الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

كيف تنتهي الدوامة العراقية؟

حسين عبد الحسين 
المجلة

تتداول الأوساط السياسية في العاصمة الأميركية مقولة منسوبة الى مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي ايه) ديفيد بترايوس مفادها انه عندما كان برتبة لواء يقود احدى كتائب الجيش الأميركي التي دخلت بغداد في ابريل (نيسان) 2003، نظر الى احد المراسلين الملتحقين بكتيبته وقال له: “هل تستطيع ان تقول لي كيف تنتهي هذه الحرب؟”.

بترايوس، وهو من المصنفين من بين أفضل مئة مثقف في الولايات المتحدة، لم يكن يتساءل يومذاك عن كيفية انتهاء الأعمال العسكرية، فهذه سهلة وممكنة حدوثها بطرفة عين وبصدور أمر عسكري واحد.

ما كان يقلق بترايوس في ذلك اليوم، هو نفسه ما يقلقه ويقلق عددا كبيرا من مراقبي الوضع العراقي اليوم: ما هو الهدف السياسي في العراق؟

بعد مرور اكثر من ثماني سنوات على تاريخ بدء الحرب الاميركية، مازال السؤال نفسه مطروحا اليوم. الرئيس السابق جورج بوش، الذي أمر بشن الحرب، قدم ومجموعة من مساعديه ممن كانوا يعرفون بـ “المحافظين الجدد” مجموعة من الأفكار، تبين لاحقا انها طموحة جدا، وغير واقعية، فلا يمكن لأي جيش في العالم “هندسة” اي مجتمع، أو تغيير قيمه ونشر الديمقراطية بين ثناياه بمجرد اصدار قرار بفعل ذلك.
“المحافظون الجدد” آمنوا بقدرة الجيش الأميركي على فرض التغيير السياسي والاقتصادي والمجتمعي في العراق.

وحده الجيش الاميركي، خصوصا الجنرالات من امثال بترايوس، كانوا يدركون انه لا توجد حلول عسكرية في العراق.

بعد سنوات، تم تعيين بترايوس قائدا للقوات الأميركية، فقام بدور كبير في رسم “خطة زيادة القوات” وتطبيقها، وكسر خطوط امداد المجموعات العنفية وقضى عليها. بيد انه، كما في العام 2003، وعلى الرغم من انتصاره العسكري والأمني الباهر، كان بترايوس يدرك ان لا نهاية عسكرية للوضع العراقي، وكان يطلق باستمرار تصاريح تؤكد ضرورة التوصل الى مصالحة سياسية، مرددا ان الحلول السياسية هي مفتاح الحلول لأزمات العراق، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

قبل اسبوعين، انسحب الأميركيون من العراق بعد ان نجحوا في تثبيت الوضع الأمني الى حد كبير، ولكنهم فشلوا في الوقت نفسه في حمل بعض السياسيين العراقيين على تبني مفهوم المصالحة، فاستمر عدد كبير من المسؤولين العراقيين في ممارسة الكيدية والانتقام، وتحولت الحياة السياسية في البلاد الى ماكينة انتاج ازمات.

الاسبوع الماضي، عاد بترايوس في زيارة الى بغداد، هذه المرة بصفته مديرا لـ “وكالة الاستخبارات المركزية”، والتقى عددا من السياسيين العراقيين، للمساهمة في التوصل الى حلول للأزمة السياسية المندلعة منذ ان قامت لجنة قضائية عينها رئيس الحكومة نوري المالكي بإصدار مذكرة اعتقال بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي.

غادر بترايوس بغداد. هذه المرة لم يدل بأي تصريح التزاما منه بواجباته الوظيفية. في وقت لاحق، اصدر البيت الأبيض بيانا قال فيه ان نائب الرئيس جو بايدن سيزور العراق، للمرة الثانية في اقل من شهر وللمرة الاولى منذ خروج الجيش الاميركي من البلاد. اما الهدف من زيارة بايدن، كما بترايوس، فهو محاولة التوصل الى حل للازمة السياسية.

قد ينجح بايدن في زياته في حمل السياسيين العراقيين على التوصل الى حل سياسي. ففي الماضي، نجح بايدن في تذليل العقبات التي اعترضت التوصل الى المصادقة على قانون للانتخابات البرلمانية مطلع العام 2010، ونجح بعد ذلك في جعل العراقيين يتوصلون الى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع نهاية العام نفسه. لكن على الرغم من نجاحات بايدن في التوصل الى حلول مؤقتة، لا يمكن للازمات العراقية ان تستمر بهذه الوتيرة، فالبلاد تعيش في ازمات اكثر مما تعيش في وئام.

كيف تنتهي الدوامة العراقية؟ هذا هو السؤال الذي طرحه بترايوس عندما وقفت قواته على ابواب بغداد قبل حوالي عقد، وهذا هو السؤال الذي مازال من دون اجابة اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق