الجمعة، 11 ديسمبر 2015

مؤتمر الرياض: المعارضة السورية أكثر واقعية

| الرياض - من حسين عبدالحسين |

هنا في مؤتمر المعارضة السورية الذي انعقد في العاصمة السعودية، وجوه المعارضين السوريين تغيرت كثيراً منذ مؤتمرهم الاول في انطاليا التركية في ربيع العام 2011. الأصغر سناً من المعارضين خرجوا من المعارضة بعد سلسلة احباطات شخصية وجماعية لاحقتهم على مدى السنوات الاربع الماضية، وبعد ان علت اصوات البنادق، وتاليا المقاتلين، وغلبت على شعارات مثل «سلمية، سلمية» و«يلا ارحل يا بشار»، التي انتشرت وقتذاك عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ابان بدء الثورة.


من بقي من المعارضين السوريين غالبيتهم من الكهول، مع مشاركة نسائية طفيفة. حتى الكهول، بدا عليهم التعب وبدا ان السنوات الاربع الماضية غيرت في ملامحهم اكثر مما غيرت فيها سنواتهم الماضية من عمرهم.

كذلك خرجت، وربما انحلت، المجموعات الشبابية الحزبية التي حملت في انطاليا اسماء مثل «سورية الديموقراطية» و«العمل من اجل التغيير»، و خرج من المعارضة غالبية المثقفين من علماء التاريخ والسياسة والآثار، وشارك بدلا منهم ممثلون عن 18 فصيلاً مسلحاً تنخرط في القتال على الأرض السورية من بين 103 شخصيات حضرت المؤتمر السوري المعارض.

أما الصورة، فما زالت مشابهة الى حد كبير: قاعات رئيسية تنعقد فيها اجتماعات يطغى فيها التنظير والبعد عن الواقعية. المعارضون السوريون خارج القاعات أكثر من المشاركين في اللقاءات الرسمية. يشربون القهوة، يتمشون في بهو الفندق، مثنى وثلاثاً ورباعاً، وهم يسعون لإقناع بعضهم البعض، أو يشتكي واحدهم من الآخر.

وبين المعارضين السوريين داخل قاعات الاجتماعات والمعارضين السوريين خارج القاعات، ينتشر الصحافيون الاجانب والعرب الذين يحاولون اقتناص مسودة بيان من هنا، أو التحدث مع مصادرهم ومعارفهم لتحقيق سبق من هناك. حتى هؤلاء الصحافيون ما زالوا تقريباً انفسهم منذ لقاء انطاليا، ومازالت مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» ليز سلاي، في الرياض كما في انطاليا وربما في المؤتمرات العديدة التي انعقدت بين هذين المؤتمرين، تسارع للحصول على معلومات أو تصريحات حتى ترسلها الى واشنطن «قبل اغلاق الصفحات».

لكن بين آخر مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض ومؤتمرها الاول في انطاليا فارق شاسع يكمن في ان دماء سورية كثيرة سالت بين 2011 واليوم، فيما تعرض ملايين السوريين للتهجير القسري.

وبين 2011 واليوم، شهدت سورية تحولاً في المعركة من قتال بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد ومنشقين عن جيشه وهواة، الى معركة أممية تشارك فيها الأسلحة الجوية لأكثر من 10 دول، تتصدرها القوى الكبرى مثل روسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا. أما على الأرض السورية، فدخل مقاتلون لدعم الأسد جاؤوا من لبنان والعراق وايران وحتى افغانستان وباكستان، فيما انضم للمجموعات المتطرفة المعارضة للأسد مقاتلون تتنوع جنسياتهم بين عراقيين وتونسيين وشيشان وطاجيك.

ولأن المشهد السوري، اثناء انعقاد مؤتمر الرياض، معقد أكثر بكثير مما كان عليه يوم انعقد مؤتمر انطاليا في مايو 2011، حضر المؤتمر ممثلون عن القوى الكبرى المعنية، وإن بأشكال مستترة، وراح الديبلوماسيون من الجنسيات المختلفة يتصلون بعدد من المعارضين المشاركين، لا بهدف اعطاء توجيهات ونصح، بل غالباً لمعرفة آخر اخبار المؤتمر من مصادرهم الداخلية لتبليغ عواصمهم.

على ان النفوذ الأكبر للقوى الاقليمية كان، دون شك، للحكومة السعودية المضيفة، اذ يعرف المعارضون السوريون ان الرياض هي أكبر مؤيد لقضيتهم ولمطلبهم برحيل الأسد عن السلطة.

لكن هذه المرة، على عكس انطاليا التي غابت عنها المملكة، لعبت السعودية دوراً في تفسير المشهد الدولي المعقد للمعارضين، ووضعتهم أمام الخيارات المتاحة، وحضتهم على القيام بالخطوات المطلوبة حتى لا يتحرك العالم من دونهم، خصوصاً ان جزءاً لا بأس به من المعارضين هم من الهواة في الشؤون السياسية، الدولية والاقليمية، وغالباً ما يبني معارضون سوريون مواقفهم على مطالب يستحيل تحقيقها، وان كانت محقة.

هكذا، بمساعدة سعودية، توصل المعارضون السوريون الى أفضل صيغة تجمع بين طموحاتهم الكبيرة والواقع الدولي المرير، فأعلنوا قبولهم الحل السياسي، وقدموا تصورهم لهذ الحل، الذي لا يشترط خروج الأسد قبل العملية السياسية، بل مع مطلعها، وهذا ليس تراجعاً للمعارضة عن موقف انطاليا، الذي كان يطالب برحيل الأسد بشكل حاسم وسابق لأي تسوية، بل هو موقف يصل الى هدف متطابق، ولكن المطالبة به جاءت بلغة ديبلوماسية عملانية.

ربما كان مؤتمر انطاليا أجمل وأكثر رومنطيقية وثورية، لكن مؤتمر الرياض أكثر واقعية وأكثر قابلية للتحقيق ولإخراج سورية والسوريين من الكابوس الذي يعيشونه منذ أربع سنوات.

جدول زمني لخروج الأسد

حسين عبدالحسين

تشير دراسة صادرة حديثا عن "معهد كارنيغي للسلام" ان دخول روسيا الحرب في سوريا، وزيادة ايران عدد مقاتليها على الجبهات السورية، نجح في وقف انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان يعاني من سلسلة هزائم في جسر الشغور وسهل الغاب، شمالا، ودرعا والقنيطرة جنوبا، وحماة وتدمر في الوسط. 

الا ان التدخل الروسي - الايراني، حسب الدراسة، لن يتمكن من اعادة عقارب الساعة الى أكثر من عام الى الوراء، وهو ما يعني ان بقاء الأسد، الذي تكفله روسيا وايران بتكلفة عالية، يضمن في الوقت نفسه بقاء تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، أي ان القضاء على داعش يحتاج الى اتفاق مع الفرقاء السوريين الآخرين، وهو ما يتطلب تسوية.

الرؤية الايرانية للتسوية واضحة: يحافظ الأسد على سيطرته على القوات الامنية والسياسة الخارجية، ويعطي المعارضة السنية رئاسة الحكومة وبعض الوزارات كالمال والدفاع. 

والترتيب الايراني المقترح يشبه ما سبق ان اقترحه امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله على الزعيم السني سعد الحريري: خذ أنت رئاسة الحكومة وميشال عون رئاسة الجمهورية، وتقاسما ادارة شؤون المال والاعمار والخدمات، واتركوا للحزب شؤون الأمن والخارجية. 

والترتيب الايراني نفسه في العراق: يعطي الحكام الشيعة "المكون السني المعتدل" وزارات مثل الدفاع والمالية، ويبقى الأمن في أيد عراقية - ايرانية. هذا الترتيب الايراني في لبنان والعراق يشبه شكل الدولة الايرانية نفسها، حيث يدير المعتدلون الدولة والجيش النظامي، فيما يمسك المرشد والمتطرفون بالاستخبارات والأمن ومفاصل القوة الحقيقية للدولة.

اما الرؤية الروسية لتحقيق تقارب بين الأسد والمعارضة فتختلف عن نظيرتها الايرانية، اذ يعتقد الروس ان على طرفي الصراع في سوريا ان يدخلا في هدنة، بضمانة الدول الراعية للفصائل السورية، ثم يوجه الجميع بنادقهم الى كل من يبقى خارج التسوية على أساس انه إرهابي. بعد القضاء على الارهاب، يمكن البحث بهوية الرئيس السوري العتيد واجراء انتخابات لتحديدها.

السعودية، التي تعتقد ان رحيل الأسد هو مفتاح الحل، يبدو انها تحاول ان تجاري الروس، وربما كشف ضعف تصورهم للحل في سوريا، فالخطة الروسية مبنية على مقدرة كل طرف اقليمي على فرض التزامات، مثل وقف اطلاق النار او الدخول في تسويات سياسية، على الفرقاء التابعين له، وما زيارة الأسد الى موسكو الا محاولة روسية للتأكيد ان الأسد تابع لها ويمكنها إلزامه بوقف اطلاق النار لو قامت كل الاطراف الدولية الاخرى بالأمر نفسه مع فصائلها.

هكذا، كان المطلوب من السعودية اعلان هوية المعارضين السوريين من التابعين لها ولحلفائها، وهو ما فعلته المملكة باستضافتها ١٠٣ شخصيات معارضة، منها ممثلو ١٨ فصيل عسكري مقاتل داخل سوريا تتصدرها "حركة احرار الشام"، التي يعتقد كثيرون انها واحدة من القوى العسكرية الاكثر نفوذاً في سوريا. 

هكذا، كان مؤتمر الرياض بمثابة "سفينة النجاة" للمشاركين به، دوليا، اذ انه بعد ان تعلن كل دولة معنية بسوريا المعارضين المقربين منها، تتحول الفصائل التي لا تحصل على تبنٍ اقليمي او دولي الى هدف للاعمال الحربية المخصصة للقضاء على المجموعات الارهابية، وفي طليعتها داعش.

لهذا السبب أعلن وزير الخارجية جون كيري ان لقاء نيويورك المخصص للأزمة السورية، الاسبوع المقبل، يرتبط بمؤتمر الرياض. واتصل كيري بولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان للوقوف على آخر نتائج المؤتمر، في وقت تحادث هاتفيا وزير خارجية السعودية عادل الجبير ونظيره الروسي سيرغي لافروف للسبب نفسه.

بعد هجمات باريس وكاليفورنيا، يبدو ان داعمي المعارضة السورية أدركوا انه صار من شبه المستحيل مساواة داعش بالأسد او ربط القضاء على داعش بالتخلص من الأسد اولا. لذا، قرر عرابو المعارضة السورية تبني أفضل الممكن، فجعلوا خروج الأسد مرتبطا باللحظة التي تلي القضاء على داعش، وهو ما جاء في بيان الرياض الذي تبنى الحل السياسي والحرب على داعش وخروج الأسد. 

اما الجدول الزمني الذي تحدث عنه كيري الشهر الماضي، وكرر الحديث عنه الرئيس باراك أوباما في خطابه الى الشعب الاميركي يوم الأحد، فهو الجدول المطلوب حتى لا يتحول القضاء على داعش عملية مفتوحة، كلما طالت، طال بقاء الأسد.

Since December 2008