الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

مفاوضات «المسار باء» خطوة أولى أمام تسوية أميركية - إيرانية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في تقاليد المفاوضات الديبلوماسية ما يعرف بمفاوضات «المسار باء»، وهي عبارة عن لقاء لغير الرسميين، من اكاديميين وناشطين وحتى مستشارين غير حكوميين لمسؤولين حكوميين من طرفين يحاولان التوصل الى اتفاق لم تتوافر القواسم المشتركة الكافية للتوصل اليه، ما يدفع الصف الثاني الى محادثات ودية، بعيدة عن الانظار وغير رسمية، فان توصلت الى اتفاق، يتم نقلها الى مفاوضات الصف الاول ويعتمدها الرسميون. 
هذه هي حال المفاوضات الاميركية - الايرانية، والتي اشارت مصادر عدة، اولها صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع هذا الشهر، وآخرها وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، الى انها تجرى بعيدة عن الانظار.
«الراي» تحدثت الى عدد من المتابعين الاميركيين للملف الايراني، واكد هؤلاء حصول محادثات غير رسمية قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، وانه - مثلما ذكرت «نيويورك تايمز» - تم التوافق على تأجيلها حتى ما بعد اعادة انتخاب الرئيس باراك اوباما ليتم استكمالها وتوسيعها.
هوية المفاوضين الاميركيين غير معروفة بعد، فيما يوجد شبه اجماع على ان المفاوض الايراني هو مصطفى دولاتيار، رئيس «معهد الدراسات السياسية والدولية» في ايران.
ويقول عالمون انه تم عقد عدد من اللقاءات بين دولاتيار واميركيين في انقرة في اكتوبر الماضي، وان «نتائج الحوار بين الاثنين كانت ايجابية جدا». اما مضمون هذه المحادثات، فتقول المصادر الاولية انها تمركزت حول النقاط التالية:
- اولا، جزم المفاوض الاميركي ان واشنطن تعتقد ان نشاط ايران التخصيبي لا يبدو انه اخذ منحى باتجاه انتاج السلاح النووي، لكن استمرار التخصيب يعني ان مخزون ايران من اليورانيوم المخصب يرتفع باستمرار، وان درجة التخصيب قابلة للارتفاع بطريقة مفاجئة، وهو ما يجعل من حيازة ايران اليورانيوم ذات التخصيب العالي والكافي لصناعة السلاح موضوعا ممكن تحقيقه في عام على ابعد تقدير.
لذلك، اكد المفاوض الاميركي ان الادارة الاميركية جزمت ان العام 2013 سيكون عام الحسم من دون منازع، وان اوباما قرر انهاء هذا الملف قبل نهاية العام المقبل، حتى لو كان ذلك يعني المضي نحو مواجهة عسكرية.
- ثانيا، ابلغ المفاوض الاميركي نظيره الايراني ان ما يهم اميركا هو انهاء الموضوع النووي اكثر من غيره. طبعا ستتحدث الولايات المتحدة عن تجاوزات ايران لحقوق الانسان وعن ضروروة ادخال اصلاحات ديموقراطية، الا ان «واشنطن لن تتحرك من اجل فرض هذه الاصلاحات لأن الامر موضوع سيادي ايراني، وطهران وحدها القادرة على تحديد مدى وسرعة هذه الاصلاحات». وجرى اعطاء الانفتاح الاميركي على بورما وحاكمها العسكري تيان سين كمثال على امكانية تعايش واشنطن مع خصومها السابقين، وحتى قيام رئيس اميركا بزيارة لهذا النظام والثناء على نيته الاصلاحية.
- ثالثا، الولايات المتحدة مستعدة للعمل على رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن ايران على وجه السرعة، والعمل على بدء اعادة العلاقات الدولية بين الدولتين، والمنقطعة منذ العام 1980 على اثر نشوب الثورة الايرانية قبل ذلك بعام. ويمكن للولايات المتحدة مساعدة ايران في الحصول على قروض دولية واستثمارات مالية، وتقديم الخبرة لتطوير قطاع النفط الايراني وتحديث الاقتصاد، وتوجيه رؤوس الاموال الاميركية للاستثمار في البلاد.
بدوره، حدد المفاوض الايراني دولاتيار المطالب الايرانية على الشكل التالي:
- اولا، اعتراف اميركا والمجتمع الدولي بحق ايران بتخصيب اليورانيوم.
وتقول المصادر ان الرد الاميركي على هذه النقطة افاد انه لا يوجد هكذا حق متعارف عليه دوليا، وان لا واشنطن ولا عواصم العالم الاخرى تعترف بالتخصيب من عدمه، بل ان لكل دولة الحق في برنامجها النوي طالما انه يتطابق ومعايير وكالة الطاقة الذرية، ويجري تحت اشرافها ورعايتها حسب ميثاق الوكالة الذي وقعت عليه ايران.
- ثانيا، تطلب ايران برفع العقوبات الاقتصادية عنها مسبقا، وان جزئيا، كبادرة حسن نية من المجتمع الدولي تجاهها، و«توقف الولايات المتحدة وحلفاؤها حملات التحريض السياسية ضد نظام الجمهورية الاسلامية في ايران».
- ثالثا، تدخل الولايات المتحدة مع ايران في مفاوضات رسمية في شأن ملفي سورية والبحرين، وتطلب ايران عدم تدخل الدول الكبرى بالشؤون الداخلية لهذه الدول. 
وفي قراءة اميركية للطلب الايراني الاخير، أوضحت مصادر اميركية ان ايران تريد «اعترافا اميركيا بحقها في الاستيلاء على هذين البلدين وادارة شؤونهما بالواسطة كما تفعل في دول اخرى مثل لبنان». 
الا ان المفاوض الاميركي رد على نظيره الايراني، حسب المصادر الاميركية، بالقول ان واشنطن لا تملك حق التصرف في اي من هذين البلدين، اي سورية والبحرين، وانها تتعامل معهما من ضمن علاقاتها مع حلفائها في المنطقة والمجتمع الدولي، ولا تتفرد في القرار في شأنهما.
في الختام، يقول المتابعون لهذه المفاوضات ان «الطرفين توصلا الى رؤى مشتركة في معظم الملفات الخلافية، خصوصا في الملف النووي الايراني ورفع العقوبات، الا ان القضايا الاقليمية تبدو انها لا تزال عالقة، مع ان الايرانيين ابدوا رغبة في التوصل الى حل في شأنها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق