حسين عبد الحسين
يبدو ان دايفيد كريست، مؤرخ وزارة الدفاع الاميركية ومؤلف كتاب “حرب الشفق”، الصادر حديثا عن صراع العقود الثلاثة بين الولايات المتحدة وايران، لم يكن يعرف ان كثيرين حاولوا من قبله الخوض في تفاصيل هذه المواجهة في محاولة التوصل الى استنتاجات حاسمة، ولكنهم لم يتوصلوا الى اكثر من تحليلات وتمنيات في احسن الاحوال.
على ان ما يميز كتاب كريست، وهو العسكري السابق الذي خدم في العراق وافغانستان، انه يلقي الضوء على البعد العسكري للصراع، مستفيدا بذلك من علاقاته وعلاقات والده من قبله بعسكريي اميركا، فيخرج على قرائه بعمل يستنزف فيه جميع الابحاث الممكنة والمصادر المتوافرة، التي تأتي في 600 صفحة تفاصيلها منهكة احيانا، ويحاول خلالها كريست تأريخ العلاقة الاميركية – الايرانية منذ اندلاع الثورة في طهران في العام 1979.
هذه الفترة تغطي فترة حكم ستة رؤساء اميركيين هم جيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الاب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن وباراك اوباما، مع تفاوت في كمية التفاصيل ونوعية المعلومات التي يقدمها كريست عن كل فترة، فالمعلومات غنية ومصادرها معروفة حتى فترة كلينتون، وبعد ذلك، تتحول الى مصادر سياسية مبهمة، على الارجح تتحدث لا للتاريخ وانما لاهداف سياسية.
خلاصة كتاب كريست ان اساس الخلاف الاميركي الايراني هو اقرب الى سوء تفاهم بين البلدين منه الى صراع مصالحي وعقائدي، ويعتقد كريست ان حكام ايران يعتقدون ان واشنطن تحاول الاطاحة بنظامهم، مما يجبرهم على التحسب دوما من نيات الاميركيين، الذي لا يثقون بدورهم باهداف الايرانيين وينقسمون في طريقة التعامل معهم.
ومما يورده كريست ان خطط واشنطن لاجتياح العراق لم تتضمن سيناريوهات فيها تدخل ايراني، وهو ما حدث، اذ على اثر سقوط نظام صدام حسين، صار الايرانيون يعبرون الحدود العراقية ويعملون على تنظيم هجمات ضد الاميركيين.
الحديث عن هذه الفترة اغضب عدد من مخططي حرب العراق في ادارة بوش، من امثال مساعد وزير الدفاع السابق دوغلاس فايث، الذي حضر خصيصا الندوة التي نظمها “معهد واشنطن لسياسيات الشرق الادنى” لافساح المجال لكريست لاطلاق كتابه.
كما يدخل كريست مؤرخا لموضوع خلافي يحاول اللوبي الموالي للنظام الايراني في واشنطن تصويره على انه بمثابة “فرصة ضائعة” لاصلاح العلاقات، ويدعي هذا اللوبي انها جاءت على اثر الاجتياح الاميركي للعراق، وقام خلالها نظام الملالي بتقديم عرض تسوية للاميركيين عبر السويسريين وغيرهم، الا ان واشنطن – المعتدة بانتصاراتها في افغانستان والعراق في حينه – رفضت العرض النادر والفريد من نوعه.
كتاب كريست اثار حنق كثيرين، من امثال الباحث في مركز ابحاث “اميركيان انتربرايز انستيتيوت” اليميني مايكل روبن، الذي نفى في مراجعة للكتاب في “ناشونال ريفيو اونلاين” “حصول العرض الايراني في العام 2003، مما اجبر كريست على تقديم رد على الرد في المطبوعة نفسها حاول فيه الابتعاد عن مسايرة الايرانيين، بل اضاف انه من اشد المؤيدين لاقتراح نائب الرئيس السابق ديك تشيني القائل بضرورة توجيه ضربات صاروخية اميركية ضد اهداف داخل ايران ردا على اي اعتداءات يقوم بها الايرانيون او حلفاؤهم ضد الاميركيين في العراق او المنطقة.
اما ابرز المراجعات لكتاب كريست فجاءت من الاميركي من اصل ايراني والباحث في “معهد كارنيغي للسلام” كريم سجادبور، الذي كتب في ملحق “نيويورك تايمز” ان كتاب كريست مليء بالتاريخ العسكري، ولكن ينقصه البعد السياسي.
وردا على اعتبار كريست ان ايران تحاول التوصل الى حل فيما اميركا متصلبة، كتب سجادبور ان الكتاب مادة هامة للمعنيين بالشأن الايراني، وان على كريست ارساله بالبريد لا للرئيس باراك اوباما، بل لمرشد الثورة الايرانية علي خامنئي الذي لم يغادر ايران منذ العام 1989.
وختم سجادبور ان “الكتاب لن يغير على الارجح من نظرة (خامنئي) الى سياسات اميركا، ولكنه سيساعده على فهمها”.
موضوع ممتاز جدا
ردحذفشكرا ع الموضوعات
ردحذف