الأربعاء، 8 أغسطس 2012

نجاحات ثوار سورية قلبت رأي أوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم ينقلب رأي الرئيس الاميركي باراك اوباما لمصلحة الثوار السوريين الا بعدما اظهرت التقارير الاستخباراتية ان الاحداث في سورية بلغت «نقطة انعطاف»، وان الثوار سيطروا على مناطق استراتيجية لن يكون بمقدور الرئيس بشار الاسد وقواته استعادتها بعد الآن، أهمها جبل الزاوية، التي تتعرض في الايام الاخيرة الى قصف جوي كثيف يشي بأن الأسد يحاول جاهدا استعادتها ولكن من دون جدوى.
تبدأ قصة نجاحات الثوار السوريين على اثر مجزرتي كنصفرة وكفرعويد، في الجنوب الغربي لمحافظة ادلب في 20 ديسمبر الماضي، والتي راح ضحيتها ما يقارب 250 تمت تصفيتهم على مدى يومين. وكانت قوات الاسد انسحبت صيف 2011 من البلدتين للمشاركة في مواجهات في اماكن اخرى، وشهد شهر نوفمبر 2011 احتجاجات كبيرة ضد حكم الاسد في غياب القوات النظامية في قرى جبل الزاوية منها البلدتان المذكورتان. 
لكن قوات الاسد عادت معززة بالشبيحة في ديسمبر، ما دفع المقاتلين والناشطين والسكان الى الهروب الى واد مجاور، وهو ما سهل من مهمة قوات الاسد، التي رابطت في اماكن مرتفعة، ومضت في تصفيتهم.
لم يستسلم الثوار، الذين كانوا حتى ذلك الحين يقومون بهجمات «بدائية»، حسب وصف الخبراء الاميركيين، ضد القوات النظامية، من قبيل نصب كمائن لقوات الاسد، وتجهيز عبوات مضادة للآليات. لكن في 2 يناير الماضي، نجح الثوار في تطوير قدراتهم، ونفذوا «عملية نوعية» ضد نقطة تفتيش في بلدة كفرحيا، وغنموا عددا كبيرا من البنادق الآلية وقاذفات «آر بي جي» وذخيرة.
ومع حلول فبراير، انسحبت قوات النظام من بلدة سرجة القريبة للمشاركة في معارك حمص، وهذه مشكلة تواجهها قوات الاسد منذ اندلاع الثورة في مارس 2011، اذ غالبا ما تنجح في طرد الثوار من بلدات ومدن، لكنها تجبر على الانتقال الى اماكن ثائرة اخرى، ما يعني انه لم يكن ممكنا لقوات الاسد احكام السيطرة على اي من المناطق التي كانت تنتصر على الثوار فيها. ذلك الانسحاب، وهدنة مارس التي اعلنها المبعوث الاممي كوفي انان، اعطت الثوار في جبل الزاوية الوقت الكافي لتنظيم صفوفهم.
مع نهاية مارس الماضي، وصل عدد كتائب «صقور الشام» الى ستة، فيما اعلنت مجموعة «شهداء جبل الزاوية» تشكيلها وفصيلين آخرين «لواء ابراهيم هنانو»، وفي الوقت نفسه، اعلن العقيد عفيف سليمان تشكيله «مجلس ادلب العسكري». 
ورغم انشغال قوات الاسد في أماكن اخرى، كان لا بد لها من المحافظة على سيطرتها على بلدة اريحا، التي سيطر عليها الثوار، لاهميتها الاستراتيجية اذ تربط مدينة حلب بالساحل السوري. وترصد التقارير الاميركية انه منذ شهر مارس، حاولت قوات الاسد استعادة المدينة من سيطرة «الجيش الحر» على الاقل مرة كل شهر، ولكن من دون جدوى. 
ويضيف احد التقارير ان «مجلس ادلب العسكري» اعلن انتهاء الهدنة في 26 مايو، وشنّت مجموعتا «شهداء جبل الزاوية» و«صقور الشام» هجوما ضد حاجز في بلدة مغارة، اظهر للمرة الاولى حسب الخبراء الاميركيين، انه صار لدى الثوار السوريين مقدرة على تنسيق تحركاتهم من ضمن تكتيك «القيادة والسيطرة»، اذ دام الهجوم نحو 8 ساعات، استطاع على اثره الثوار السيطرة على الحاجز والاستيلاء على دبابة «تي 62» ومضاد للطائرات. وفي الوقت نفسه، سيطرت مجموعة ثالثة على حاجز في بلدة مرعيان.
ويذكر التقرير انه «من وجهة نظر عسكرية، اظهر هجوم مغارة فعالية في الاتصالات، وتخطيطا عملياتيا، وتنسيقا بين قيادات المجموعات الثورية المختلفة المهاجمة» وان فيديو يظهر «100 مقاتل من شهداء جبل الزاوية يتجمعون قبل ان يتوزعوا في مجموعات من 10 مقاتلين، لكل واحدة قائد مخصص ابلغ مقاتليه تفاصيل مهمتهم».
ويتابع التقرير ان هجمات الثوار ضد قوات الاسد صارت تظهر «تحولهم من تجمع ميليشيات محلية الى قوة مقاتلة قادرة على تلقي مهام عمليات، وربما تنظيم هجمات خارج معاقلها».
ولأن المساحة التي يسيطر عليها الثوار في جبل الزاوية تبعد 30 كيلومترا فقط عن الحدود التركية، صار اسهل تموينها وتزويدها بالعتاد والذخائر، يقول التقرير، ولأن المنطقة استراتيجية، وتقطع اوتستراد دمشق - حلب وطريق حلب الساحل، ساهمت السيطرة عليها في عرقلة حركة قوات الاسد التي تنتقل في طول البلاد وعرضها لقمع تمرد بعد الآخر.
ان نجاح الثوار في تطبيق «القيادة والسيطرة»، وازدياد قوتهم النارية الخفيفة التي تسمح لهم الحفاظ على وتيرة هجومية لا دفاعية فحسب، واستيلاءهم على مضادات نجحت في تحييد مروحيات الاسد الهجومية في بعض المناطق، واستخدامهم للعبوات المحلية الصنع التي شلت دبابات الاسد ومدرعاته واجبرت قواته على الترجل والقتال وجها لوجه، كل هذه اضعفت من مقدرة الاسد على استعادة المناطق التي انتزعها منه الثوار، وفرضت على قواته تراجعا، ما يجبره الاعتماد أكثر فأكثر على قواته الجوية في ظل ضعف قواته البرية وتعذر امكان نقل القوة المدفعية من منطقة الى اخرى.
في هذا السياق، يضع الخبراء الاميركيون استخدام قوات الاسد لمقاتلات «ميغ» و«سوخوي» في مواجهات حلب، ويقول الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الاميركية جوزف هوليداي، والذي خدم في العراق وافغانستان، ان نظام الاسد يستخدم هذه المقاتلات «لانهم لا يملكون الدعم المدفعي الذي يحتاجونه في اقصى شمال البلاد».
ويضيف هوليداي ان نظام الاسد اثار اعجابه «في مقدرتهم على تحمل العمليات لاكثر من سنة، وهم يركضون بدباباتهم بكل الاتجاهات في سورية، وهي عملية لوجستية صعبة»، مضيفا: «لكن ما تراه يحصل الآن هو ان نظام الاسد تم استنزافه الى درجة ان مقدرتهم اللوجستية بدأت تتعطل». ويستطرد ليقول: «المقدرات اللوجستية يعني نقل قطع الغيار والفيول والاكل على امتداد الاتوتسترادات لدعم وتزويد القوات في المناطق المختلفة».
ادارة اوباما عملت على مراقبة انتصارات «الجيش السوري الحر» عن كثب، وتقييمها، وادركت ان مصلحتها تكمن في تحديد قيادات الثوار على الارض، ومحاولة التواصل معهم، وهذا يحتاج الى امكانية تقديم الدعم الاميركي لهؤلاء، على شكل اموال وتزويدهم بمعلومات استخباراتية وصور من الاقمار الاصطناعية حول اماكن تواجد قوات الاسد وتنقلاتها، كما تقديم النصائح التكتيكية.
ولتقوم واشنطن بهذه النشاطات، كان لابد للرئيس الاميركي من توقيع عدد من المذكرات تحدثت عنها وسائل الاعلام الاسبوع الماضي، ابرزها السماح بالتواصل الاميركي مع الثوار، كذلك السماح للاموال بالوصول اليهم من دون قيام «وحدة مراقبة الاصول الخارجية» في وزارة الخزانة بملاحقة البنوك التي يتم من خلالها تمويلهم.
وتظهر التقارير ان من القادة الذين تحاول واشنطن الاتصال بهم احمد ابو عيسى، وهو مدني يقود الجناح السياسي لـ «صقور الشام»، وخسر اخويه داود وابوالفضل في المواجهات مع النظام. ومع ان التقارير تشير الى «الطابع الاسلامي» لهذه المجموعة وقائدها، الا انها تُلفت الى ابتعادها عن التشدد، وتقتبس من خطابات زعيمها قوله ان سورية هي التي ستحدد شكل مستقبلها السياسي. كما تُلفت التقارير الى ابتعاد المجموعة عن استخدام الهجمات الانتحارية، وهي احدى علامات المجموعات المتطرفة. وتضيف ان الثوار السوريين يعمدون الى تفخيخ سيارات موالين للأسد، ويسمحون لهم بالمغادرة، وعندما يصل هؤلاء الى مقراتهم، يعمل الثوار على تفجير السيارات عن بعد، وهذا تكتيك يثير الرعب في صفوف موالي الاسد من بعضهم البعض، اضافة الى استهدافهم.
كذلك تُلفت التقارير الى مجموعات من «الجيش الحر» لا تتبنى توجهات سياسية معينة، ولا تتأثر بطابع اسلامي، مثل مجموعة «شهداء جبل الزاوية» بقيادة علاء حسين. وتعتبر التقارير الاميركية ان تشكيل هؤلاء «للواء ابراهيم هنانو»، وهو من قيادات الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين، يشي بأن طابع المجموعة سوري وطني اكثر منه اسلامي.

هناك تعليقان (2):