الاثنين، 26 أبريل 2010

حسين عبد الحسين: عندما يصبح الحكام هم العراق

يروى عن ملك فرنسا لويس الرابع عشر، وهو صاحب اطول حكم في التاريخ استمر 72 عاما حتى وفاته في العام 1715، انه قال يوما "انا الدولة". حديث الملك الفرنسي جاء 75 عاما قبل نشوب "الثورة الفرنسية"، التي اجتاحت البلاد مع افكار التنوير عن المساواة بين المواطنين، والديموقراطية، والحرية.

ثم انتقلت عدوى الديموقراطية الى مستعمرات بريطانيا في اميركا الشمالية، فثارت المستعمرات على حكم الملك الانكليزي، وانشأت اتحادا اطلقت عليه اسم الولايات المتحدة الاميركية، التي خاضت حربا للاستقلال مع بريطانيا.

ومنذ العام 1789 ومواطني الولايات المتحدة يذهبون كل اربع سنوات، من دون انقطاع في اوقات الحرب كما في اوقات السلم، لانتخاب رئيس لهم من خلال صناديق الاقتراع.

ويروى عن رئيس اميركا الاول وبطل استقلالها جورج واشنطن ان المحيطين به عرضوا عليه – نظرا لشعبيته – ان يتحول ملكا على البلاد، لكنه رفض ذلك معللا رفضه بان من ثار على الملك لا يمكنه ان يصبح ملكا. كما يروى عن البطل الاميركي، الذي توفي بعد عامين على خروجه من البيت الابيض، ان نجاحه يكمن في استمرار الديموقراطية الاميركية من بعده، وهذه نبوءة تحققت.

من المفهوم ان يقول الملك الفرنسي لويس الرابع عشر انه هو فرنسا. فهو ابن زمانه، وعاش قبل عصر التنوير والديموقراطية. ومن المفهوم ايضا ان يرفض ابن عصر التنوير رئيس اميركا الاول جورج واشنطن الحكم الى الابد، فيكتفي بدورتين رئاسيتين استمرتا ثمانية اعوام، ويذهب بعدها الى التقاعد، وتستمر اميركا.

من المفهوم كذلك ان عصر التنوير هذا لم يمر على العراق، ولا على معظم القياديين العراقيين، فصدام حسين اعطى العالم دروسا عن كيف يتحول بلد بأكمله ملكا لشخص واحد وعشيرته. حتى ان صدام لم يخجل من التماهي مع حكام ما قبل التاريخ، من امثال حمورابي، فالزمن لدى صدام، وهو كان عديم الثقافة، لا يختلف بين عصر ما قبل الحداثة او ما بعدها.

حكام ما قبل الديموقراطية، مثل لويس الرابع عشر وصدام حسين ورئيس سورية الراحل حافظ الاسد، كانوا يعتقدون ان التاريخ يتذكر الحاكم لشخصه. وكانوا يعتقدون كذلك ان ميزات الحكم جينية وراثية تنتقل الى اولادهم، وعلى هؤلاء ان يسيروا في خطى الآباء. وهكذا، يصبح لويس الرابع عشر هو فرنسا، ويصبح العراق "عراق صدام حسين"، وتصبح سورية "سورية الاسد".

اما حكام الديموقراطية فيدركون ان دخولهم التاريخ مرهون بنجاح البلاد واستمراريتها – بمؤسساتها لا بوريث الحاكم من سلالته – بعد خروجهم من السلطة.

عراق ما بعد صدام حسين يقف على مفترق طرق: اما ان تنجح الطبقة السياسية في انشاء مؤسسات غير مشخصنة تنجح في ادارة البلاد، واما يبقى العراق مربوطا بميزان لمجموعة من الشخصيات، وفي طليعتها رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي والسابق اياد علاوي. والطامة الكبرى ان معظم الشخصيات العراقية تعتقد نفسها لويس الرابع عشر، وتعتقد ان حكم العراق الى ما لا نهاية هو حق لها، ومكافأة لنضالاتها الماضية ولدهائها السياسي.

الا ان المالكي وعلاوي وحكام العراق الحاليين يدركون صعوبة التبجح علنا بطموحهم حكم العراق الى الابد، فيستبدلون الحديث عن رغباتهم البقاء في السلطة بالحديث عن حاجة العراق المزعومة اليهم، اذ ذاك يصبحون قادة "ضرورة". من دونهم في الحكم، حسب اعتقادهم، يدخل العراق في دوامة عنف، وهم بهذا يختصرون المؤسسات المطلوب اقامتها باشخاصهم، فان ذهبوا هم، ذهب العراق، تماما كما حصل للبلاد التي نزلت في نفس الحفرة مع صدام حسين بعد انهيار حكمه.

وهؤلاء "القادة الضرورة"، لا يكفون الحديث عن "رؤيتهم" للعراق وعن برامجهم المزعومة.

في مقابلة اجرتها معه صحيفة "لوس انجلس تايمز"، قال المالكي بالاجابة عن رغبته في البقاء في منصبه: " ليس المنصب مهما بذاته بالنسبة لي (...) انما قد تكون اهميته لأني بدأت عملية اصلاح وبناء وتغيير في مختلف المجالات الأمنية والسياسية و الاقتصادية، ولاستكمالها ربما يحتاج الى ان تبقى رئاسة الوزراء (بعهدتي)".

لنتأمل عملية الاصلاح والبناء والتغيير هذه، والتي يبدو لنا ان اولى معالم فشلها انها ترتبط بشخص مطلقها. لنفرض ان الحكم تعذر على المالكي لاسباب صحية او جسدية او غيرها. من يكمل مسيرة الاصلاح والبناء التي بدأها رئيس الحكومة المنتهية ولايته؟

ان نجاح الديموقراطية في العراق يرتبط بقيام مؤسسات تدير شؤون البلاد بشكل مستدام، مع المالكي او علاوي او بدونهما، فينحصر دور اي حاكم للعراق باطلاق سياسات، يحصل عليها على موافقة الاكثرية البسيطة في البرلمان. واذا ما صادف ان السياسات الجديدة تشبه قانون الرعاية الصحية، الذي خاض الرئيس الاميركي باراك اوباما معركة سياسية من اجل اقراره حتى تعمل بموجبه مؤسسات الدولة، فنطلق عليه اسم سياسة تغييرية.

اما عندما يبقي اوباما روبرت غايتس وزيرا للدفاع، فهذا يعني انه لم يكن بصدد تغيير السياسة الدفاعية بعد ان نجحت في تثبيت وضع العراق، وفي طريقها الى الخروج من افغانستان.

لكن حكام العراق لم تجتاحهم العقلية الديموقراطية بعد، وهم يعتقدون ان الحكم شخصي، فيأتي كل منهم بجماعته الى الحكم، ولا يلتزم بمؤسسات او قوانين تمت المصادقة عليها في عهد من سبقه، فيقوم كل حاكم عراقي ببناء الدولة على ذوقه، فيذهب وتذهب الدولة معه.

ثم ان اعتقاد رئيس حكومة العراق انه من الممكن له ان "يستكمل" عملية "الاصلاح والبناء والتغيير" التي بدأها يشي بأن السيد المالكي لا يدرك انه لا يمكن لاي حاكم على وجه الارض "استكمال" البناء في اي دولة. فالبناء والتغيير هما عملية مستمرة وتراكمية، وينجح فيها حاكم اكثر من غيره، ولكنها عملية مستمرة، لا نهاية لها ولا "استكمال".

وحتى يفهم حكام العراق معنى الديموقراطية وتداول السلطة، نصيحتنا الوحيدة لهم هي ان يحرصوا على مغادرة السلطة، مع او من دون "استكمال" مشاريعهم، فالجزء الاساسي من نجاح الديموقراطية في العراق، يرتبط بتداول السلطة واتاحة المجال امام الافكار الجديدة والدم الجديد في الحكم.

اما اذا اصر كل واحد من حكام العراق على استكمال ما بدأه، فسيبقى العراق مرهونا بالاشخاص، وسيبقى العراق في القرن الثامن عشر، من دون اي أمل في رؤيته يدخل القرن الواحد والعشرين في المستقبل المنظور.

* كاتب ومراسل "العالم" في الولايات المتحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق