الجمعة، 24 أغسطس 2012

قضية العرب المركزية وسوريا

أم سورية تبحث عن اطفالها من بين الحطام بعد غارة جوية في بلدة عزاز- حلب

حسين عبد الحسين
المجلة

أمام كاميرا شبكة “سي ان ان”، وقف أبوعفيف في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، حاملا وثيقة من زمن الانتداب البريطاني. “هذا سند بيتنا في صفصافة (قضاء صفد شمال فلسطين)، وهذا مفتاح بيتنا.. ما زلت احتفظ بهما منذ رحلنا في العام 1948″.
كان الاهتمام الغربي باللاجئين الفلسطينيين بلغ أوجه في العام 2002، على اثر تبني القمة العربية في بيروت لمبادرة السلام العربية مع اسرائيل الداعية لإقامة دولتين بموجب القرارات الدولية. لم يكن لدى العرب، شعوبا وحكومات، اي شك بأن القضية الفلسطينية، ووقف معاناة الفلسطينيين، هي اولويتهم وقضيتهم المركزية.

على ان فلسطين كانت قضية انسانية عموما، والهدف من مطالبة العرب العالم بالمساهمة في حلها، هو وقف اعتداء اسرائيل على الفلسطينيين واراضيهم وارزاقهم، الاعتداءات التي غالبا ما تصل الى حد القتل. هكذا، اصطف غالب العرب خلف الفلسطينيين. كذلك في الولايات المتحدة، جعلت المجموعات العربية، والقادة الزائرون العاصمة واشنطن، من فلسطين، اولوية لا ينافسها في الاهمية شيء، على الاقل على اعتبارات انسانية، حتى كانت الثورة السورية.
لقد كشف اندلاع الثورة في سوريا في منتصف شهر آذار (مارس) من العام الماضي نفاق الكثير من العرب، وخصوصا من العرب – الاميركيين، حيث يتحول معظمهم الى “أمة عربية” شبه واحدة في المهجر، واظهر ان استخدامهم لفلسطين غالبا ما يكون عذرا لاخفاء مشاكلهم الاخرى واجنداتهم السياسية المتنوعة.

ومن المعيب لمطالع مواقع عدد من اهم الجمعيات العربية – الاميركية ان يكتشف ان سوريا مازالت لا تتصدر اهتمامات هذه الجمعيات. ففي سوريا تعدى عدد القتلى 20 الفا في فترة عام ونصف العام، وهو ما يبلغ ضعف ما خسره الفلسطينيون امام الاسرائيليين على مدى عقدين على الاقل.
اكبر هذه الجمعيات هي “اللجنة الاميركية العربية لمكافحة التمييز”، ويرأس مجلس ادارتها صفا رفقا، وهو معروف بصداقته لنظام بشار الأسد وخصوصا سفيره السابق في الولايات المتحدة عماد مصطفى، الى حد دفعته هذه الصداقة الى حظر معزوفة كان ينوي تقديمها عازف البيانو السوري مالك جندلي بعنوان “وطني” تأييدا للثورة السورية.
اما “المعهد العربي الاميركي”، المنشق عن اللجنة بقيادة جيم زغبي، فيبدو ان لدى اهله حياء اكثر اذ قام المعهد، قبل اسبوع او اكثر، بتنظيم لقاء في مدينة شيكاغو “للتباحث في آخر التطورات في سوريا”، حسب موقع المعهد. على ان اللافت هو اعتبار المعهد، واللقاء، ان “الانتفاضة” السورية تحولت الى “تمرد مسلح يكاد يلامس الحرب الأهلية”. ويضيف المعهد ان “هذه التعقيدات تجعل من الصعب جدا رسم مسار مستقبلي وتقديم مساعدات للشعب السوري المحاصر من دون صب زيت على النار”.
ويتابع المعهد انه يبدو ان “الانتفاضة السورية تعاني من نقص في المعلومات او ضلالتها او تضاربها”، معتبرا ان “لكل حادث يبدو ان هناك على الاقل تفسيرين”.

اما المطالع للمواقع ذات الطابع القومي مثل “الانتفاضة الالكترونية” أو “اميركان تاسك فروس فور ليبانون”، فيجد ان الموقع الاول يتصدره الحديث عن ارتفاع منسوب العداء للمسلمين في الولايات المتحدة، يليه قصص واخبار عن فلسطين حصرا. اما الموقع الثاني، اللبناني، فمن غير الممكن ان يستنتج اي مطالع ان في سوريا ثورة تتهدد السلم الأهلي اللبناني، او ان رئيس جمهورية لبنان ميشال سليمان ابدى اعتراضا على قيام مساعد أمني للأسد ، بتوجيه اوامر لوزير سابق بزرع، وتفجير 24 عبوة في تجمعات سكانية في شمال لبنان بهدف اثارة الفتنة.
ما سرّ هذا التواطؤ العربي – الاميركي مع الاسد ونظامه؟ ولماذا اعتبار ان قصة مثل قصة تعذيب وقتل الطفل حمزة الخطيب في سوريا تحتمل التأويل والتفسير، او انها لا تستحق تحريك ضمير هؤلاء الذين يصرخون منذ عقود طلبا للعدالة، المستحقة، للفلسطينيين من دون غيرهم من العرب؟

الاسباب كثيرة ومتنوعة ولا مجال للتوسع بها هنا. ما يجب قوله هو ان الحواجز الاسرائيلية مزعجة لحياة الفلسطينيين، لكنها لا تضاهي في دمويتها حواجز الاسد التي تختطف السوريين، من كل الاجناس والاعمار، وغالبا ما تعذبهم وتقطعهم اربا في مشهد يجعل من البشاعة الاسرائيلية المرتكبة بحق الفسلطينيين، تبدو وكأنها تفصيل بالنسبة للوضع السوري.
لقد مرت عقود والعرب يذكرون العالم بمجزرة دير ياسين الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، وهذا جيد، ولكن في بابا عمر في حمص، وفي بصر الحريري ودرعا، وفي جبل الزاوية وحلب، مئات دير ياسين التي ترتكبها قوات الاسد بحق المدنيين السوريين بشكل منهجي ومتواصل.
ان لابي عفيف حقوقا مسلوبة في فلسطين، ولكن تزايد القتلى في سوريا، يجعل منها اليوم قضية العرب المركزية من دون منازع، وعلى اصحاب الضمير العرب التوقف عن التذاكي الكلامي والسفسطة والاستمرار بتركيز جهودهم على فسطين من دون غيرها.
وعلى هؤلاء مناصرة السوريين وثورتهم في وجه ماكينة القتل التي يديرها الاسد، والتي صارت تحفر لنفسها مكان في ذاكرة العرب وصورا قبيحة ستتكلم عنها الاجيال لسنوات كثيرة قادمة. مناصرو فلسطين ممن لا يرون ضيما في سوريا، او لا يتحدثون عنه ويناصرون رفعه، يتسببون بانتقاص لمصداقيتهم وانسانيتهم، وربما بغضب سوري ضدهم وضد القضية الفلسطينية التي لطالما كان السوريون اول مسانديها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق