الاثنين، 26 أبريل 2010

سبب الأزمة... «ضياع» « السكود» السوري وسط حرب استخبارية من قزوين إلى المتوسط

واشنطن - من حسين عبد الحسين

تدخل اليوم، ازمة احتمال تزويد سورية «حزب الله» بصواريخ «سكود»، يومها التاسع عشر، منذ اثارتها «الراي» للمرة الاولى في التاسع من الشهر الجاري، مع استمرار اختلاط المعلومات الاستخبارية بالتحليلات الصحافية والمزايدات السياسية.

في هذه الاثناء، قام بعض المسؤولين الاميركيين والعرب، بالقاء اللوم على الصحافة واتهامها باثارة ازمة غير مبررة، رغم ثبوت صحة جزء كبير من المعلومات الصحافية.

لكن ما هو الصحيح، وما هو المختلق؟ وما الذي يدخل تحت تصنيف التراشق بالاتهامات السياسية على حساب دقة الخبر، في وقت تمر فيه المنطقة الممتدة من بحر قزوين الى ضفاف المتوسط بحرب استخبارية معقدة جدا اندلعت منذ دخول القوات الاميركية بغداد في العام 2003.

في هذا السياق، تأتي ازمة «سكود» المفترض ان سورية زودتها الى «حزب الله».

منذ اليوم الاول لاندلاع الازمة، لم تؤكد «الراي» في اي من تقاريرها من واشنطن، وصول هذا النوع من السلاح الى ايدي مقاتلين «حزب الله»، بل شددت على تضارب المعلومات المتوافرة في العاصمة الاميركية.

اما الطريقة الافضل لفهم المعلومات الاميركية المتضاربة، فتقضي باجراء مقارنة بين ازمة «سكود»، وبين اختراق اسرائيل الاستخباري العام 2008، الذي دمرت مقاتلاتها على اساسه، ما اكدت تل ابيب وواشنطن لاحقا انه مفاعل نووي سوري في الكبر. في ذلك الحين، قصفت اسرائيل المفاعل والتزمت الصمت، ثم ظهرت القصة في الكونغرس والاعلام الاميركي.

الاميركيون ممن عاشوا عملية قصف اسرائيل للمفاعل السوري، يروون ان المسؤولين الاسرائيليين دخلوا على نظرائهم الاميركيين مع صور من الاقمار الاصطناعية ودلائل تثبت ان الموقع كان مفاعلا نوويا، واعطت واشنطن تل ابيب الضوء الاخضر لقصفه، وهذه القرائن تم تقديمها لاحقا الى الكونغرس والرأي العام ووكالة الطاقة الذرية، التي ما زالت تشكو من عدم الشفافية السورية في التعامل مع الموضوع، حسب اخر تقرير صادر عنها.

«ازمة صواريخ السكود مثل موضوع قصف المفاعل النووي السوري»، يقول لنا مسؤول اميركي على اطلاع على تفاصيل الازمة، «مع فارق يكمن في ان اسرائيل لفتت نظر اميركا ولم تطلب توجيه ضربة، فيما لم تلتزم كل واشنطن، سرية الموضوع».

ويعيد لنا المسؤول ما اورده لنا في السابق، وما يدخل في باب المعلومات المؤكدة، والتي نشرتها «الراي» اولا في منتصف يناير، ثم في 9 ابريل.

المعلومة الاولى المؤكدة، ان الاستخبارات الاسرائيلية رصدت، الصيف الماضي، تدريب سورية لمقاتلين من «حزب الله» على استخدام عدد من الصواريخ الموجودة في الترسانة السورية، وهي تتضمن صواريخ ارض - جو مضادة للطائرات، وصواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى تطال معظم ارجاء اسرائيل.

تلك المعلومات دفعت وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك، الى الحديث عن انظمة دفاع جوي لدى «حزب الله». رافق حديث باراك انذارات اسرائيلية الى سورية، وتم التوصل الى ما يشبه «الخطوط الحمر» الضمنية، مثل التي رسمتها اميركا بين البلدين لتحديد نفوذ كل منهما داخل لبنان في 1976. بموجب خطوط العام 2009 بين سورية واسرائيل، امتنعت سورية عن تزويد «حزب الله» صواريخ ارض جو او صواريخ باليستية.

في وقت ما من الاشهر القليلة الماضية، التقطت الاستخبارات الاسرائيلية صورا لصواريخ رجحت انها «سكود - د» في شاحنات قريبة من الحدود السورية - اللبنانية. وعلى غرار ما فعلت في موضوع المفاعل النووي، حملت الاستخبارات الاسرائيلية معلوماتها الى الاميركيين الذين توافرت لديهم معلومات متطابقة، فوعدت واشنطن تل ابيب بان «تتعامل مع الموضوع».

واستدعت وزارة الخارجية الاميركية السفير السوري عماد مصطفى، لارسال تحذير الى دمشق من مغبة الحسابات السورية الخاطئة. ومع ان «الراي» وصحف غربية اوردت حدوث الاجتماع، الا ان مصطفى نفى حدوثه، وهو ما اكدته الخارجية لاحقا وافادت، في بيان، بان مجموع الاستدعاءات الاميركية لديبلوماسيين سوريين في واشنطن بلغ اربعة، منذ 26 فبراير الماضي.

المعلومات عن تدريب سورية لمقاتلي «حزب الله»، ووجود صواريخ على الحدود من جهة سورية، واستدعاء اميركا لديبلوماسيين سوريين لتحذيرهم من عواقب تمرير هذه السلاح الى «حزب الله»، كلها معلومات في حكم المؤكدة داخل واشنطن.

وفي وقت ما من فبراير، اختفت الصواريخ، ولم تنجح الاستخبارات الاميركية في اقتفاء اثرها، ما ادى لاحقا الى توتر اسرائيلي تسبب بارتباك اميركي، اوردته «الراي» في 9 ابريل.

الاحتمالات عديدة، وتتضمن، اما ان يكون السوريون اعادوا هذه الصواريخ الى مخازنهم، واما ان يكونوا مرروها بالفعل الى «حزب الله»، وهو «ليس امرا خياليا مع حزب في ترسانته الاف الصواريخ التي وصلته عبر سورية»، حسب المصادر الاميركية.

الحيرة حول مصير الصواريخ الباليستية هي مصدر الازمة، وهي ما ادت الى تصعيد وانذرت باحتمال اندلاع حرب.

الولايات المتحدة سارعت الى التحرك على مستويين، فقامت بتحذير «استباقي» للسوريين من عواقب «امكانية» وصول اي سلاح من هذا الطراز الى يد «حزب الله»، وعلى مستوى آخر، فتحت واشنطن كل القنوات الممكنة مع دمشق للحصول على اجابة سورية واضحة حول مصير السلاح.

جاءت الاجابات السورية الاولية عن طريق السناتور جون كيري، الذي طار الى دمشق والتقى الرئيس بشار الاسد، الذي نفى بدوره نفيا قاطعا تزويده «حزب الله» بهذا النوع من الصواريخ.

اعتبر كيري اجابة الاسد كافية ومررها الى الادارة الاميركية على شكل معلومات مصنفة سرية. الا ان اجابة الرئيس السوري لم تقطع الشك باليقين، واستمر المشككون في اميركا بالاشارة الى الاحتمالية الثانية، اي وصول الصواريخ الى «حزب الله».

ما هي الخطوة المقبلة؟ الاجابات مبعثرة في واشنطن، ولكن الى جانب التصعيد السياسي والتحذيرات الديبلوماسية المتطايرة في كل اتجاه، يبدو ان الحرب الاستخبارية بين اسرائيل وخصومها مستمرة، فيما تسعى واشنطن بكل قوتها الى منع اندلاع اي نوع من الحروب غير الاستخبارية على مايبدو في الشرق الوسط، رغم تململ بعض حلفاء واشنطن من سياسة «ضبط النفس».

في ضوء اصرار واشنطن على منع المواجهة المفتوحة، من المرجح ان يستمر التصعيد سياسيا، وهو ما يخلق تخوفا بالانزلاق نحو مواجهة، او ما تسميه واشنطن «حسابات خاطئة»، لدى اي من الاطراف. وفي خضم التوتر السياسي، تتحول الصحافة والصحافيين من حين الى آخر الى كبش محرقة لفشة خلق سياسية هنا او هناك، فيما تدور الحرب الاستخبارية في الخفاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق