الاثنين، 10 أغسطس 2009

حركة ديبلوماسية كثيفة للتوصل إلى حل سلمي للصراع العربي - الإسرائيلي

مشاركون في مؤتمرات دولية: صفقة على حساب لبنان صعبة ليس لتردد الإسرائيليين بل لرفض السوريين دفع الثمن

جنيف - من حسين عبد الحسين

تنشط حركة ديبلوماسية كثيفة وراء الكواليس بهدف التوصل الى حل سلمي للصراع العربي - الاسرائيلي تشارك فيه الاطراف العربية كافة، اضافة الى اسرائيليين واوروبيين واميركيين، غالبا ما يسعون الى التوصل الى مسودة اتفاق يتم نقله الى اصحاب القرار المعنية لاستخدامه كمشروع حل.

ومنذ مطلع الصيف، تم عقد على الاقل ثلاثة مؤتمرات في اليونان وايطاليا وسويسرا. وغالبا ما يتم اختيار فنادق في قرى نائية ذات طبيعة خلابة تؤدي الى عزلة تستمر ليالي واياما، ويساهم في خلالها التعاطي الاجتماعي بين جلسات الحوار، اي في وقت وجبات الطعام واثناء السهرات الليلية، الى كسر الحواجز بين الاطراف، وبناء صداقات تستمر، رغم الاختلاف في السياسة.

الكتابة عن الموضوع تشبه الكتابة عن القصص الخيالية، فالجلسات سرية ولا يوافق احد من المشاركين على الافصاح عن هويتهم.

معظم المشاركين هم سياسيون او مسؤولون سابقون او خبراء ممن شاركوا في مؤتمرات سابقة في اوسلو وجنيف وفي مدن اوروبية اخرى.

كذلك، يصر المشاركون على الصفة الشخصية للمشاركة لاعطاء هامش اكبر في الحوار. ورغم السرية التي تلف هذه المفاوضات السلمية، فمن الممكن استخلاص انطباعات عامة تتلخص على الشكل التالي:

ان الخلاف بين اسرائيل وحركة «حماس» هو خلاف جوهري ويتعلق بموضوع الحدود، وعودة اللاجئين، الذين صارت مسألتهم تنحصر باللاجئين في لبنان. كذلك تفيد شخصيات شاركت في هذه المؤتمرات او في بعضها ان اسرائيل صارت تعي ان السلام غير ممكن بالحوار مع «فتح» وحدها، لذا فان قنوات الاتصال غير الرسمية مع «حماس» صارت حاضرة وناشطة. كما صارت اسرائيل تسعى الى رأب الصدع بين فتح وحماس لتسهيل الوصول الى تسوية سلمية بمشاركة الجميع.

ولاحظ مشاركون ان الخلاف بين الطرفين الفلسطينيين الرئيسين تجاوز جميع الخطوط الحمر. وقال احدهم لـ «الراي»: «تحولت محادثات السلام التي كنا نعقدها الى حوار يهدف الى تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين».

مشاركون اخرون سجلوا ملاحضات تفيد بان التقارب بين سورية من جهة، واسرائيل والولايات المتحدة من جهة اخرى، ما زال ابعد بكثير مما يتصور البعض اذ يستمر الخلاف بين دمشق وتل ابيب حول نوعية معاهدة السلام فتصر الاولى على حصرها بتوقيع اتفاقية، في ما يصر الاسرائيليون على ربط الاتفاقية باعادة تموضع استراتيجية لسورية تقطع بموجبها اتصالاتها بـ «حزب الله» و«حماس»، وتلغي مفاعيل تحالفها مع ايران.

لذا، يعتبر مشاركون ان فرضية موضوع اتفاقية سورية - اسرائيلية، على حساب لبنان، هي فرضية بعيدة جدا. ويقول احدهم: «صعوبة انجاز صفقة على حساب لبنان صعبة ليس لتردد الاسرائيليين، بل لرفض السوريين دفع الثمن، ولبنان لن يعود تحت نفوذهم، الا اذا تخلوا عن حزب الله، وهو خيار يصعب على السوريين اتخاذه».

ويضيف: «في الوقت الحالي ما زالت ايران تقدم للسوريين اكثر مما يقدم الاسرائيليون... ثم ان لدى اسرائيل شكوك ان سورية مازالت قادرة على الالتزام باي وعود تقوم بها اذ يبدو ان حزب الله قد صار اقوى بكثير من دمشق».

في وجه الفشل على صعيد تحقيق اي اختراقات تؤدي الى اتفاقية سلام عربية - اسرائيلية، لاحظ بعض المشاركين «جدية اسرائيلية، برعاية اميركية واوروبية، على دعم الضفة الغربية اقتصاديا». ويقول هؤلاء ان «الاوروبيين يقدمون ما مجموعه نصف مليار دولار لعمل السلطة الفلسطينية في كل عام، وكذلك تفعل واشنطن».

الا ان ما يتم الحديث عنه خلال المؤتمرات هو مبادرات شبه فردية تطول قطاعات فلسطينية متضررة مباشرة. «لذا، ترى رجال الاعمال الاسرائيليين والاوروبيين والاميركيين من اصل يهودي يسعون بقوة الى تحسين وضع الاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مسبوق».

ويقول المشاركون ان لجان وغرف تجارة مشتركة فلسطينية - اسرائيلية تقوم حاليا بتشجيع المشاريع المنتجة في الضفة الغربية، «واتخذت القيادة الاسرائيلية قرارا حاسما بتسهيل هذا التوجه عبر تسهيل مرور رجال الاعمال الفلسطينيين والبضائع».

وعند السؤال ان كان هدف الاسرائيليين تعويم الاقتصاد الفلسطيني لالهاء الفلسطينيين عن حقوقهم في الارض وفي انشاء دولة، يجيب بعض المشاركين ان «العكس هو الصحيح، لكن عقد مفاوضات سلام مع شعب يعيش في بحبوحة يختلف عن عقدها مع شعب يرزح تحت الفقر». ويضيف: «يعتقد الاسرائيليون ان عليهم الاظهار للفلسطينيين الحسنات الاقتصادية لبقاء اسرائيل جارتهم في اطار حل الدولتين».

اما على المسار اللبناني، فيقول ديبلوماسي اميركي مشارك ومطلع على جولات موفد السلام جورج ميتشل «ان سيناريوات السلام مع لبنان هي الاسهل وتتعلق في الشكل اكثر من المضمون». ويضيف: «لو توافق الحكومة اللبنانية على عقد مفاوضات سلام مع اسرائيل، لكانت تل ابيب تخلت عن مزارع شبعا».

اما عن اللاجئين في لبنان، «فان السيناريو الاكثر قبولا في المؤتمرات المتواصلة هو اعطاء نحو 40 الفا منهم حق العودة الى مناطق الجليل داخل اسرائيل، من حيث يتحدر معظمهم، وتخيير الباقين بين العودة الى الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة، او هجرتهم الى دول اميركا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا».

نقطة الاشكال في موضوع المفاوضات مع لبنان، حسب مطلعين، «هو كيفية انسحاب الاسرائيليين من مزارع شبعا، فان تم الانسحاب من دون مفاوضات، يفسر الموضوع وكأنه انتصارا عسكريا لحزب الله، اما اذا ما تم الانسحاب بعد مفاوضات مع لبنان، وان شكلية، يصبح وكأنه انتصار للديبلوماسية».

كل هذه الافكار وكثيرة اخرى غيرها هي موضوع مشاورات متعددة بين مسؤولي الصف الثاني في الدول المعنية بالصراع العربي - الاسرائيلي. ويصر مشاركون على ترداد ان اتفاق اوسلو نفسه كان نتيجة ديبلوماسية الصف الثاني، وهو ما تأمل دول العالم بتكراره للوصول الى حل نهائي اليوم، ولكن الحلول في هذه المؤتمرات تبدو وكأنها ما زالت بعيدة جدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق