الخميس، 23 أغسطس 2012

رداً على "تتفيه" السياسة الخارجية الأميركية لفؤاد عجمي


حسين عبدالحسين

لم اتصور اني سأجد نفسي اناقش الصديق فؤاد عجمي، صاحب الذهن المتقد والاسلوب الكتابي الشيق الذي لا تنصفه الترجمة الى العربية، حول السياسة الخارجية الاميركية. في نواح كثيرة، اتفق مع عجمي حول اهمية التخلص من الديكتاتوريات، ولو بقوة اجنبية وعلى حساب مبدأ السيادة الوطنية الفارغ احيانا والمستخدم احيانا كثيرة اخرى لاخفاء طغيان الحكام.

من يستمع لعجمي يتحدث يشعر ان الرجل، الموسوعي في معارفه، صادق في ما يقوله. وعجمي هو صديق شخصي للرئيس السابق جورج بوش، وهو ساهم في صناعة قرار الحرب الاميركية في العراق، لا لانه يعمل مع اللوبيات المختلفة التي استفادت من الحرب، بل لانه يؤيد مبدأ الديموقراطية وتقديم فرصة للعرب لممارستها، وهو ما يظهر بوضوح في كتابه الممتع حول الثورة السورية، والذي حررت اكثر من مراجعة حوله.
الا ان خلافي مع عجمي يتعلق بانحيازه غير المفهوم للادارات الجمهورية، على الرغم من ان الحزبين الجمهوري والديموقرطي يندر ان يفترقا في السياسة الخارجية، فيما تتركز التباينات بينهما حول مواضيع اقتصادية واجتماعية اميركية بحتة. وزاد عجبي لأني اعرف ان عجمي لا يناصر الجمهوريين بالضرورة داخليا، مما يجعل تأييده لهم في السياسة الخارجية غير مفهوم.
في الموضوع السوري، يصب عجمي غضبه على عدم التدخل الاميركي، الذي يلامس عدم الاكتراث، لنصرة ثوار سوريا في وجه نظامهم ورئيسه بشار الاسد. وغالبا ما يستعيد الاكاديمي الاميركي ابن الجنوب اللبناني سياسة باراك اوباما الانفتاحية على الاسد في مرحلة ما قبل اندلاع الثورة السورية في منتصف آذار من العام الماضي للدلالة على استعداد الرئيس الاميركي للتعاون مع حكام غير منتخبين ولو على حساب مصلحة شعوبهم. 
على ان الانفتاح على دمشق لم تبدأه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، بل كوندوليزا رايس الوزيرة السابقة، التي اصرت على جعل موضوع السلام العربي - الاسرائيلي مفتاحا لحل ازمات المنطقة، فوجهت الدعوة للنظام السوري للمشاركة في مؤتمر انابوليس في العام 2007، وهو ما اثار حفيظة نائب الرئيس في حينه ديك تشيني، حسبما ورد في مذكراته. لكن بوش انحاز لرايس ولفكرة الانفتاح على سوريا. وكان ذلك قبل سنتين او اكثر من وصول كلينتون ورئيسها اوباما الى الحكم في كانون الثاني 2009.
في الموضوع السوري كذلك، يبدو الجمهوريون اكثر اصراراً من الديموقراطيين على عدم التدخل العسكري. لننسَ السناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي السابق جون ماكين ومطالباته بالتدخل، ولنتأمل تصريحات ارباب "الاستابلشمنت" في الحزب الجمهوري.
"انا اعرف اين اقف، واعتقد اني اعرف اين يقف هنري كيسينجر وجورج شولتز. اعتقد اننا كنا كلنا وزراء خارجية ناجحين"، يقول وزير الخارجية السابق الجمهوري جيمس بايكر في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي" في التاسع من آب الجاري. ويضيف: "انا اعرف كذلك موضوعاً آخر: اعرف ان الشعب الاميركي تعب من تسديد التكاليف، بالدم والمال، لحروب ندخل فيها ولا تمثل احيانا تهديدا مباشرا للامن القومي للولايات المتحدة". ويختم: "التهديد السوري ليس تهديدا لنا".
قبله، كتب كيسينجر، الجمهوري كذلك، في صحيفة "واشنطن بوست" في الاول من حزيران الماضي، ان الربيع العربي يقوض النظام العالمي القائم على "معاهدة وستفاليا" للعام 1648، والقائم على مبدأ السيادة للدولة، بغض النظر عما يجري داخلها. واضاف ان تقويض هذا النظام يطرح اسئلة على الاستراتيجية الاميركية من قبيل: "هل تعتبر اميركا نفسها مجبرة على دعم كل انتفاضة شعبية ضد اي حكومة غير ديموقراطية، بما فيها الحكومات المعتبرة مهمة للحفاظ على النظام العالمي؟".
في الولايات المتحدة، يسابق الجمهوريون الديموقراطيين في ابتكار الحجج التي تبقيهم خارج الثورة السورية عسكريا، وحتى في حال فوز المرشح الجمهوري ميت رومني بمنصب الرئيس في انتخابات تشرين الثاني المقبل، من غير المرجح ان يقوم بادخال اي تعديلات تذكر على السياسة الخارجية. اما ابرز الدلائل على بقاء اميركا رومني خارج سوريا عسكريا فيأتي من الشخصين المرشحين لتولي منصبي وزير الخارجية ومستشار الامن القومي، ريتشارد هاس وروبرت زوليك، والاثنان ينتميان الى التيار "الواقعي" بزعامة بايكر وكيسينجر. على عكس تيار "المحافظين الجدد" الذي سيطر على قرار بوش الابن في الفترة الاولى لحكمه، الاثنان اعربا صراحة عن معارضتهما للتدخل العسكري الاميركي في سوريا.
اما كلينتون، فهي ابلت البلاء الحسن في ادائها حول العالم بالمقياس الاميركي، الى درجة تحدث كثيرون عن امكان حلولها محل نائب الرئيس جو بايدن لولاية اوباما الثانية، لكن كلينتون نفسها اعلنت انها تنوي الخروج من السياسة للتفرغ لشؤونها العائلية. ومن المرجّح ان تخلفها في منصبها سوزان رايس مبعوثة اميركا الى الامم المتحدة.
وانصافا لاوباما ووزيرة خارجيته، لا بد من الاشارة الى انهما تخليا عن حليف اميركا التقليدي الرئيس المصري السابق حسني مبارك وانحازا للربيع العربي وللثورة المطالبة بتنحيه، على عكس كل النصائح من الجمهوريين وخصوصا من "الواقعيين" في السياسة الخارجية من بينهم، وكذلك من اصدقاء اسرائيل، الذين طالبوا اوباما بالتمسك بحليف اميركا خوفا من الانزلاق الى المجهول او الى حكم اسلامي متطرف. 
لم تبدِ الولايات المتحدة حماسة تذكر تجاه الثورة السورية منذ اندلاعها، على الرغم من ترديد كثيرين من الحزبين انه في الحالة السورية، تتلاقى مصالح اميركا في رحيل الاسد مع مبادئها المساندة للحرية والديموقراطية وحقوق الانسان. ربما ينبع عدم الاكتراث الاميركي من ان لا اهمية استراتيجية تذكر لسوريا، على عكس ما يعتقده الكثيرون من السوريين واللبنانيين. وربما لان 200 الف برميل يوميا من النفط السوري لم تجد لها سوقا حتى في الدول الحليفة للأسد بعدما تخلت عنها اوروبا، لان هذه الكمية لا تدخل فعليا في حسابات الدول واقتصاداتها. 
ربما ايضا مازال كابوس فوضى ما بعد الديكتاتورية في العراق ماثلا في ذهن الاميركيين، وربما هم يعتقدون ان الاسد سيرحل في مطلق الاحوال، وان بكلفة عالية من الدماء السورية، ولكن على الاقل هذه المرة من دون كلفة اميركية. 


¶ "قضايا النهار" – فؤاد عجمي – هيلاري كلينتون: "تتفيه" السياسة الخارجية الاميركية - 19/ 8/ 2012.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق