الاثنين، 24 مايو 2010

مع ترسّخ اللاعنف... قد تكون الدولة الفلسطينية وشيكة

على الرغم من تزايد حركات الاحتجاج والعصيان المدني غير العنيفة في الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة، فإننا مازلنا نجد أعداداً كبيرة من العرب والفلسطينيين الذين يشككون في مقاربة غاندي السلمية

ترجمته جريدة "الجريدة" الكويتية عن جريدة "ذي ناشونال" الاماراتية

حسين عبد الحسين

لم يقتنع الفلسطينيون يوماً بفكرة اللاعنف، فهم أشخاص واقعيون وعنيدون، وقد انبثقت دولة إسرائيل جزئياً من العنف وصمدت بشكل أساسي عبر أعمال العنف، لم يكن مفهوم المسامحة يوماً خياراً حكيماً أو فاعلاً في هذا الصراع المرير.

لكن ربما يشهد الوضع الراهن تغيّراً ملحوظاً... كتب زياد العسلي، رئيس بعثة العمل الأميركية من أجل فلسطين، حديثاً في صحيفة 'غارديان' البريطانية: 'ينبعث تنامي حركة اللاعنف بين الفلسطينيين تلقائياً من الشعب بتشجيع من القيادة'.

لكن تكمن المسألة الجوهرية في هذا المجال في معرفة السبب الذي دفع الأطراف إلى تقبل اللاعنف بعد كل تلك المعاناة وسفك الدماء، فالجواب بسيط: استلزم الفلسطينيون هذا الوقت كله للاعتراف بعدم جدوى استعمال العنف ضد شعب مصمم على عدم الوقوع ضحية العنف مجدداً بعد المحرقة الشهيرة.

كتب كاي بيرد الحائز على جائزة 'بوليتزر'، في سيرته الذاتية التي نُشرت حديثاً 'Crossing Mandelbaum Gate': 'كان الصراع المسلّح أسوأ تكتيك كان يمكن أن يستعمله الفلسطينيون ضد مجتمع كامل مطبوع بالصدمة والخوف'.

بحسب بيرد، منذ المحنة الكبرى التي واجهتها فلسطين بعد عام 1948، لم تبرز أي شخصية مهمة لها أثر سياسي دائم مثل الماهاتما غاندي في الهند أو مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة. نتيجةً لذلك، تحوّل الفلسطينيون أنفسهم إلى الضحايا طوال عقود.

على الرغم من تزايد حركات الاحتجاج والعصيان المدني غير العنيفة في الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة، فإننا مازلنا نجد أعداداً كبيرة من العرب والفلسطينيين الذين يشككون في مقاربة غاندي السلمية. غالباً ما يقتبس مؤيدو الصراع المسلّح اللامتناهي ضد إسرائيل كلام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عند إلقاء خطاباتهم الشعبية وتكرار مُثلهم التي أصبحت بالية منذ نصف قرن: 'ما أُخذ بالقوة لا يُسترَدّ إلا بالقوة'.

تكمن المشكلة في القادة العرب الذين نادراً ما يقدّمون خيارات إغاثة مستدامة خلال إطار زمني محدد إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف مزرية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة. بدل ذلك، ترتكز خطاباتهم على ثلاثة اعتراضات- لا للسلام، لا للتفاوض، لا للاعتراف بإسرائيل- أصدرتها القمة العربية التي عُقدت في الخرطوم بعد الهزيمة الكبرى التي ألحقتها إسرائيل بالجيوش العربية في حرب عام 1967، ما أدى إلى القضاء على معنويات العرب.

يدرك أشخاص مثل العسلي ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض فحوى حركة عبدالناصر الشعبية، أي 'الاعتراضات الثلاثة'.لا شك أنهم هللوا لعبدالناصر، في إحدى المرات، ونادوا بتدمير إسرائيل أيضاً، لكنّ الناس يتعلمون من تجاربهم.

يقول العسلي: 'في الماضي، كان الفلسطينيون يعتمدون حصراً على الصراع المسلّح، ثم على الصراع المسلّح الممزوج مع الدبلوماسية، ثم على الدبلوماسية دون سواها، لكن انتفاضتين أعاقتا مسار الدبلوماسية في الأراضي المحتلة'.

نظراً إلى فشل معظم الاستراتيجيات الأخرى التي كانت تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية، يبدو العسلي ورئيس الوزراء الفلسطيني مصممّين على تجربة اللاعنف... تتوقف فرص النجاح على استقرار الوضع.

على مرّ التاريخ، عُرفت حركة التحرير الوطنية الفلسطينية بعدم قدرتها على الإيفاء بوعودها، وربما عدم رغبتها في ذلك. استغلّت إسرائيل هذا الفشل لتحقيق مصالحها الخاصة، في حين عمد الفلسطينيون باستمرار إلى أداء دور مفسدي الاتفاقات، وتؤدي هذه الحلقة المفرغة إلى تخريب عملية السلام، وهو أمر يُسعد مؤيدي 'الصراع المسلح اللامتناهي' من الفريقين.

من خلال دعم اللاعنف، سيقلل الفلسطينيون من شأن الادعاءات الإسرائيلية التي تصرّ على ربط الفلسطينيين بأعمال العنف، وسيساهم ذلك أيضاً في إسكات الاتهامات القائلة إنّ قيادتهم تعجز عن الإيفاء بوعودها بتوفير الأمن، ما يعني أنّ الفلسطينيين غير مستعدين بعد للتمتع بحكم مستقلّ.

يشكّل اعتماد اللاعنف على الأرجح شكلاً من أشكال نزع الأسلحة، ويمكن أن ترسل إسرائيل قواتها لملاحقة الميليشيات الفلسطينية المسلّحة وأن تبرر احتلالها للضفة الغربية، لكنّ حججها ستضعف كثيراً حين تجد نفسها أمام مدنيين فلسطينيين سلميين يطالبون بالحصول على حقّهم بالحكم الذاتي والاستقلال وإسماع أصواتهم للعالم أجمع.

يرى حسين ابيش، مسؤول رفيع في بعثة العمل الأميركية من أجل فلسطين، أنّ الاستراتيجيات والحلول السلمية التي تنجم عنها قد لا تكون عادلة بالنسبة إلى بعض الفلسطينيين. على سبيل المثال، سيضطرّ بعض اللاجئين الفلسطينيين إلى التخلي عن حق العودة إلى المنازل التي كانوا يملكونها قبل عام 1948، وسيُجبَرون على قبول العيش في دولة فلسطينية تضمّ الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب ما قاله ابيش، مؤلف كتاب

''What’s Wrong with the One-State Agenda?'. في نهاية المطاف، التسوية تعني تقديم التنازلات.

ليست تجربة اللاعنف الفلسطينية مثالية بأي شكل، لكن استمرار التحسن الأخير في مجال الحكم في الضفة الغربية سيكون من أفضل الأمور التي يمكن أن تحصل للفلسطينيين منذ وقت طويل، ونتيجةً لذلك، سيصبح كل شيء ممكناً، حتى إقامة دولة فلسطين.

* أستاذ زائر رفيع المستوى في المعهد الملكي البريطاني 'تشاتام هاوس'.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق