الخميس، 8 سبتمبر 2011

أميركا طوت صفحة 11 أيلول والاقتصاد عنوان العقد المقبل


بقلم حسين عبد الحسين - واشنطن

انتصرت اميركا في حربها على الارهاب على ان النصر الاميركي لم يترافق وشعور القوة العظمى بتعزيز قوتها، بل على العكس، تأتي الذكرى العاشرة لهجمات 11 ايلول والاكثرية الأميركية في مزاج قاتم.
بعد مرور اقل من عقد على هجمات 11 ايلول 2001، انتصرت اميركا في حربها على الارهاب. قتلت اسامة بن لادن وعدداً كبيراً من قياديي تنظيم "القاعدة" من ابو مصعب الزرقاوي الى ابوحفص المصري وابوعمر البغدادي وغيرهم الكثيرين. حتى المواطن الاميركي من اصل يمني، انور العولقي، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان مسألة "اصطياده" في مخبئه في اليمن هي مسألة وقت فقط. وتقول مصادر الاستخبارات الاميركية ان المراسلات التي عثرت عليها في بيت بن لادن في ابوت آباد في باكستان اشارت الى ضعضعة التنظيم، وتفكك اوصاله، وخوف قيادييه خصوصا من الطائرات من دون طيار التي تطاردهم وتغتالهم.
اذن لم تتحقق نبوءة بن لادن الذي كان يعتقد انه اسقط قوة عظمى هي الاتحاد السوفياتي وانه كان في طريقه لاسقاط الثانية، اي الولايات المتحدة الاميركية. صحيح ان اميركا دخلت في حربين طويلتين في افغانستان والعراق، الا انها نجحت في تثبيت الاوضاع نسبيا هناك من دون ان يتحول اي من البلدين الى مستنقع على غرار فيتنام، فخسارة اميركا في الحربين لم تصل الى سبعة آلاف قتيل، فيما بلغت في فيتنام، على مدى فترة زمنية بلغت حوالى عشر سنوات، ثمانية وخمسين الفا.
وفي الوقت الذي تستعد واشنطن لسحب قواتها من البلدين، حتى لو ابقت على تواجد عسكري صغير في كل منهما، يشعر الاميركيون انهم انتصروا لضحاياهم في 11 ايلول، والذين بلغ عددهم حوالي ثلاثة الاف قتيل. هذا الشعور الاميركي بالنصر دفع البيت الابيض الى التعميم على ديبلوماسييه بالابتعاد سرا وعلنا عن اي تصريحات تنم عن شعور بالزهو او الفخر لتفادي اثارة حنق الدول الاخرى في وجه اي غرور اميركي محتمل.
على ان النصر الاميركي لم يترافق وشعور القوة العظمى بتعزيز قوتها، بل على العكس، تأتي الذكرى العاشرة لهجمات 11 ايلول والاكثرية في مزاج قاتم وشعور بتراجع النفوذ الاميركي حول العالم امام تمدد النفوذ الصيني. سبب الشعور الاميركي هذا يأتي طبعا من "الركود الكبير" الذي اصاب البلاد في ايلول 2008، وتباطؤ النمو الاقتصادي مع بداية هذا العام، وارتفاع في البطالة والدين العام الى حوالى خمسة عشر تريليون دولار، في وقت تشهد الصين نمواً سنويا مستمرا يناهز التسعة في المئة، وفائضا في الميزانية يبلغ حوالى ثلاثة تريليونات، ما ادى الى انتزاعها من اليابان المركز الثاني لاكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة العام الماضي.
وعلى الرغم من ان حجم الاقتصاد الاميركي يبلغ اليوم حوالى ثلاثة اضعاف نظيره الصيني، الا ان الخوف من استمرار الصعود الصيني، وسط الضعف الاميركي، حل محل الخوف من "الارهاب" في الادبيات السياسية الاميركية. واذا كان العقد الماضي هو عقد "الحرب على الارهاب"، فلا شك في ان عنوان العقد المقبل اميركيا سيكون "الاقتصاد".
وفي الولايات المتحدة مدرستان تقدمان وجهتي نظر مختلفتين حول كيفية استعادة البلاد عافيتها الاقتصادية، الاولى هي "الحزب الجمهوري" المناصر لمصالح الشركات الكبرى. هذه المدرسة محافظة تقليدية، يبدو معظم مناصريها كأنهم خرجوا للتو من كتب التاريخ، فالفئة المعروفة منهم بـ "حزب الشاي" تبنت هذا الاسم نسبة الى حادثة العام 1773 التي اشعلت لاحقا الثورة الاميركية ضد البريطانيين. وهؤلاء يتبنون شعارات سطحية وشعبوية يتصدرها مبدأ "الحرية الفردية" (liberty) الذي يعارض دور الحكومة في حياة الافراد والمجتمعات والتشريع، ويدعو الى تقليص دورها واناطته بالقطاع الخاص. هؤلاء يعتقدون ان هذا هو السر الذي ادى الى تحول اميركا الى قوة عظمى.
مبدأ "الحرية الفردية" هذا يتناسب مع مصالح الشركات الكبيرة التي تحاول دوما التحرر من رقابة القوانين الفيديرالية التي تحمي المستهلك والطبيعة والمصلحة العامة وتعاقب الاحتكار. وبعد ان اصدرت المحكمة العليا، في كانون الثاني 2009، حكمها المثير للجدل في قضية "مواطنون متحدون ضد الهيئة الفيديرالية للانتخابات" قضت بموجبه بجواز قيام الشركات، حتى من دون الافصاح عن هويتها، بتسديد تبرعات مالية للمرشحين، اصبح رأس المال الاميركي يلعب دورا اكبر في تحديد الفائز في الانتخابات الاميركية، وهو ما ساهم كثيرا على الارجح في الفوز الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس العام الماضي.
الجمهوريون، والشركات، وقناة فوكس التي تساندهم، مثلهم مثل المرشحين الجمهوريين الحاليين الذين يتصدرهم محافظ تكساس ريك بيري ومحافظ ماساتشوستس السابق ميت رومني، لا افكار جديدة لديهم للنهوض بالاقتصاد غير الافكار المستهلكة نفسها التي اطلقها للمرة الاولى الرئيس الراحل رونالد ريغان في العام 1980، وسار بموجبها كل من تبعه من رؤساء: الجمهوريان جورج بوش الاب والابن وحتى الديموقراطي بيل كلينتون. هذه الافكار مبنية على "تحفيز القطاع الخاص" عبر خفض الضرائب، والغاء التشريعات، و"ترشيق" القطاع العام، وتحجيم دور النقابات العمالية وقدرة القضاء على حماية الموظف او المستهلك في حال وقوع ضرر عليه.
المدرسة الثانية تتبع للحزب الديموقراطي، وهي تؤمن بضرورة اعادة اميركا من عصر اقتصاد "ما بعد الصناعة"، اي الخدمات، الى عهد الصناعة التنافسية. هذه المدرسة تتشارك والنموذج الاقتصادي الصيني القائل باستخدام مزيج من "اليد الخفية" للسوق و"يد الحكومة" الظاهرة، وهي سيطرت على ادارة الرئيس باراك اوباما منذ انتخابه، فقامت واشنطن، على سبيل المثال، بشبه استملاك لشركات السيارات الاميركية التي كانت على وشك الافلاس، ومدتها برأس المال، وعينت لها مديرا تنفيذيا، فقام بوضع خطة بالتنسيق والاتفاق مع النقابات العمالية، قبل ان يعيد طرح اسهم الشركات للعموم. وحققت الشركات ارباحا واعادت اموال الحكومة، وساهمت في خلق وظائف.
ويبدو ان انتخابات 2012 ستتحول استفتاءً حول خيار الاميركيين واحدة من المدرستين الاقتصاديتين، وفي حال عادت اميركا الى عهدها في الصناعة والتصدير ونجحت في العودة الى البحبوحة، تكون قد كرست موقعها كقوة عظمى خصوصا بعد انتصارها على اعداء 11 أيلول.
ولكن هناك احتمال ان يختار الاميركيون مدرسة ريغان لاقتصاد الشركات، خصوصا مع قوة رأس المال الهائلة المتوقعة في الانتخابات المقبلة. ساعتذاك، قد تأخذ الولايات المتحدة وقتا اطول لعودتها الى صدارة القوى العالمية، وقد لا تعود ابدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق