الاثنين، 17 يناير 2011

رائحة الغضب: "ثورة الياسمين" تنهي بن علي ولا تنذر بديموقراطية

بقلم حسين عبد الحسين

المجلة

اطاحت سلسلة من الاحداث المتسارعة، التي تخللتها تظاهرات حاشدة، بـ 23 عاما من حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ولكن الغضب الشعبي المدفوع بالبطالة وتدهور الاوضاع الاقتصادية لم يؤد الى تحسن اوضاع تونس، فغرقت البلاد في حالة من الفوضى الامنية والنهب، فيما تخبطت الطبقة السياسية، فاقسم رئيس البرلمان فؤاد مبزع اليمين الدستورية خلفا لبن علي بالوكالة، واعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي حكومة انتقالية.

وفي الوقت الذي اتهم مندوب تونس المستقيل في اليونسكو مزري حداد الرئيس المخلوع "بتعمد إشاعة الفوضى قبل رحيله"، اندلعت الاشتباكات بين الجيش، من جهة ،وعناصر الحرس الرئاسي ومجموعات موالية لبن علي، من جهة ثانية، ما لبثت ان تحولت الى حرب عصابات، نجح الجيش خلالها في القاء القبض على 50 من الحرس الشخصي الرئاسي، بينهم مديرهم الجنرال علي السرياطي. كما تم اعتقال وزير الداخلية السابق رفيق بلحاج قاسم وابن اخي الرئيس السابق قيس بن علي.

على ان التقارير الواردة من العاصمة التونسية اشارت الى استبباب الهدوء في ارجاء البلاد مع حلول مطلع الاسبوع. ومع وصول اخبار ما تم اطلاق عليه اسم "ثورة الياسمين" الى دول الجوار، اعلن العقيد الليبي معمر القذافي ان بن علي هو افضل من حكم تونس، والقى باللوم على التونسيين لاطاحتهم برئيسهم.

وفي مصر، قام احد الشبان باضرام النار بنفسه، على غرار التونسي الذي اشعل الثورة التونسية محمد البوعزيزي، 26 عاما، والذي اقدم على اضرام النار في نفسه، بعدما تعرض للضرب على ايدي قوات الشرطة، الشهر الماضي، ثم توفي لاحقا على سرير العلاج في مستشفى "بن عروس" متأثرا بجراحه.

البوعزيزي، لم ينجح في الحصول على عمل بعد تخرجه من احدى الجامعات التونسية، فعمد الى العمل بائعا للفواكه والخضروات، ولكنه لم يحصل على تصريح من السلطات الرسمية، مما جعله موضع ملاحقة من قبل الشرطة، في وقت سابق من ديسمبر( كانون الأول) الماضي.

كذلك فعل شاب موريتاني والجزائري سنوسي توات، 34 عاما وعاطل عن العمل، اللذان قاما باضرام النار في نفسيهما احتجاجا، في ما ينذر باندلاع ثورة "اشعال النفس" يقوم بها جيش من العاطلين عن العمل في دول شمال افريقيا.

في هذه الاثناء، تضاربت ردود الفعل العالمية والعربية حول الانباء الواردة في التونس، وتراوحت بين الاشادة بانتفاض التونسيين على حكم بن علي، والتحذير من العواقب غير المعلومة لانهيار هذا الحكم.

في العاصمة الاميركية دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في معرض إشادته بشجاعة وكرامة الشعب التونسي، حكومة تونس لاحترام حقوق الانسان، واجراء انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل القريب. وادان اوباما استخدام العنف ضد المواطنين التونسيين الذي اعربوا سلميا عن آرائهم قائلا: "احي شجاعة وكرامة الشعب التونسي".

الا انه بعيدا عن العموميات والاشادات السياسية، ابدى كثيرون تخوفهم من مصير تونس في مرحلة ما بعد "ثورة الياسمين".

وكتبت آن ابلبوم، الصحافية المعروفة في جريدة "واشنطن بوست"، مقالة بعنوان "الديكتاتور يهرب من تونس، فهل تصل الديموقراطية"، شككت فيها في مقدرة التونسيين على اقامة ديموقراطية، وعزت سبب فشل التونسيين الى نجاح بن علي في افراغ مؤسسات الدولة من مضمونها بانشائه برلمانا شكليا وحكومة ضعيفة.

واعتبرت ان النماذج العالمية لانتقال الديكتاتوريات الى ديموقراطيات، مثل اسبانيا بعد فرانكو، مختلفة عن الوضع في تونس اذ – قبل مماته في منتصف السبعينات – قام الديكتاتور الاسباني نفسه بدفع البلاد باتجاه الديموقراطية، فكرس وجود المجتمع المدني وثقافة تداول السلطة سلميا، وهو ما لا يتوافر في تونس بعد بن علي.

واتهمت ابلبوم الفرنسيين، وبعض دول الغرب، بالتواطئ في تغييب الديموقراطية في تونس. وكتبت: "قام احد المعلقين في لو فيغارو (الفرنسية) بانتقاد سذاجة اعتقاد الاميركيين بنشر الديموقراطية، وكتب الاسبوع الماضي انه من حق كل شعب ان يكتب تاريخه، وهو اهم من حق الشعب التمتع بديموقراطية".

كما انتقدت الكاتبة الاميركية الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الذي قال في الماضي ان "اهم حق من حقوق الانسان هو حق الطعام، والرعاية الصحية، والتعليم، والسكن"، لذا، استنتج شيراك، ان حقوق الانسان في تونس تحت بن علي كانت "في وضع متقدم جدا". وتوصلت ابلبوم الى نتيجة مفادها ان بن علي نفسه اعتقد ان وضع حقوق الانسان في بلاده جيد، ونسي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب التونسي، فوصلت الامور الى ما وصلت اليه.

اين هي نهاية المطاف لاحداث تونس، وهل تنتقل البلاد من اكثر من عقدين من التوتاليتارية الى حكم ديموقراطي؟ الاجابة على هذا السؤال تحير السياسيين في المنطقة والمحللين والمراقبين حول العالم. فبينما ابدى البعض تخوفهم من تحول "ثورة الياسمين" الى ثورة اسلامية، على غرار ما حصل في ايران في العام 1979، تحدث البعض الاخر عن مرحلة من التخبط قد تسبق ظهور ديكتاتور آخر يمسك بزمام الامور.

وحتى تنجلي الامور، سوف تبقى تونس محط اهتمام العالم، وستحتل اخبارها الصفحات الاولى العربية والعالمية، بعد فترة طويلة من غياب التونسيين واخبارهم السياسية عن العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق