الأربعاء، 13 يونيو 2012

تقرير / إيران تستجدي «التسوية الكبرى» مع أميركا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كشفت مصادر اميركية معنية بالملف الايراني، ان الجمهورية الاسلامية بعثت برسائل عبر «اصدقاء مشتركين» الى الولايات المتحدة تقترح فيها اعادة احياء الحديث عن «التسوية الكبرى» التي قدمها فريق ادارة الرئيس باراك اوباما، ابان انتخاب الاخير العام 2008، وان واشنطن، التي تشن حرب اقتصادية وجاسوسية واسعة على طهران تحت اسم «الالعاب الاولمبية»، تجد نفسها في موقع جيد، وتعتقد ان الوقت في مصلحتها، وتفاوض من زاوية انها ليست على عجلة من امرها.
الفارق بين «ارتياح» واشنطن و«توتر» طهران ظهر في الايام القليلية الماضية اثناء التحضيرات لعقد الجولة الثالثة من المفاوضات حول ملف ايران النووي بين «مجموعة دول 5 + 1» وايران، اذ فيما كرر المفاوضان الايرانيان سعيد جليلي وعلي باقري تهديداتهم بنسف الجلسة لاسباب مختلفة، اصدرت وزارة الخارجية الاميركية بيانا اتسم بالهدوء، وجاء فيه ان «الولايات المتحدة تبقى متحدة مع شركائها في مجموعة دول الخمس زائد واحد وفي التزامها للتحضيرات الجدية لجولة المفاوضات في موسكو وللسماح بنجاح المسار الديبلوماسي».
وأكدت المصادر الاميركية ان الرسائل الايرانية الى واشنطن تضمنت الترحيب «بزيارة وزيري الدفاع والخارجية الاميركيين الى طهران في اي وقت». وكان اوباما تعهد، اثناء حملته الانتخابية قبل اربع سنوات، ارسال الوزيرين الى ايران للتوصل الى تسوية، وتوجه مرارا وعلنا الى القيادة الايرانية والشعب الايراني برسائل ودية تحضّهم على فتح صفحة جديدة بين البلدين. الا ان ايران رفضت عروض واشنطن مرارا في العام 2009.
الا انه مع حلول العام 2011، بدا ان المتغيرات العالمية والاقليمية اجبرت القيادة الايرانية على اعادة حساباتها السياسية.
وفي هذا السياق، كشف المفاوض الايراني السابق حسين موسويان ان بلاده دعت موفد الولايات المتحدة السابق الى منطقة افغانستان - باكستان مارك غروسمان لزيارة طهران والتباحث في الشأن الافغاني.
وقال موسويان، اثناء محاضرة في «معهد كارنيغي للسلام» قبل اسبوع، انه على اثر انهيار مفاوضات اسطنبول في يناير 2011، وجهت ايران الدعوة الى غروسمان، لكن واشنطن رفضتها. «كانوا (الايرانيون) على وشك فتح باب آخر، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك»، حسب المسؤول الايراني السابق، الذي يعتبر نفسه من اكبر المؤيدين لفكرة التوصل الى «تسوية كبرى» بين البلدين.
كيف يمكن ان تتوصل اميركا وايران الى التسوية المذكورة؟ يعتقد موسويان ان «العرض» الذي قدمته «مجموعة دول خمس زائد واحد» الى الوفد الايراني في بغداد، والذي سيعاد تقديمه اليهم في موسكو، «لا يفي بطموحات ايران»، معتبرا ان العروض التي تسعى اليها طهران تتضمن التفاوض حول شؤون اقليمية مثل سورية والعراق ولبنان وافغانستان والبحرين.
وكان سعيد جليلي اقترح صراحة على الوفود الدولية، في بغداد في 23 مايو الماضي، الحديث حول الازمة في سورية، الا ان الوفود الغربية رفضت ذلك. وتقول المصادر الاميركية ان طهران جهدت فيما بعد لدعوة المبعوث الاممي الخاص الى سورية كوفي انان لزيارتها للاعتراف بدورها في التوصل الى حل في سورية.
وكان انان زار طهران في 11 ابريل الماضي، واطلق في حينها تصريحات مفادها انه بامكان ايران المساهمة للتوصل الى حل في سورية. حديث انان عن دور ايراني في التوصل الى حل في سورية عاد الى الواجهة الاسبوع الماضي عندما تحدثت الاوساط الديبلوماسية عن نيته انشاء «مجموعة اتصال» تشارك فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الامن، فضلا عن تركيا وايران ودولة ممثلة عن الجامعة العربية.
«السعي الى دور اقليمي، فضلا عن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عليها، هو الثمن الذي تطلبه ايران مقابل التوصل الى حل لملفها النووي»، يقول مسؤول اميركي رفيع المستوى رفض كشف اسمه. كل الاشارات الايرانية، العلنية والضمنية، تذهب في هذا الاتجاه، «كان آخرها اصرار جليلي على عقد جلسة للخبراء تسبق جلسة المفاوضين في موسكو».
لما الاصرار الايراني على «جلسة خبراء»، يقول المسؤول ان مشكلة جلسات المفاوضات انها تشوبها «الرسمية»، وان «الوفود تتبادل وجهات النظر المعروفة بخطابات تكررها في الجلسات المتتالية». اما اللقاء على صعيد الخبراء، فممكن الحديث خلاله «بصراحة اكبر».
ويضيف المسؤول ان «واشنطن تعتقد ان لدى ايران خطة باء في حال فشلت جهودها في اقناع واشنطن بالتوصل الى تسوية كبرى». الخطة الايرانية، حسب المسؤول الاميركي، تقضي بالتوصل الى اتفاقية بين طهران و«وكالة الطاقة الذرية» لتفتيش المعامل الايرانية ومراقبتها في شكل متواصل، و«في حال افادت الوكالة ان ايران متعاونة، يقدم ذلك حجة لحلفاء ايران في موسكو وبكين للقيام اما بمحاولة رفع العقوبات من خلال مجلس الامن، او عدم الالتزام بالعقوبات من خارج المجلس بحجة التجاوب الايراني مع الوكالة».
بيد ان حتى التوصل الى اتفاق ايراني مع الوكالة يبدو بعيدا، اذ لم يخرج مديرها كريستيانو امانو بأي انطباعات ايجابية على اثر زيارته طهران قبل اسابيع. ومع انه رشح ان ايران وافقت على نصب كاميرات في مفاعلاتها النووية للمراقبة الدولية، لكنها رفضت فتح اي مواقع اخرى لا تعتبرها هي مفاعلات، وهنا يبرز الخلاف بين طهران والوكالة حول قاعدة بارشين العسكرية، التي تطالب الوكالة بزيارتها لاعتقادها ان نشاطا عسكريا نوويا يجري هناك، فيما رفضت ايران طلب الزيارة بحجة ان الموقع ليس نوويا، بل عسكريا فقط، ولا صفة للوكالة بزيارته اومراقبته.
ماذا يحدث في حال فشلت المفاوضات مع ايران وتوقفت؟ يجيب المسؤول الاميركي ان «الوقت لمصلحتنا»، لكنه يرفض الاسترسال في تصريحه. 
اما الاجواء السائدة عموما تشي بأن الولايات المتحدة مرتاحة لسير العقوبات التي صارت تؤذي الاقتصاد الايراني، وانها مرتاحة كذلك لسير الحرب الجاسوسية الخفية، والتي كان آخرها حقن كومبيوترات حكومية ايرانية بفيروس «شعلة» الذي ينقل معلومات حساسة من ايران الى القيمين عليه في اميركا.
وكانت التسريبات حول حرب اميركا السرية على ايران، والتي نشرتها اولا صحيفة «نيويورك تايمز»، ادت الى صراع سياسي داخل واشنطن، اذ اتهم الجمهوريون اوباما وفريقه بالترويج السياسي لتقدمه على الايرانيين ولاقناع الرأي العام بعدم الحاجة الى ضربة عسكرية، فيما اعلن فريق اوباما البدء بالتحقيقات لمحاسبة المسؤولين عن التسريبات الى الصحيفة.
ومن ضمن الاشاعات التي تدور في العاصمة الاميركية ان واشنطن تعرف اكثر بكثير مما تعلن حول كيفية سير البرنامج النووي الايراني، وان اميركا تعتقد البرنامج متعثرا، ولاحاجة لا لضربة عسكرية ولا لتنازلات اقليمية للايرانيين، بل ان البرنامج يؤمن غطاء لحرب اميركا الاقتصادية والجاسوسية على ايران، وما المفاوضات الا وسيلة مفيدة لكسب الوقت وانزال الضرر الاكبر بالقيادة الايرانية.

هناك تعليقان (2):