم إسرائيل، وأن الأخيرة ستقوم ما بوسعها لمنع الإيرانيين من حيازة السلاح النووي.

على أن جهات أميركية تعتبر أن المشكلة في الاتفاق النووي مع إيران لا تقتصر على التغييرات التي طرأت منذ توقيعه قبل 6 أعوام، بل أن الاتفاقية التي انسحبت منها كل من أميركا وإيران منذ منتصف 2018 كانت عرجاء منذ يوم توقيعها، إذ هي لم تتضمن بنوداً لتقييد برنامج إيران الصاروخي.

ويقول الخبراء الأميركيون إن هدف تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني ليس ضبط قدرات إيران العسكرية، بل إن الصواريخ هي عادة في صلب أي برنامج نووي عسكري، إذ لا قيمة للرأس النووي من دون الآلية التي تسمح بنقله إلى الهدف. ومع أن تجارب إيران الصاروخية لم ترقَ حتى لتكون تهديداً داهماً، إلا أن الخبراء يعتقدون أنه يجب ضبط برنامج إيران الصاروخي بالطريقة ذاتها التي يعمل فيها العالم على ضبط عملية التخصيب، لأن الاثنين جزء من البرنامج النووي.

وفي هذا السياق، كتب الباحث في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» انتوني كوردسمان إنه «حتى الآن، لم يكن هناك أي نقاش حول المدى الذي وصلت إليه إيران في تصميم الأسلحة، ومدى قدرتها على استخدام سلاح فعّال وموثوق به دون إجراء اختبار نووي، وما هو المستوى الذي يمكن أن تصل إليه، والمدة التي سيستغرقها إنشاء مخزون كبير من اليورانيوم بما يكفي لاستخدامه للتسليح».

وأضاف كوردسمان أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذّرت مرات عدة من أن إيران قد تباشر باختبارات غير انشطارية لتصميم أسلحة نووية، على خطى باكستان».

ومع ذلك، يقول كوردسمان، «كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية حريصة للغاية على عدم التلميح إلى الاختبارات حتى لا تتحول التقارير الدولية إلى كتاب طبخ تستخدمه إيران لتصويب برنامجها للأسلحة النووية».

وختم كوردسمان القول إن «المواد المتاحة حول برنامج إيران النووي قديمة وحذرة على حد سواء، ولا توافر أساساً موثوقاً لتقدير نوع التدقيق المطلوب لاكتشاف أي جهود إيرانية لتصميم السلاح النووي».

إيران تتوعد إسرائيل بـ«الانتقام»

وسط الجهود الديبلوماسية الحالية لإحياء الاتفاق النووي المبرم بين طهران والقوى الغربية، وجّهت إيران أصابع الاتهام إلى إسرائيل بالوقوف خلف الهجوم الذي استهدف مصنعاً لتخصيب اليورانيوم في ناتانز بعدما تم «تحديد هوية من تسبب في الحادث»، متوعدة بـ«الانتقام» لهجوم يبدو أنه أحدث فصول حرب تدور في الخفاء منذ وقت طويل، في وقت أبدى الاتحاد الأوروبي رفضه لـ«أي محاولات لتقويض أو إضعاف الجهود الديبلوماسية» في شأن برنامج إيران النووي.

ووقع «انفجار صغير» في مصنع ناتانز لتخصيب اليورانيوم، على ما أعلن الناطق باسم «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي»، أمس.

بدوره، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن «من المبكر جداً (تحديد) الأضرار المادية التي تسبب بها الهجوم».

واتّهم بشكل غير مباشر إسرائيل بتقويض المحادثات الجارية في فيينا.

وأفاد بأنه «إذا كان (الهجوم) يهدف إلى الحدّ من القدرة النووية لإيران، فأقول في المقابل إن كافة أجهزة الطرد المركزي (التي تضررت) هي من نوع آي ار-1» أي من الجيل الأول.

وأضاف «فليعرف الجميع أنها بالتأكيد ستُستبدل بآلات أكثر تقدماً»، مؤكداً أن «ردّ إيران سيكون الانتقام من الكيان الصهيوني في الوقت والمكان المناسبين».

وذكرت «وكالة الأنباء الإيرانية» الرسمية (إرنا)، أن نواباً أفادوا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف «شدّد (...) على ضرورة عدم الوقوع في الفخّ الذي نصبه الصهاينة».

وأفاد موقع «نور نيوز» الإيراني شبه الرسمي بأنه تم تحديد هوية الشخص الذي تسبب في انقطاع الكهرباء بواحد من عنابر الإنتاج في المنشأة المبنية تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم، فيما أعلن رئيس «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية»، علي أكبر صالحي، عن تشغيل نظام للكهرباء في حالات الطوارئ بمنشأة ناتانز للتغلب على الانقطاع، مضيفاً أن «تخصيب اليورانيوم لم يتوقف في الموقع، وهو ماضٍ إلى الأمام بقوة، لأن إجراءاتنا لن تقتصر على إصلاح الأضرار بل تطوير الأجهزة المتضررة».

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والأميركية أن «إسرائيل لعبت دوراً في ما حصل في ناتانز حيث وقع انفجار قوي وقد يكون دمر بالكامل نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض».

وفي بروكسيل، حذّر الاتحاد الأوروبي من أي محاولات لإخراج المحادثات الهادفة إلى إعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي، عن مسارها بعدما اتّهمت طهران إسرائيل بمهاجمة ناتانز.

الجمعة، 9 أبريل 2021

أداء بايدن يعد بسيطرة ديموقراطية... طويلة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على مدى العقدين الأخيرين، لم تبدأ أي من الولايات الرئاسية للرؤساء الثلاثة المتعاقبين - جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب - من دون تظاهرات معارضة تندلع، إما في اليوم الأول للرئاسة، أو في غضون أقل من مئة يوم. لكن الوضع يبدو مغايراً مع الرئيس جو بايدن. صحيح أن التظاهرات ضد الانتخابات الرئاسية سبقت تسلم بايدن الرئاسة، إلا أنه منذ رئاسته، لم يواجه الرئيس الحالي أي تظاهرات معارضة، بل إن نسبة التأييد التي يتمتع بها في استطلاعات الرأي ثابتة بمعدل 53 في المئة، وهي نسبة لم يصلها ترامب في أي يوم من رئاسته على مدى سنواته الأربعة في الحكم.

ويعزز شعبية بايدن عدد من العوامل، أهمها التغيير الحاصل في المزاج الأميركي العام، من الحزبين (الجمهوري والديموقراطي)، بانتقاله من مزاج «الثورة» وتغيير كل ما في واشنطن، إلى مزاج «العودة إلى الطبيعية والعقلانية» التي وعد بها بايدن.

في الأيام التي سبقت انتخاب الديموقراطي أوباما، كما في الأيام التي سبقت انتخاب الجمهوري ترامب، كان القاسم المشترك بين الرئيسين السابقين - على الرغم من الاختلاف العقائدي الجذري بينهما - هو وعودهما للأميركيين بالعمل على تغيير جذري، وباقتلاع الفساد من جذوره في واشنطن.

أوباما وترامب كلاهما جاءا من خارج واشنطن ومن خارج المؤسسة السياسية، أو «الاستابلشمنت». أوباما كان سناتوراً مغموراً في السنة الثانية من ولايته، ابان انتخابه، وترامب كان رجل أعمال وعقارات ولم يكن سبق له أن عمل أو شارك في أي عمل حكومي. أوباما وعد بانقلاب على وسائل واشنطن واللوبيات العاملة فيها، وترامب وعد بـ «تجفيف منابع الفساد».

أما بايدن، الذي أمضى أربعة عقود في واشنطن في منصبي سناتور ونائب رئيس، فهو ابن العاصمة الأميركية والمشهد السياسي والمؤسسة الحاكمة، وهو وعد الأميركيين عكس ما وعدهم أوباما وترامب، إذ قال بايدن إن دخوله البيت الأبيض سيشكل عودة إلى رتابة السياسة الأميركية، من دون تغييرات جذرية ولا ثورات. فقط سياسة بشكل منظم ومحترم وقادر على تحقيق إجماع وتمرير قوانين وإدارة البلاد.

وفعلياً، لم يكد بايدن يتسلم الحكم، حتى وظّف كل مهاراته التفاوضية وعلاقاته بكبار المشرعين الجمهوريين، من أمثال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونل، ليمرر المصادقة على قانون إغاثة الأميركيين في وجه وباء كورونا المستجد. وبلغت الأموال التي صادق الكونغرس على إنفاقها قرابة ترليوني دولار.

ثم لم يكد بايدن يحقق انتصاره التشريعي الأول حتى سارع إلى العمل على قانون بتكلفة أعلى، تصل قرابة ترليونين ونصف ترليون دولار، هدفها تمويل توسيع وتجديد البنية التحتية الضخمة في البلاد، وتحويل اعتمادها من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة، فضلاً عن تمويل مشاريع سحب ثاني أوكسيد الكربون، المسبب للاحتباس الحراري والتغير المناخي، من الجو، وهو مشروع يؤيده الجمهوريون بأغلبية ساحقة، وهو ما من شأنه تشجيع الجمهوريين على دعم القانون الجديد.

لتمويل هذا الإنفاق الإضافي، أعلنت إدارة بايدن أنها تنوي رفع الضرائب على الشركات من 28 في المئة حالياً إلى 31 في المئة، وكذلك رفع ضريبة الدخل على الأفراد أو العائلات ممن يجنون أكثر من 400 ألف دولار سنوياً. في الماضي، كان إعلان أي مسؤول أميركي عن أي زيادة ضريبية بمثابة انتحار سياسي. لكن الأجواء السياسية في البلاد تتغير، حتى بين الجمهوريين.

وفي الماضي أيضاً، كان الجمهوريون يصورون أنفسهم أصدقاء الشركات والأعمال، وكانوا يعتبرون أن تحفيز الشركات، عن طريق منحها اقتطاعات ضريبية، يؤدي إلى نمو الاقتصاد، الذي يؤدي بدوره إلى توفير وظائف جديدة لكل الأميركيين. لكن ترامب قلب هذه الرؤية الجمهورية التي كان أول من أدخلها إلى عقيدة الحزب في الثمانينات الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، الذي يتمتع بمرتبة أسطورية بين الجمهوريين حتى اليوم. وحرّض ترامب الجمهوريين ضد عقيدة ريغان وحب الشركات، ومضى في إقناع قاعدة الجمهوريين أن الشركات هي المسؤولة عن نقل معاملها إلى الصين، وتالياً إلى إفقار الأميركيين.

ومع فقدان الود بين الجمهوريين والشركات، في ظل غياب الود بين الديموقراطيين - حزب الاتحادات والنقابات العمالية - والشركات، لم يعد لدى كبار المتمولين الأميركيين والأثرياء قاعدة شعبية تحميهم من رفع الضرائب عليهم، بل إن الولايات المتحدة، على لسان وزيرة خزانتها جانيت يلين، وعدت بالتنسيق مع حكومات دول «مجموعة العشرين» لفرض ضريبة مشتركة على الشركات لمنع الأخيرة من الهروب إلى الدول ذات الضرائب الأدنى، ولوقف «السباق إلى القعر» في تخفيض الضرائب وتالياً إفقار خزانات هذه الدول وحرمان تمويلها برامج الرعاية الاجتماعية بغير الاستدانة الحكومية.

ومن العوامل التي تدفع معدلات شعبية بايدن إلى الأعلى هو الأداء الممتاز الذي تقدمه إدارته، بقيادة رئيس موظفي البيت الأبيض رون كلاين، في السيطرة على انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، وفي سرعة التلقيح التي تشرف عليه الحكومة الفيديرالية، إذ بلغ عدد الملقحين كلياً 60 مليونا، أو 18 في المئة من السكان، فيما تعدى عدد الملقحين بجرعة واحدة 170 مليون نسمة، أو أقل من 50 في المئة بقليل. وتقوم الولايات المتحدة بتلقيح 4 ملايين شخص يومياً، وهي الرابعة في العالم من حيث عدد الملقحين نسبة إلى عدد السكان.

وأدى انتشار اللقاح المضاد لوباء فيروس كورونا المستجد إلى ارتفاع في الثقة بين الأميركيين، بما في ذلك الثقة بمستقبلهم واقتصادهم، وراحت كل المؤشرات الاقتصادية تمضي في ارتفاع، وهو ما يعزز الموقع الانتخابي للحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية العام المقبل، كما يعزز حظوظ بايدن للفوز بولاية ثانية في انتخابات العام 2024.

في الأشهر القليلة الأولى لتوليه الرئاسة، يفاجئ بايدن كل المراقبين بتقديمه أداء يضعه على الطريق الصحيح، سياسياً، لدخول التاريخ إلى جانب كبار الرؤساء الأميركيين، لكن الوقت ما يزال مبكرا في الحكم على ولايته الأولى، إذ قد يواجه مفاجآت لم تكن في الحسبان، على غرار وباء فيروس كورونا المستجد، الذي ظهر في السنة الانتخابية الرئاسية وقضى تالياً على حظوظ ترامب في ولاية ثانية، وأدخل ترامب التاريخ، لا كرئيس مميز، بل كواحد من حفنة الرؤساء الأميركيين ممن خسروا الانتخابات بعد ولاية واحدة فقط.

الأربعاء، 7 أبريل 2021

مفاوضات فيينا النووية... عودة متزامنة أميركية - إيرانية للاتفاق

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كلمة «مثمرة» التي أطلقها الموفد الروسي إلى محادثات فيينا النووية، ميخائيل أوليانوف، كادت تختصر مجريات اليوم الأول للديبلوماسية غير المباشرة التي قادها الأوروبيون وروسيا والصين بين الولايات المتحدة وإيران في العاصمة النمسوية.

وفي واشنطن، كرر الناطق باسم وزارة الخارجية وصف المحادثات بـ «المثمرة»، لكنه قدم - ربما عن غير قصد - التوجه الأميركي الجديد لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، بتكراره أن «العودة إلى الاتفاق ستقوم بها أميركا وكذلك إيران» في تصريح يشي بأن الديبلوماسية في فيينا عكفت على التوصل إلى مخرج يحفظ ماء وجه كل من واشنطن وطهران، من دون أن يظهر أن أي منهما قدّم تنازلات للآخر.

مصادر أميركية مطلعة أكّدت لـ «الراي» أن «الحديث عن التزامن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران كان سيّد المفاوضات في العاصمة النمسوية».

وقال المصدر الأميركي إن «التزامن» هو آخر ابتكار ديبلوماسي بعدما فشلت الابتكارات السابقة، مثل «العودة التدريجية» من قبل الطرفين، والتي رفضتها إيران علناً، وكذلك رفضت اقتراحات «بناء الثقة» التي عرضتها أميركا.

وعلى مدى الأسابيع الماضية، دأب المبعوث الأميركي حول إيران، روبرت مالي، على تقديم تنازلات أميركية لطهران، بعيداً عن الأضواء، هدفها خطب ود الإيرانيين ودفعهم للعودة إلى الاتفاق. وتضمنت بوادر حسن النية التي قدمها الديبلوماسي الأميركي إفراج أميركا عن مليار دولار إيرانية كانت مجمدة في كوريا الجنوبية، و4 ملايين دولار كانت مجمدة في العراق. كذلك قامت وزارة الخارجية بتعديل نص عن حقوق الإنسان كانت تلوم فيه نظام إيران على قيامه بقتل 1500 متظاهر في نوفمبر 2019، واستبدلت رقم الضحايا بـ 354، نقلاً عن تقرير «منظمة العفو العالمية»، وهي خطوة لاقت امتعاضاً واسعاً في الأوساط الأميركية.

لكن رغم كل محاولاته، الإعلامية منها كما البعيدة عن الأضواء، واصلت طهران تمسكها بالقول إنها لن تعود إلى الاتفاق النووي، ولن تخفّض نسب وكمية اليورانيوم المخصب لديها، ما لم تقم واشنطن أولاً برفع العقوبات التي أعادها الرئيس السابق دونالد ترامب إبان إعلان انسحابه من الاتفاق في مايو 2018. أما الرئيس جو بايدن، فسبق له أن أعلن أنه لا يمكن لواشنطن أن ترفع العقوبات عن حكومة إيرانية لا تلتزم اتفاقية دولية، حسب تقارير وكالة الطاقة الذرية، وأن عود إيران للالتزام ستعيد أميركا تلقائياً للالتزام من ناحيتها ورفعها عقوبات ترامب.

أمام الحائط المسدود، نجحت مفاوضات فيينا في التمسك بحل يبدو وكأنه حبل الانقاذ الوحيد المتبقي، وهو حل يقضي بعودة كل من أميركا وإيران إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي في الوقت نفسه، من دون أن يقوم أي منهما بذلك قبل الآخر.

على أن الحل يبدو أسهل قولاً منه فعلاً، إذ إن عودة إيران للالتزام تتطلب قيامها بتخفيض نسب اليورانيوم المخصب لديها، وكذلك شحنها الفائض من الكمية المخصبة، بحسب ما ينص عليه الاتفاق النووي، وهو أمر يتطلب أسابيع على أقل تقدير، إن لم يتطلب أشهراً. أما رفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران، فلا يتطلب أكثر من مرسوم تنفيذي يصدره بايدن، ويرفقه ببلاغ إلى الكونغرس حول الخطوة التي يزمع القيام بها.

صعوبة عودة إيران للاتفاق وسهولة عودة واشنطن جعلت من توقيت عودة متزامنة أمراً معقّداً. لكن المصادر الأميركية قالت إن من الاقتراحات التي تداولها المجتمعون في فيينا هي «تزامن في الإعلان عن بدء العودة إلى الاتفاق في العاصمتين»، ثم «تزامن في الإعلان أن العودة تمت يوم تنجز إيران عودتها ويرفع بايدن العقوبات في الوقت ذاته مع الإعلان الإيراني».

وأضافت المصادر أنه على عكس مفاوضات 2015، التي تطلبت محادثات تقنية معقدة وتنازلات كبيرة من الطرفين، جلّ ما تتطلبه المفاوضات الحالية هو التنسيق للقيام «بخطوات مخصصة للاستهلاك الإعلامي والشعبي»، أي أن فحوى الاتفاق معروف، وكل المطلوب هو العودة إليه «بشكل يرضي كل الأطراف ويسمح لهم بالتباهي أمام قواعدهم الشعبية بتحقيق إنجاز عن طريق العودة».

ولأن الاتفاق معروف والمفاوضات تتمحور حول الشكليات، لم يكن مطلوباً أكثر من لقاء مسؤولي الصف الثاني للتوصل إلى إعلان أن «المفاوضات كانت مثمرة» بشكل دفع المتفاوضين إلى عقد جولة ثانية أمس.

لكن المصادر الأميركية حذرت من نجاح معارضي الاتفاق النووي بعرقلة العودة إليه، ويجمع الخبراء المعنيون بالشأن الإيراني أن المرشد علي خامنئي نفسه يعارض الاتفاق، ويعتقد أن بديلاً أفضل عن الاتفاق هو توصل إيران لاكتفاء اقتصادي ذاتي، يسميه خامنئي «اقتصاد المقاومة»، ويقوم على إقامة سوقاً مشتركة ومنطقة اقتصادية فيها إيران والدول الحليفة والمجاورة، مثل أفغانستان والعراق وتركيا وسورية ولبنان وبعض دول آسيا الوسطى، فضلاً عن الصين، التي وقعّت إيران معها اتفاقية شراكة اقتصادية لمدة 25 عاماً، الأسبوع الماضي.

كذلك، يبدو أن خامنئي يعتقد أن أوروبا ما تزال في الاتفاق النووي، وهو ما يعني أنه يمكن لإيران أن تتعامل معه، بغض النظر عن العقوبات الأميركية، ما يعني أنه يمكن لإيران العودة للاقتصاد العالمي رغماً عن العقوبات الأميركية، ما يجعل إيران منيعة على العقوبات، اليوم أو مستقبلاً في حال عودة صقور الخارجية الأميركية والجمهوريين إلى الحكم في واشنطن.

ما هي الخطوة التالية للديبلوماسية النووية مع إيران؟ تقول المصادر الأميركية إن عواصم العالم ترى بوضوح أن واشنطن مستعدة تماماً للعودة للاتفاق وأن إيران هي التي ترمي العراقيل، وهو ما يرفع من الضغط الدولي على الإيرانيين ويدفعهم إلى محاولة التمسك بأي حلول مبتكرة، على طراز «التزامن» الذي تداوله الديبلوماسيون في فيينا، والذي أجمعوا على وصفه بـ«المثمر».