الخميس، 15 يناير 2009

المفاوضات مع إسرائيل مصلحة لبنانية

الجمعة 16 كانون الثاني 2009 - السنة 76 - العدد 23583 حسين عبد الحسين - واشنطن يتحدث الديبلوماسيون الاميركيون، ممن اوكلهم الرئيس المنتخب باراك اوباما ادارة ملفات الشرق الاوسط، عن السلام بين الفلسطينيين واسرائيل، وبين سوريا واسرائيل، وكأنه آت لا محالة. في حالة الفلسطينيين، لا الاعيب سياسية، بل "تدبير امر حماس"، ومن ثم السير بوثيقة انهاء صراع، واقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل.في حالة سوريا، الكرة اصبحت في ملعب السوريين. متر بالناقص ام بالزائد، في الجولان المحتل، وجدول ماء هنا ام هناك، كلها مواضيع تراجعت في الاهتمام الاسرائيلي امام مواضيع اكثر اهمية تتمثل بالتهديد الوجودي الذي يأتي من الملف النووي الايراني، وضرورة ابعاد سوريا عن ايران. كذلك، هناك مؤشرات تفيد بان واشنطن وتل ابيب ليستا في مزاج المناورات السياسية مع الرئيس السوري بشار الاسد، وان المطلوب منه اليوم هو ان تكون نعمه نعماً ولاءه لاءا، في مهلة محددة. فاما ان يوقع الاسد السلام، مع كل ما يعنيهذلك من اعادة اصطفاف في السياسة الى جانب العالم في مواجهة النظام الايراني، وملفه النووي وميليشياته في المنطقة، او يستمر في سياسة "رِجل في الفلاحة واخرى في البور"، وهي سياسة يعرفها الديبلوماسيون الاميركيون جيدا، ومعظمهم ممن خدم في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون ويعرف نظام دمشق، ولن يقبلوا السير بها مطلقا.الخلاصة من السياسة الاميركية المقبلة انها ستتعامل مع ما يسميه بعض اللبنانيين "المحور الايراني – السوري" على انه دولتان، تتمتع كل واحدة منهما بسيادة. فاذا ما اصر الاسد على ربط ما قد يجنيه في السياسة من تسوية دولية محتملة مع ايران، فان واشنطن ستعامله على انه نظام هامشي لا جدوى من الحديث معه، وهو خيار مستبعد نظرا الى ادراك الاسد ان الوقت قد حان للقفز من سفينة التحالف مع ايران و"حزب الله" و"حماس"، مع ان الرئيس السوري سيحاول الابقاء على علاقة مميزة، وان سطحية من جهة التعاون المخابراتي والعسكري، مع حلفاء الامس.تقاطع الطرق هذا، الذي سيقف امامه الاسد ليحسم خياره، ستواجهه بعض القوى في لبنان. في لبنان، هناك قوى، مثل "حزب الله"، ممن حسمت خيارها في المواجهة مع اسرائيل حتى زوالها. هذه القوى قد تجد نفسها في مواجهة، وان غير معلنة، مع النظام السوري الذاهب الى سلام.القوى اللبنانية الاخرى، مثل تحالف 14 آذار، والتي ترفع شعار السلام مع اسرائيل بعد قيام الدولتين، وفقا لمبادرة السلام العربية للعام 2002، ستجد نفسها – مثل النظام السوري – امام مفترق طرق. اما ان تبقي هذه القوى على خطابها المعادي لاسرائيل مسايرة لـ "حزب الله"، وربما خوفا من سلاحه بعدما اتضح ان هذا السلاح هو لازالة اسرائيل بقدر ما هو لفرض رأي الازالة على من يخالفه، واما ان تذهب – على غرار النظام السوري – الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل لتأكيد القرار اللبناني الحر والحضور اللبناني في المحافل الدولية والمفاوضات الاقليمية، شأنه شأن الدول الاخرى.بكلام آخر، ان ترديد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ان لبنان سيكون آخر الموقعين للسلام مع اسرائيل هو سياسة قصيرة النظر. فلا "حزب الله"، الذي يرفض التوقيع اولا واخرا، يتحمس لموقف السنيورة هذا، ولا كون لبنان آخر الموقعين، ربطا باحداث اقليمية لا يتحكم بها لبنان، تنم عن فهم "تحالف 14 آذار" لموضوع السيادة وممارستها عالميا واقليميا وفقا لمصالح لبنان لا غير. قد يكون لدى النائب وليد جنبلاط، نظرا الى وقوفه المطلق في وجه عودة الاسد ونفوذه الى لبنان، مصلحة في استعادة نوع من الصداقة مع "حزب الله" في حال نشأت عداوة، وان خفية، بين هذا الحزب والنظام السوري في حال توقيع الاخير على السلام.اما سمير جعجع و"حزب القوات اللبنانية"، فيدركان ان اي مطالبة بالسلام مع اسرائيل ستسمح لخصومهم في السياسة بتوجيه اصابع الاتهام الى ماضي الحزب، في زمن الحرب الاهلية، عندما تعاون بعض من قيادييه مع اسرائيل.يبقى من احزاب "14 آذار" الكبرى النائب سعد الحريري والتيار السني الواسع الذي يدعمه. لوالد الحريري، الرئيس الراحل رفيق الحريري، ديون كثيرة على "حزب الله"، مثلما عندما استخدم الحريري الاب علاقاته الدولية لمواصلة بث تلفزيون "المنار"، التابع للحزب، في اوروبا. "حزب الله" لم يرد هذا الجميل.يدرك سعد الحريري حساسية موضوع السلام مع اسرائيل بالنسبة لمؤيديه في الشارع السني. ولكن ما يبدو انه يفوت الحريري هو انه، على مدى اكثر من عقد بنى اثناءه والده زعامته بين السنة في لبنان، قام الحريري الاب بلبننة هائلة بين اتباع الطائفة السنية. والارجح ان هؤلاء السنة لن يمانعوا في رؤية النائب الحريري، وكتلته النيابية وحزبه، يتبنون خطابا تتقدم فيه مصلحة لبنان، في سلام محتمل، على طروحات اقليمية اخرى، مثل استرداد فلسطين من البحر الى النهر، على سبيل المثال.الوحيد من قياديي "تحالف 14 اذار" ممن ادركوا التحول المقبل في المزاج الدولي، ربما لخبرته الطويلة في المواضيع الاقليمية، هو الرئيس السابق امين الجميل الذي دعا منذ فترة الى تبني استراتيجية سلام لبنانية تستخدمها الحكومة في حال اقبلت الاطراف السياسية في المنطقة على مفاوضات سلام مع اسرائيل، اذ لا يجوز ان تحاور سوريا العالم عن السلام، فيما لبنان عاجز عن حسم قراره واسير معادلات اقليمية قام "تحالف 14 اذار" على اساس مواجهتها لتكريس الاستقلال اللبناني ومصلحة لبنان.ولا شك في ان لذهاب لبنان الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل فائدة خاصة، اذا ما اعتبرنا ان لبنان متمسك بالسلام كحل نهائي للصراع. فالمفاوض السوري سيفاوض من اجل مصلحة بلاده واستعادة الجولان، والمفاوض الفلسطيني سيستعيد ارضه من دون ان يلتفت الى منطقة مزارع شبعا، ومع قليل من المراعاة لمصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.ولاشك ايضا في ان مبادرة السلام العربية، وهي الوحيدة التي تطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين، قد ولدت ميتة، وام الصبي، اي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والنظام السوري، ابو الممانعة العربية، يذهبان الى مفاوضات من دون اقامة اي اعتبار للمبادرة، التي صارت تصلح لكونها عنوانا عريضا للسلام العربي مع اسرائيل، من دون ان تشكل وحدها سياسة خارجية متكاملة للبلدان الموقعة عليها.مبادرة السلام العربية جيدة، وهي قد تعطي الاطراف العربية المفاوضة لاسرائيل زخما تطمع بموجبه اسرائيل بتوقيع سلام شامل مع غير دول الطوق في حال نجاح المفاوضات على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية. لكن هذه المبادرة لا تشكل سياسة تفاوضية قائمة بذاتها وعلى الحكومة اللبنانية اليوم، و"تحالف 14 آذار" خصوصا، حسم موقفهما من الصراع مع اسرائيل: اما ان يستمر لبنان في الصراع حتى النهاية، او يذهب في طريق السلام والمفاوضات مثل سوريا والفلسطينيين.ولكن ان تبقى الحكومة اللبنانية مسلوبة القرار في الحرب، كما في تموز 2006، ورأسها في الرمال في السلم، كما في الحركة العالمية الحالية نحو المفاوضات، فهو ما ينافي الرسالة الاساسية لـ "تحالف 14 آذار" المطالب باستقلال لبنان وسيادة حكومته المنتخبة في قراراتها.ان الولايات المتحدة، بادارة اوباما، تتجه لرعاية سلام اقليمي من المرجح ان يشارك فيه الفلسطينيون والسوريون، ولا يجوز ان يبقى اللبنانيون خارجه. فمثلما لا يجوز ان يذهب لبنان الى الحرب مع اسرائيل منفردا، كذلك لا يجوز ان يبقى وحده خارج المفاوضات.فليبدأ الرئيس ميشال سليمان والحكومة حوارا عميقا وهادئا لاي طريق سيسلكها لبنان، اذ ان مصلحة لبنان، في الحالتين، تكمن في الوضوح بين افرقائه السياسيين. فاذا خرج علينا المتحاورون بقرار الحرب، فليكن، وليبلغ كل زعيم لبناني مؤيديه ان الحرب في مواجهة اسرائيل مستمرة حتى زوال الاخيرة.اما اذ خرج علينا المتحاورون بقرار سلم، فلتعمل الحكومة اللبنانية على انتاج سياسة تقدمها في المحافل الدولية والاقليمية، وتقدم من خلالها مصلحة لبنان في السلام ومطالبه، والتي تتضمن رحيل اللاجئين الفلسطينيين عن لبنان، وحل مشاكل الحدود مع اسرائيل، كما في مزارع شبعا، وربما القرى السبع، والنقاط العالقة الاخرى كافة، وطلب خرائط الالغام في الجنوب، ومطالبة لبنان اسرائيل بتعويضات عن الضحايا في حروبها المتكررة عليه، وكل ما من شأنه انهاء الصراع والحفاظ على المصلحة اللبنانية، تماما كما تفعل الحكومات العربية الاخرى من دمشق وحتى الدوحة. حسين عبد الحسين - واشنطن (صحافي وزميل زائر في معهد "تشاتهام هاوس" البريطاني للابحاث)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق