الخميس، 5 يوليو 2012

البحث عن إدانة

حسين عبد الحسين
المجلة

تعبير “سموكنغ غن” في الانجليزية لا مواز له بالعربية. حرفيا، تعني العبارة “مسدس يخرج الدخان من فوهته” للدلالة على انه تم اطلاق النار منه للتو. استخداما، غالبا ما يقول الاميركيون انهم يبحثون عن “سموكنغ غن” للاشارة الى انهم يحاولون العثور على اداة الجريمة، او الادانة اللازمة التي يبحثون عنها بحق شخص يعتقدون انه مرتكب أمر ما.

منذ اندلاع الثورة المصرية، دأب الاميركيون المطالبون حكومتهم بإعلان “جماعة الاخوان المسلمين” تنظيما إرهابيا وتاليا قطع العلاقات معها. لكن ادارة الرئيس باراك اوباما، وكثير من الاميركيين، لم يجدوا الاسباب اللازمة لبدء العلاقة مع الاخوان بالقطيعة من دون سبب او مبرر. هكذا، وجد اهل المقاطعة انفسهم في سعي دائم للعثور على ما من شأنه ان يظهر الاخوان على انهم مجموعة ارهابية متطرفة، تختبئ خلف قناع من الاعتدال فقط للوصول الى السلطة، حيث يتوقع هؤلاء ان تتراجع الجماعة عن اعتدالها المعلن لمصلحة اجندة اكثر تطرفا.

حتى الماضي القريب، لم يكن بين ايدي المعادين الاميركيين للاخوان اي دليل على وجوب ابتعاد واشنطن عنهم، الى ان قام الرئيس محمد مرسي، اثناء ادلائه بخطاب القسم الشعبي في ميدان التحرير، بالمطالبة بالافراج عن الشيخ المصري عمر عبد الرحمن، المسجون في الولايات المتحدة مدى الحياة بتهمة التحريض على تفجير “مبنى التجارة العالمي” في العام 1993.

اول المعارضين للافراج عن عبدالرحمن كان حاكم مدينة نيويورك مايكل بلومبرغ، الذي وصف الحكم بحقه بـ”العدالة ضد رجل حاول قتل الكثيرين”.

وفي نيويورك ايضا، طالبت صحيفة “نيويورك بوست” اليمينية “اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بالاظهار بوضوح أنهما لن يقايضا مع ارهابيين، ولا مع المعتذرين لهم في مناصب عليا”. واتهمت الصحيفة في افتتاحيتها الشيخ السجين بأن فتواه هي التي “استند إليها اسامة بن لادن كتبرير ديني لهجمات 11 سبتمبر”. وكتبت: “هو الشيخ الضرير نفسه الذي قامت حركته الارهابية، الجماعة الاسلامية، بانتخاب اعضاء الى برلمان مصر الجديد الذي يسيطر عليه الاسلاميون”.

على ان الانفعال الاميركي الاخير، المرتبط ظاهريا بالـ”سموكنغ غن” المتمثل بمطالبة مرسي الافراج عن عبدالرحمن، يعكس قلقا اعمق لدى اليمين الاميركي من وصول الاخوان الى السلطة في مصر، الآن او مستقبلا.

وفي هذا السياق كتب مدير “معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى” روبرت ساتلوف انه “سيكون خطأ فادحا ان نركز على العقبات التي وضعها الجيش في طريق الإسلاميين من دون إبداء الإعجاب بالقدرة الملحوظة للطرف الأخير على ملء اي فراغ سياسي يُسمح لهم بملئه – اولا، بنزولهم إلى ميدان التحرير لوراثة ثورة اطلق شرارتها العلمانيون، وثانيا بالتغلب على كافة المنافسين بفوزهم بثلثي مقاعد الانتخابات البرلمانية، وثالثا بفوزهم بمنصب الرئيس”.

واضاف انه “خلال كافة المراحل في السبعة عشر شهرا الماضية، انتصر الإسلاميون عندما واجهوا تحديا سياسيا” وان “المراهنة ضدهم الآن – لمجرد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد نفذ باحكام عملية ارتداد للاحتفاظ بالسلطة – يرجح ان يكون امرا يفتقر الى الحكمة”.

كل هذه الاسباب، تدفع عددا من الاميركيين الى محاولة البحث عن ادانة بحق الاخوان لتقديمها الى الحكومة الاميركية وحثها على تفادي تطبيع العلاقة معهم. اما الاسباب التي يعتقد اليمين الاميركي انها توجب البرودة في علاقة بلادهم مع الجماعة المصرية، فهي حسبما يوجزها ساتلوف: تمجيد لـ”حماس” ووعد بـ”اعادة النظر” بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وتأسيس “اللجنة الشعبية لمكافحة المشروع الصهيوني”، وصياغة برنامج “الجماعة” الانتخابي المناهض للمرأة والأقباط “قبل خمس سنوات فقط”.

ويختم ساتلوف: “ليس هناك معنى لاحتضان مرسي قبل ذلك، ناهيك عن السلبيات السياسية لتحديد موعد زيارة مبكرة إلى واشنطن”.

حتى الآن، لم تظهر ادارة اوباما انها تصغي الى الدعوات المطالبة بالابتعاد عن الاخوان، على الرغم من مخاوف امثال ساتلوف وتلقف آخرين مطالبة مرسي الافراج عن عبدالرحمن واعتبارها اثباتا على تعاطفه مع الارهاب. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين رفيعين في الادارة، من دون ان تسميهم، قولهم ان احتمال قبول اوباما الطلب المصري هي “صفر”.

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وفي رد مقتضب على سؤال من شبكة “سي إن إن” قالت إن الشيخ عمر عبدالرحمن حصل على الإجراءات القانونية الصحيحة في محاكمته وإن الأدلة واضحة جدا ومقنعة”.
كلينتون أضافت: “لدينا كل الأسباب لدعم هذه العملية والحكم الذى صدر بحقه”.

في نفس الاثناء، وعدا هذا التصريح، لم يرد اوباما، الذي اتصل بمرسي مهنئا بانتخابه، ولا إدارته، على تصريحات الرئيس المصري بشأن مفتي الجماعة الإسلامية المسجون، ويبدو ان الادارة تنتهج اسلوبا رسميا في التعامل مع الموضوع، اي انها في حال استلمت طلب استرداد من الحكومة المصرية بحق الشيخ، وهو مصري الجنسية، فان الولايات المتحدة سترفض هذا الطلب، تماما كما ترفض واشنطن الطلبات المتكررة لحليفتها اسرائيل بالافراج عن جوناثان بولارد، الجاسوس الاسرائيلي المسجون مدى الحياة ايضا بتهمة سرقته ادلة عسكرية اميركية وتزويدها الى تل ابيب.

هناك تعليقان (2):