الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

العراق: حصاد الرّيح

حسين عبد الحسين
المجلة

قد لا يجمع العراقيون والعرب والاميركيون والعالم على تأييد أو معارضة الاجتياح الاميركي للعراق في العام 2003. ولكن ما يجمع عليه كل هؤلاء هو الفشل المزري في إدارة اميركا لعراق ما بعد صدام، وهي إدارة شابتها أخطاء سياسية مميتة واستشرى فيها الفساد المالي والاداري.

الأخطاء السياسية، مثل قرار الحاكم بول بريمر الذي قضى بحل الجيش، تحدث عنه كثيرون. أما الفساد، وخصوصا الذي طال الأموال الأميركية التي أنفقت من اجل “بناء” العراق الجديد، فهي بقيت محصورة في الملفات الادارية لهيئات التفتيش الأميركية المختلفة، ولم تخرج كثيرا إلى دنيا الضوء والاعلام.

إلا أن بيتر فان بورين، الديبلوماسي الاميركي الذي عمل عضوا في الفريق المكلف إنفاق الأموال الأميركية لبناء العراق، كسر جدار الصمت الأميركي المقيت، وكشف في كتابه الشيق “كانت نياتنا حسنة: كيف ساهمت أنا في خسارة معركة كسب قلوب وعقول الشعب العراقي” عن ضياع اكثر من 63 بليون دولار انفقتها واشنطن لإعادة الإعمار ولم تحصد منها الا الرّيح.

فان بورين يتحدث عن تجربته في الإشراف على الانفاق، ويلقي باللائمة على “كسل” زملائه الديبلوماسيين الذين اوكلت إليهم مهمة تخطيط المشاريع ومتابعتها. هؤلاء الديبلوماسيون، يقول فان بورين، لم يكترثوا كثيرا لأمر العراق او العراقيين، بل قصدوا بغداد للاقامة فيها لفترة ما، كانوا يأملون ان ينالوا بعدها ترقيات نظرا لخدمتهم في منطقة متوترة.

الروايات التي يوردها فان بورين للدلالة على التقصير الاميركي كثيرة ومثيرة للاهتمام. احداها تتحدث عن مشروع انشاء معمل للدجاج. يقول فان بورين إن هدف المشروع كان خلق فرص عمل للعراقيين لإبقائهم بعيدين عن الانخراط في اعمال العنف المندلعة في البلاد، ولتأمين كمية من الدجاج، المذبوح حلالا للسوق المحلية، بدلا من الدجاج المستورد من البرازيل.

انفقت واشنطن مليونين ونصف المليون دولار لاقامة المعمل، وجهّزته بماكينات ذبح اوتوماتيكية، مما حرم العراقيين عددا كبيرا من فرص العمل.

ويضيف فان بورين ان القيّمين على المشروع تجاهلوا تحذيرا من “وكالة الولايات المتحدة للتنمية” جاء فيه ان التكلفة الباهظة للكهرباء في العراق ستجعل من استمرار المصنع مستحيلا من دون تعويض الخسارة المستمرة، مما حكم على المصنع بالفشل منذ يومه الأول.

وفي مثال مشابه، يقول فان بورين إن واشنطن انفقت اموالا باهظة لتعليم عراقيات فنون ادارة مخبز وإلحاقه بمقهى كمهنة فيها مصدر رزق، ثم يتساءل: “اين يفتح هؤلاء النسوة مقاهيهم والشوارع العراقية كان يشوبها القتل والعنف ومليئة بالحفر ومياه الصرف الصحي؟”.

اما المشاريع التي كان مقدرا لها النجاح، حسب الديبلوماسي الاميركي، فتوقفت.

يقول فان بورين إنه وفريقه اعتقدوا، صحيحا، ان عددا من الرجال العراقيين يرفضون الإنفاق على تكاليف العناية الصحية لزوجاتهم، مما حدا بفان بورين تمويل اقامة “مركز الزعفرانية لدعم النساء” بتكلفة بلغت 84 ألف دولار فقط.

واستقدم المركز طبيبة عراقية يومين في الاسبوع، قامت فيها بمعاينات وبمحاضرات عن شؤون صحية نسوية. “في الشهر الاول، وصل عدد العراقيات اللواتي استفدن من خدمات المركز الى اكثر من مائة، الا ان الاموال توقفت بعد ذلك لأن واشنطن فضلت تمويل مشاريع “برّاقة أكثر”.

أما إحدى الطرائف التي يرويها فان بورين ففيها ان احد الشيوخ العراقيين قال له إن رأيه بالأميركيين سيتحسن لو قدموا له مولدا كهربائيا. “وقتذاك، كتبت في مفكرتي: في الاجتياح القادم، علينا ان نأتي بعدد اكبر من المولدات”، يختم فان بورين ممازحا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق