الاثنين، 13 سبتمبر 2010

لا عودة منظورة لـ «شهر العسل» في العلاقات الأميركية - السورية

واشنطن من حسين عبد الحسين

قبل عام بالتمام، نشرت «الراي» تقريرا أفاد بأن «شهر العسل في العلاقات الاميركية السورية، الذي بدأ بعد انتخاب باراك اوباما رئيسا، قد انتهى».

واعتبرت «الراي» حينذاك ان ما قدمته دمشق سياسيا لادارة اوباما لم يكن يكفي لخوضها معركة في وجه الجمهوريين في الكونغرس من اجل اعادة الانفتاح على سورية، وهو ما من شأنه ان يعرقل عودة السفير الاميركي الى العاصمة السورية، للمرة الاولى منذ استدعاء مارغريت سكوبي في فبراير 2005، اثر اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري.

اثار تقرير «الراي» زوبعة، وتصدت له بعض وسائل الاعلام العربية المرموقة، ونقل كتاب وصحافيون، عن مصادرهم الاميركية، ان عودة السفير الاميركي الى دمشق كانت محسومة ومرتبطة بالوقت الذي يستغرقه انجاز التعيين اداريا.

بعد عام، ما زالت السفارة الاميركية في دمشق من دون سفير. صحيح ان الادارة اقترحت اسم الديبلوماسي روبرت فورد، وقام بعد ذلك حليف دمشق الاول السناتور جون كيري برمي ثقله في مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، الا ان فورد لم يعد حتى الساعة، وسبب التأخير ما زال نفسه منذ عام وهو ان دمشق لم تقدم لاوباما ما يمكنه استخدامه في الكونغرس في وجه خصومه الجمهوريين، الذين يصرون على العرقلة.

ومنذ انتخاب اوباما قبل 21 شهرا، تراجع نفوذ الرئيس وحزبه الديموقراطي سياسيا، وشهدت واشنطن عودة الحزب الجمهوري. كذلك، يبدو ان ادارة الرئيس الاميركي ادركت انه ليست باستطاعة سورية اليوم على عكس سورية في التسعينات التأثير على مجرى الامور في المنطقة، لذا، استنتجت الادارة الحالية ان لا جدوى من انفاق اي رصيد سياسي، داخل واشنطن، من اجل استقطاب دمشق.

هكذا، وقّع اوباما خلال عامين على تجديد دفعتين من العقوبات على سورية كان اقرها سلفه جورج بوش. الا ان الدليل الابرز على ان اوباما لا ينوي خوض مواجهة كرمى لعيون دمشق، ظهر في 19 اغسطس الماضي، عندما قام الرئيس الاميركي بتجاوز مجلس الشيوخ في فترة عدم انعقاده في الصيف لتثبيت اربعة تعيينات كان يعرقلها المجلس، منها تثبيت ماري كارمن ابونتي سفيرة لاميركا في السلفادور. وكان لافتا ان اوباما لم يتجاوز المجلس لتثبيت فورد سفيرا في سورية، وفي ذلك دلالة على ان الرئيس الاميركي لا يرى الانفتاح على سورية مسألة حيوية تتطلب اجراءات استثنائية مثل تجاوز الكونغرس.

الطريق الاميركية المسدودة في وجه دمشق لم تثن اللوبي السوري في العاصمة الاميركية عن مضاعفة نشاطه، على الرغم من خسارته احد ابرز حلفائه السناتور عن ولاية بنسلفانيا، والقريب من اوباما، آرلن سبكتر، الذي لم ينجح في الحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي لتجديد ولايته.

ورغم غياب سبكتر، نجح كيري في اقناع زعيم الاقلية الجمهورية في لجنة الشؤون الخارجية ادغار لوغار بتبني وجهة النظر القائلة بضرورة اعادة السفير الاميركي الى دمشق. وعمل انصار سورية على خطين في هذا السبيل.

على الخط الاول، عملوا على تصوير الرئيس السوري بشار الاسد على انه صاحب نوايا طيبة تجاه واشنطن، ولكن بما ان اميركا بعيدة عن الاسد، تعمل الدول المتطرفة مثل ايران على ملء الفراغ والسيطرة على آراء الرئيس السوري (وهذه الفكرة نفسها يتم تسويقها حول ضرورة تسليح اميركا للجيش اللبناني سوف تنشرها «الراي» في تقرير فور انجازه).

ولاعادة الاسد الى الاعتدال، وبما ان السوريين يرفضون لقاء القائم بالاعمال في دمشق، لا بد من عودة السفير الاميركي حتى يعيد التواصل مع الاسد ويساهم في ارشاده الى الخيارات التي تصب في المصلحة السورية.

على الخط الثاني، عمل اللوبي السوري على تسخيف دور السفير الاميركي في سورية، وفصل عودته عن المطالب التي تضعها واشنطن على دمشق، مثل الابتعاد عن ايران وحلفائها في المنطقة.

الا ان اكثرية الجمهوريين في مجلس الشيوخ، رفضوا آراء كيري وصحبه، واصروا على الاستمرار في سياسة بوش التي كانت تعتبر وجود السفير الاميركي في دمشق بمثابة مكافأة، وانه لا يجوز مكافأة الاسد رغم استمراره في التحالف مع ايران.

لكن كيري لم يتراجع، واوحى للوغر بايفاد مساعدين الى المنطقة لاعداد تقرير عله يساهم في اقناع الجمهوريين باهمية تثبيت تعيين فورد والانفتاح على سورية. واستجاب لوغر.

في اول يونيو الماضي، وصل الى دمشق فريق من مساعدين زعيم الاقلية الجمهورية في لجنة الشؤون الخارجية برئاسة الديبلوماسية (سبق لها ان خدمت في سفارة بلادها في تونس) دوروثي شاي، وعقدت اجتماعات تم ترتيبها مسبقا مع مسؤولين سوريين ومع من تم تقديمهم على انهم ناشطين في المجتمع المدني وشباب ورجال اعمال.

اثناء اجتماعها مع نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، اثارت شاي مسألة تزويد سورية بصورايخ سكود لحزب الله، فنفى المسؤول السوري التقارير نفيا قاطعا. ثم شدد المقداد على نية القيادة السورية تحسين علاقاتها مع اميركا، وابلغها انه في حال عودة سفير يتمتع بثقة واشنطن الى دمشق، فانه «سيجد كل الابواب مفتوحة في وجهه».

واضاف المقداد ان الخلافات بين البلدين لن تختفي فورا، ولكن ممكن دفعها الى الهامش. وخلص الى القول ان نتيجة عودة السفير الاميركي الى سورية تعتمد على التعليمات التي ستكون بحوزته، او بكلام آخر، على السياسة الاميركية التي يجب ان تتغير حتى تأتي اعادة السفير بأية ثمار.

واثر عودتها الى العاصمة الاميركية، رفعت شاي تقريرا الى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جاء فيه: «انه لمن السذاجة التصديق بان النظام (السوري) سيغير من سياساته بشكل دراماتيكي في المستقبل القريب، الا ان السفير الاميركي في سورية سيكون بامكانه ان يشرح للسوريين ان مصالحهم لا تتحقق من خلال صداقتهم مع ايران، او دعمهم حزب الله والمجموعات الفلسطينية الارهابية، او التدخل في لبنان، او افساد عملية السلام...» وسط «السذاجة» الاميركية، وشبه التوافق الديموقراطي الجمهوري حول الانفتاح على دمشق، هل يعود فورد الى سورية؟

الاجابة حتى الان تبدو سلبية، وهو ما يدفع الى البحث عن القوة الكابحة للاندفاعة الاميركية في اتجاه الاسد.

هنا، تقول مصادر اميركية رفيعة لـ«الراي» ان «اسرائيل هي من صانت نظام الاسد من الانهيار في العام 2005، واسرائيل هي من كسرت العزلة الدولية التي كانت مفروضة على دمشق حتى العام 2007، واسرائيل هي التي صاغت الشروط الجديدة لعودة سورية للعب دور اقليمي».

حسب المصادر الاميركية، «من وجهة نظر تل ابيب، هناك حاجة لاستمرار النظام السوري لان الهدنة بين اسرائيل وسورية منذ العام 1974 ممتازة». وتضيف المصادر: «اسرائيل كذلك لا يهمها امر الجولان، ومستعدة لاعادته الى السوريين، لكن المعادلة تغيرت، ولم تعد الارض مقابل السلام، بل الجولان مقابل انقلاب تام لسورية ضد ايران وحزب الله وحماس».

وتتابع: «طالما ان سورية لا تسير في المعادلة الاسرائيلية الجديدة، وطالما ان سورية ليست اولوية لدى واشنطن، مما يجعلها تسلم الامر الى تل ابيب، سيبقى من المستبعد ان تعيد واشنطن لدمشق دورها الاقليمي الذي لعبته في التسعينات».

وتختم المصادر: «السياسيون في الرياض وبيروت هم وحدهم من يعتقدون ان لسورية اليوم دورا اقليميا ما، وهذا بعيد جدا عن الواقع».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق