الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

"14 آذار" هي مشكلة "14 آذار"



بقلم حسين عبدالحسين- واشنطن

"14 آذار" في ورطة. فالتحالف الذي ولد وطنياً جامعاً، اصبح اليوم مجرد تحالف حزبي طائفي بين "تيار المستقبل" السني بقيادة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و"القوات اللبنانية" المسيحية بزعامة الدكتور سمير جعجع. 
قياديو التحالف يعرفون ورطتهم، ولكنهم يعزون ذلك الى استحالة الحفاظ على وتيرة الاستقطاب الشعبي في ظل التهديد الدموي المباشر والمستمر الذي يطاولهم. اما أول الحلول لأزمتهم فهو القاء "حزب الله" سلاحه، ولكن هذا موضوع يرتبط بقضايا اقليمية تتضمن ملف ايران النووي، وعلاقته بالدول العربية والعالم.
اذن، يخلص قياديو "14 آذار" الى ان ما باليد حيلة، وان على اللبنانيين تأييدهم، في دورات الانتخابات النيابية المقبلة، علّ وعسى ان تنجح اكثريتهم البرلمانية يوما ما في استعادة بعض النفوذ في القرار اللبناني الذي يطبق عليه اليوم "حزب الله" منفردا.
لكن هل عودة "14 آذار" الى دائرة النفوذ غاية بذاتها؟ وما الهدف الاسمى وراء عودة كهذه؟
الاجابات لدى هذا التحالف مبعثرة ومتضاربة، وغالبا سطحية، خصوصا بعد مقتل او موت اوخروج معظم المثقفين من هذا التحالف، وبقاء مثقفي البلاط وحدهم. 
في بداياتها العفوية في العام 2005، اكتسبت حركة "14 آذار" ابعادا تجاوزت بلاهة السياسة اللبنانية، ولعب العزيز المغدور سمير قصير دورا محوريا في صوغ الحالة الفكرية المرافقة للحظة الولادة، وتجلت رؤية سمير عندما ساوى ما بين "14 آذار" و"الربيع العربي"، قبل 6 سنوات من انطلاقه، فأطلق "ربيع بيروت" كتسمية مرادفة لـ "14 آذار" او "انتفاضة الاستقلال"، وربط موعد تفتح الورود في دمشق بحلول الربيع في بيروت. 
طبعا لم ينجح سمير في فرض رؤيته، فكان غالبا ما يطل متصديا لعنصرية العامة ضد السوريين في ساحة الشهداء، فيما كان ناشطون وسياسيون في "14 آذار" يعملون على تصوير ثورتهم وكأنها تجلٍ محمود للمناصفة المسيحية الاسلامية في البلاد، ولصيغة التعايش البعيدة اصلا عن الربيع المنشود ودولته، التي يفترض ان تكون مدنية لا طائفية.
رحل سمير، ولكن كثيرين بقوا في "14 آذار"، البعض كرمى لذكراه. وراحت الاحزاب المكونة لهذا التحالف ترتكب الخطيئة تلو الاخرى، في خطواتها السياسية، ترافق ذلك مع فشل ذريع في تقديم اية رؤية يمكن ان تجعل من التحالف او خطته التعايشية المتواضعة المرتبطة باتفاق الطائف، الركيك نصا ومضمونا، عملا يرقى الى كونه ثورة او ربيعا. 
بعد سبع سنوات على تجربة "14 آذار"، يبدو ان المشكلة لا تكمن في علاقة الطوائف اللبنانية ببعضها، ولا في علاقات هذه مع القوى الاقليمية الراعية لها وتضارب مصالح الأخيرة. ومع ان سلاح "حزب الله"، الذي لم يقاوم منذ ست سنوات ومن غير المرجح ان يقاوم في المستقبل المنظور، هو مشكلة قائمة بذاته، الا ان هذا السلاح لا يعوّق وحده بناء دولة حديثة في لبنان، والارجح انه في غياب السلاح، يعود التنوع الى دائرة القرار، لكن هذا التنوع لن يتجاوز حدود لعبة الطوائف والملل المعروفة التي تسود منذ العهد العثماني، ولن يؤدي الى بناء دولة بمواصفات ربيعية.
ويبدو ان المشكلة هي في "14 آذار" نفسها، وفي الاحزاب المشكّلة لها، اذ كيف يمكن احزاباً لا تمارس الديموقراطية داخلها ان تبني دولة ديموقراطية في لبنان لو قيّض لها ان تتسلم الحكم؟ 
هذه المشكلة هي التي قضت على امكان ان تكون "14 آذار" بمثابة "ربيع لبناني" تعيد تشكيل العقد الاجتماعي وتساهم في كتابة دستور جديد، مبني على فلسفة حديثة في المواطنة والحرية والديموقراطية، وفي ضرورة تداول السلطة، حتى لو ثبت ان الرئيس الفلاني قام باداء استثنائي، يبقى خروجه، واقاربه في الحالة العربية واللبنانية، من الحياة الحزبية والسياسية ضرورة لتجديدها، وضرورة ليقوم النظام باصلاح نفسه دوريا، وابقاء المنافسة مشتعلة بين الكفاءات والرؤى.
لكن بدلا من ان تتحول "انتفاضة الاستقلال" ربيعاً، تحولت "دكاناً" طوائفياً آخر، وصارت منهمكة بتقديم ضمانات للطوائف في الابقاء على رئيس هنا، وعدم انتخاب رئيس هناك بأكثرية برلمانية بسيطة، والتصقت بمبدأ المناصفة، المتأرجح اصلا بسبب التغيرات الديموغرافية المستمرة. 
واوغلت "14 آذار" في تأييدها فكرة التعايش المريعة (بدلا من المساواة المدنية)، حتى انها طالبت وايدت منع عرض مسلسل يتناول حياة السيد المسيح على قنوات لبنانية، وهو ما يجعل من مطالبتها بالحرية صورة كاريكاتورية، ثم قدم نواب في هذا التحالف مشروع قانون يحظر على المسيحيين بيع املاكهم للمسلمين وبالعكس، واطل نواب آخرون من "14 آذار" يطالبون بفيديرالية وباستبدال العربية بالسريانية، وما الى هنالك من افكار بائدة تلامس العنصرية.
تاليا، ابتعد معظم غير الحزبيين عن هذا التحالف، وهم وان مازالوا يؤيدونه سياسيا، الا انهم يفعلون ذلك لأنه، بالنظر الى "حزب الله" وسلاحه المنفلت من عقاله، تبدو "14 أذار" اهون الشرّين. لكن تأييداً من هذا النوع ينم عن احباط ويأس من امكان قيام دولة لبنانية حديثة او امكان اندلاع "ربيع لبناني". 
في واشنطن، حضر احد قياديي "14 آذار" وطالب المجتمعين بالدعم في الانتخابات النيابية العام المقبل. احد الحاضرين، مستلهما من الانتخابات الاميركية، اجاب ان كل عملية انتخابية مبنية على امرين: الاداء الماضي وخطة المستقبل. "14 آذار"، حتى بعد فوزهم بالغالبية البرلمانية في انتخابات 2005 و2009، بقي اداؤهم في الحكم وخارجه، وفي السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع عموما، مزريا في اقل تقدير. اما خطة "14 آذار" المستقبلية فهي متطابقة مع ادائهم الماضي، وهي عبارة عن القاء اللائمة على سلاح "حزب الله"، ما يعني انه حتى لو فاز تحالف "14 آذار" بالغالبية للمرة الثالثة على التوالي العام المقبل، فلن يغير فوزه في شيء.
بعد سبع سنوات على "14 آذار"، وبعد العراق والربيع العربي ومصائبهما، قد تكون الشعوب العربية غير مستعدة لحكم نفسها بعد، ربما بسبب سيطرة الامية السياسية والاهواء القبلية.
هذا لا يعني انه كان من الافضل عدم حدوث الربيع العربي، لكن من المفيد التذكير بأن الربيع الحالي لا ينذر الا بالمزيد من الشقاء، وهذا ربما جزء من عملية المخاض التي تكون دائما عسيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق