الخميس، 14 يونيو 2012

تقهقر أوباما انتخابيا ... وبلبلة في صفوف حزبه

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

في مقر «اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي» على جادة «ساوث كابيتول»، هرج ومرج وحالة من البلبلة. المبنى يبدو كسفينة تغرق وركابها، نصفهم من المتطوعين في العمل السياسي، في حالة ذعر بعدما اظهر آخر استطلاعات الرأي، الذي اجرته وكالة «رويترز»، ان فارق النقاط السبع الذي كان يتمتع به الرئيس باراك اوباما في وجه منافسه الجمهوري ميت رومني تقلص الى نقطة واحدة.
لم يأت التراجع من خارج سياق تدهور وضع الديموقراطيين وأوباما عموما، فهم خسروا معركة استرداد مركز المحافظ في ولاية ويسكونسن في وجه الجمهوري سكوت ووكر، قبل اسبوع. في ذلك السباق، لم يجدد ووكر ولايته فحسب، بل اتسع الفارق الذي هزم بموجبه منافسه الديموقراطي. اوباما وفريقه كانا يعلمان ان مطالبة حزبهما باعادة الانتخاب للمحافظ هي بمثابة خطأ سياسي قامت به النقابات العمالية في الولاية، لذا حاول اوباما و«اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي» البقاء خارج المعركة الخاسرة. وفي وقت لاحق، عندما سأل احد الصحافيين الرئيس الاميركي عن السبب حول عدم مشاركته في المعركة عن طريق حشده للتأييد للمرشح الديموقراطي توم باريت، اجاب الرئيس انه بقي خارج السباق «لازدحام جدول مواعيده»، وهو ما اعتبره كثيرون، خصوصا من الديموقراطيين، مؤشر ضعف وعذرا اقبح من ذنب.
واعتبرت صحيفة «واشنطن بوست»، التي تخصص زاوية «اسوأ اسبوع سياسي» في عددها الصادر في عطلة نهاية الاسبوع، ان اوباما وحزبه عاشا اسوأ اسبوع لهما، فالرئيس قال للصحافيين ان «القطاع الخاص بخير»، وهو ما اثار عاصفة ردود اجبرت اوباما على التراجع عن تصريحه في اقل من اربع ساعات. 
ورغم الاعتقاد الذي كان سائدا حتى الامس القريب بأن فوز اوباما على رومني، الذي يواجه مشكلة انه «غير محبوب» بين صفوف الاميركيين من الحزبين، هو امر محسوم، انقلبت الصورة في غضون ايام قليلة وصارت استطلاعات الرأي المتوالية تظهر تراجعا متواصلا لاوباما، لا على صعيد الولايات المتحدة ككل فحسب، بل على صعيد الولايات الاحدى عشرة التي يعتبرها القياديون من الحزبين «ساحات معارك انتخابية» في يوم الانتخابات في 6 نوفمبر المقبل، ومن بينها ويسكونسن التي هزم فيها الجمهوريون الديموقراطيين للتو.
التراجع الديموقراطي قابله تحسن في المزاج لدى الحزب الجمهوري، فعضو الكونغرس الجمهوري ورئيس لجنة الموازنة بول رايان، الذي عرف بتقديمه مشاريع موازنة تقشفية تهدف الى تقليص العجز وخفض الدين العام، وهو ما يؤيده غالبية الجمهوريين، أطل على قناة «فوكس نيوز» اليمينية ليقول: «هذا شيء مدهش، اذا كنا نواجه هذه الماكينة ومازال رومني متعادلا (مع اوباما)».
كريس بالانتري، وهو احد المتطوعين الديموقراطيين، وقف يتفرج على اطلالة رايان التلفزيونية. لم تعجبه عبارة «هذه الماكينة»، وانفعل قائلا ان الماكينة الجبارة هي لدى الجمهوريين. سحق كريس كوب القهوة الكارتوني الفارغ بين يديه، وعرض علينا فنجان قهوة. 
ويقول الناشطون الديموقراطيون ان مشكلتهم الرئيسية مازالت المال، منذ اصدرت المحكمة العليا في يناير العام 2009 قرارا سمحت بموجبه للشركات بالتبرع انتخابيا، وسمحت باخفاء هوية المتبرعين. «في انتخابات 2008، تفوق الرئيس (اوباما) على (هيلاري) كلينتون لانه جمع اموالا اكثرمنها، وكذلك تفوق على (مرشح الحزب الجمهوري في حينه السناتور جون) ماكين بالمال»، يقول كريس، الذي عمل في حملة 2008 ويؤكد ان الاموال وقتذاك جاءت من القاعدة المؤيدة للحزب، «اما هم (الجمهوريون) فيأتون بأموالهم من الشركات الكبيرة».
ويضيف الناشطون العاملون في مقر «اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي» ان موازنة الجمهوريين الانتخابية تبلغ حاليا اربعة اضعاف موازنتهم (الديموقراطيين).
وينقلون عن مسؤول جمع التبرعات، عضو الكونغرس الديموقراطي ستيف اسرائيل قوله انه «في الانتخابات النصفية في العام 2010، لم يهزمنا الجمهوريون، بل هزمنا كلا من (المستشار الرئاسي السابق) كارل روف، والاخوين كوك، وهؤلاء يديرون جمعيات تتمتع باكبر تمويل انتخابي تشهده الولايات المتحدة في تاريخها».
هنا يمرر الينا احد الناشطين الجمهوريين مذكرة يقول انها صدرت حديثا، يتوجه فيها الحزب الى اوباما وماكينته الانتخابية بطلب «تغيير الرسالة» الانتخابية للرئيس. ومما ورد في المذكرة ان «الناخبين غير مقتنعين بأننا ذاهبون بالاتجاه الصحيح (اقتصاديا)، فهم يعيشون في اقتصاد جديد، ولا يلوح في الافق اي تعاف للاقتصاد قد يغير من وجهة نظرهم». وتضيف المذكرة: «في الواقع، لدى الناخبين نظرة واقعية جدا للاقتصاد... وروايتنا الحالية القائلة بأن الاقتصاد يتحسن تبعدنا عنهم».
حتى الاستراتيجي والمحلل السياسي الديموقراطي المعروف جايمس كارفيل، الذي اشتهر بتوجهه الى الرئيس جورج بوش الاب، ابان خسارته الانتخابات امام بيل كلينتون، بالقول «انه الاقتصاد يا مغفل»، يعتقد ان «حديث البيت الابيض عن التحسن الاقتصادي يبعد اوباما عن العالم ويصوره على انه في عالم مختلف... عالم لا يشعر فيه بالوجع الاقتصادي للاميركيين».
لكن الديموقراطيين المذعورين من تقهقرهم مازالوا يعتقدون انهم يتمتعون بحظوظ لا بأس بها للاحتفاظ بالبيت الابيض، وربما مجلس الشيوخ كذلك، على ان ذلك يعتمد بالدرجة الاولى على حث كبار متموليهم على العطاء بسخاء لردم الهوة المالية الانتخابية بين الحزبين. وفي هذا السياق، ارسل غاي تشيشيل، الرئيس التنفيذي للجنة، مذكرة الى الديموقراطيين جاء فيها انه يتفهم معارضتهم لقرار المحكمة العليا الذي سمح بتدفق الاموال، ولكن على الديموقراطيين ان «يغلقوا انوفهم، ويتبرعوا للسوبر باك»، وهي الجمعيات المسؤولة عن الحملات الاعلانية من خارج الماكينات الانتخابية الرسمية للحزبين.
هل يفتح كبار متمولي الحزب الديموقراطي جيوبهم لمواجهة الجمهوريين؟ وهل تجري ماكينة اوباما الانتخابية، الواثقة من نفسها دائما، تعديلات على الخطاب الانتخابي للرئيس والحزب عموما؟ وهل تنفع التعديلات التكتيكية للديموقراطيين في كبح جماح التقدم الجمهوري المطرد الذي يضع اوباما في موقف حرج لجهة فوزه بولاية ثانية؟ الاجابات عن كل هذه الاسئلة ستظهر في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، وسيحاول الديموقراطيون القيام ما بوسعهم القيام به من اجل بقائهم السياسي. 
لكن يبقى السؤال الاخير، ان اعتبرنا ان فوز اوباما يرتبط بتحسن الاقتصاد الاميركي، كيف يتقدم اقتصاد الولايات المتحدة في وقت تتباطأ سائر الاقتصادات العالمية في اوروبا والصين والبرازيل والهند؟ وكيف يسيطر اوباما على عوامل عالمية تبدو خارج تأثيره؟ يقول احد العاملين في فريق كارل روف: «عندما تكون مرشحا للرئاسة، لا يهم ماذا يحصل على الارض، بل المهم هو كيف يعتقد الاميركيون انك تتعامل مع ما يحصل».

هناك تعليق واحد: