الجمعة، 12 أكتوبر 2012

بيدن اكتسح رايان وأعاد أوباما إلى المنافسة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يخيب نائب الرئيس جو بيدن آمال الديموقراطيين، اذ نجح في اكتساح منافسه الجمهوري عضو الكونغرس بول رايان، في المناظرة التي جرت بينهما في ولاية كنتاكي، اول من امس، وانعش آمال حزبه في استعادة صدارة الاستطلاعات الشعبية، على الأقل حتى موعد المناظرة الرئاسية الثانية والمقررة الثلاثاء المقبل، والتي وعد الرئيس باراك اوباما بأنه لن يكون خلالها «كثير التهذيب» في مواجهة منافسه ميت رومني على غرار المناظرة الاولى الاسبوع الماضي.
واظهر بيدن، الذي انتخب الى مجلس الشيوخ طيلة 36 عاما قبل انضمامه لاوباما في منصب نائب رئيس العام 2008، حنكة كبيرة، وبدا متفوقا في محور السياسة الخارجية، الذي افتتحت به المحاورة مارثا راداتز المناظرة عبر اثارتها موضوع مقتل السفير الاميركي كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين في الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي.
وتوعّد بيدن بمعاقبة مرتكبي هجوم بنغازي، وعندما حاول رايان الهجوم على الادارة لاخفاقها في تأمين الحماية الازمة للقنصلية، تصدّى له بيدن باتهام الجمهوريين، الذين يسيطرون على الكونغرس، بتخفيض المبلغ الذي كانت طلبته وزارة الخارجية في الموازنة لحماية بعثاتها حول العالم بواقع 300 مليون دولار.
وانتقلت راداتز الى موضوع ايران، وحاول رايان اتهام ادارة اوباما بأنها تقاعست في منع ايران من زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، فاجابه بيدن بأنه حتى لو قيض لايران تخصيب كمية كافية من اليورانيوم، فانها ما زالت لا تملك سلاحا لتحوله نوويا، معتبرا ان الولايات المتحدة ستعلم في حال باشرت ايران عملية صناعة هكذا سلاح.
وقال بيدن: «لن ندعهم (الايرانيين) يحصلون على سلاح نووي... نحن نشعر اننا نستطيع ان نوجه لهم ضربة حاسمة... واذا ما اضطررنا يوما للقيام بذلك، سيكون العالم خلفنا على عكس ما كانت عليه الحال عندما تسلمنا الحكم».
راداتز سألت بيدن حول قرار الادارة المشاركة في حرب ليبيا لوقف مقتل المدنيين، في وقت ترفض اليوم المشاركة في حرب في سورية للسبب نفسه، فأجابها بيدن مكررا النقاط التي يرددها اركان الادارة من ان حجم سكان سورية، وكثافتهم السكانية، اكبر بخمسة اضعاف منها في ليبيا، وان انفلات الامور في حال الحرب في سورية يهدد باشعال المنطقة عموما.
هنا، حاول رايان اقتناص هدف سياسي بالقول انه ورومني سيتصرفان في شكل مختلف تماما عن ادارة اوباما في موضوع سورية، فما كان من بيدن الا ان احرجه مطالبا اياه بتفاصيل اكثر، وقال بيدن: «ماذا ستفعلون؟ هل ستضعون احذية اميركية على الارض في سورية؟ ام انكم ستضعون مقاتلات اميركية في السماء السورية؟». وارتبك رايان، الذي اخذ يردد انه ورومني سيعملان مع حلفاء اميركا على تسليح المعارضة ومنع موسكو من تزويد (الرئيس) بشار الاسد بالاسلحة، فقال بيدن ان هذا ما تفعله واشنطن الآن بالتنسيق مع «الاردنيين والاتراك والسعوديين»، وان واشنطن وحلفاءها «على الموجة نفسها» في الموضوع السوري. 
وتابع بيدن ان «آخر ما تحتاجه اميركا هو حرب اخرى في الشرق الاوسط». هنا زاد ارتباك رايان، وحاول القول ان «الادارة محقة» في موضوع حصر تدخلها العسكري في سورية باستخدام الاسد للاسلحة الكيماوية. لكن راداتز لم تمهل المرشح الى منصب نائب الرئيس، فعالجته بسؤال حول مقاييسه لتدخل اميركا عسكريا حول العالم، فاجاب: «المصالح الاستراتيجية للشعب الاميركي»، فتابعت قائلة: «الا يجب ان نتدخل في الحالات الانسانية»، فلم يكن امام رايان الا التمتمة للخروج من مأزقه.
ولم يمنح بيدن رايان فرصة حتى في السياسة الداخلية، فانقض عليه بهجوم تلو الآخر كان ابرزها عندما انتقد رايان اوباما وادارته لانفاقهم ما يقارب التريليون دولار كجزء من «خطة تحفيز الاقتصاد» في 2009، فما كان من بيدن الا ان اجاب بالقول انه سبق ان تلقى رسالتين من رايان نفسه يطلب فيهما اموالا من تلك التي كانت مرصودة في الخطة لمصلحة ناخبيه في ولايته ويسكونسن. 
وكررت راداتز السؤال «هل طلبت اموالا من مبلغ خطة التحفيز»، فأجاب رايان متلعثما ان هذا ما يفعله اعضاء الكونغرس عندما يطلب منهم ناخبوهم تزكيتهم.
وحول موضوع الضرائب ونية رومني ورايان تخفيضها الى 20 في المئة من الدخل لكل اميركي من دون تكبيد الخزينة 5 تريليونات دولار من العجز الاضافي في السنوات العشر المقبلة، هاجم بيدن بضرواة، وساندته راداتز التي سألت رايان عن «الثغرات» التي ينوي ورومني اغلاقها لسد عجز 5 تريليونات متوقع في حال خفض الضرائب، فقال رايان ان الثغرات سيتم تحديدها بالاتفاق مع الحزب الديموقراطي لاحقا. 
هنا اصر بيدن على التفاصيل، فاصر رايان على ان التفاصيل تأتي بالتشاور بين الحزبين على غرار ما فعل الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، فما كان من بيدن الا ان اجابه «انا كنت هناك العام 1983 عندما اجتمعنا مع الرئيس ريغان، وقدم لنا لائحة محددة، انتم لا تقدمون اليوم اي لائحة».
ثم انتقل الحوار ليشمل موضوع الصناديق التقاعدية، وهو ما تناظر حوله اوباما ورومني قبل اسبوع كذلك، وحاول رايان تطمين الاميركيين الى ان مكتسباتهم الاجتماعية ستظل بمأمن عن التخفيضات، وان نظام «طبابة المعوزين» سيتم استبداله بقسائم تمنحها الدولة، الا ان بيدن استند الى تاريخه في مجلس الشيوخ في محاربة خصخصة «صندوق الضمان الاجتماعي»، مضيفا «نحن لن نكون جزءا من اي قسائم او خصخصة للضمان». 
ولم يساعد رايان اثارة راداتز لموضوع وقوفه الى جانب الرئيس السابق جورج بوش الابن في محاولة خصخصة هذا الصندوق، وحاول التملص هو من هذا الموقف، الا انه لم ينجح في ذلك.
ختاما، عرجت راداتز على موضوع الاجهاض، وفيما اعتبر بيدن انه على رغم ان ديانته الكاثوليكية تمنع الاجهاض ومن انه يمارس ديانته بانتظام، الا انه لا يعتقد ان دور الحكومة يقضي بتطبيق افكار الكنيسة الكاثوليكية على عموم الاميركيين، وان الموضوع يجب ان ينحصر في اطار الخيار الفردي لكل مواطن او مواطنة. اما رايان، لدى سؤاله ان كان على النساء ان يقلقن في حال انتخابه ورومني لانهما سيعمدان الى نسف القانون الذي يسمح الاجهاض، قال انه لا يستطيع ان يقدم اي وعود في هذا الشأن، وان الموضوع سيتحدد عن طريق الكونغرس المقبل.
في المحصلة النهائية، الحق بيدن هزيمة محققة بمنافسه الجمهوري، واعاد الى الاذهان الاداء المميز لنائب الرئيس الجمهوري السابق ديك تشيني في مواجهة منافسه الديموقراطي السناتور جون ادواردز العام 2004، حين نجح بقلب الهزيمة التي كان الحقها المرشح جون كيري بالرئيس جورج بوش في المناظرة الاولى بينهما.
ورغم تفوق بيدن، لم تعترف معظم وسائل الاعلام الجمهورية بذلك، بل مضت تتحدث عن «فظاظة» بيدن، ومقاطعته لرايان مرارا، وحاولت الايحاء بأن نائب الرئيس كان يختلق الحقائق.
وبغض النظر عن وسائل الاعلام، فان نتيجة المناظرة ستظهر في الايام المقبلة، ومن المرجح ان تشير الى تقدم شعبي ديموقراطي بفضل اداء مميز جدا لنائب الرئيس الاميركي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق