الجمعة، 2 نوفمبر 2012

واشنطن متفقة مع موسكو وطهران علي حل سوري بحوار لا يشترط مسبقاً... خروج الأسد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في اوائل يوليو في القاهرة، وفي اواخره في جنيف، والاسبوع المقبل في الدوحة، كذلك في مبادرة كوفي انان وخلفه الاخضر الابراهيمي، تكرار لرؤية واحدة تشترك فيها واشنطن وموسكو وطهران تجاه الحل في سورية، وهي مباشرة الحوار بين المعارضة والنظام من دون اي شرط مسبق كخروج بشار الاسد من السلطة.
واشنطن، بقيادة سفيرها المبعد من سورية روبرت فورد، قالتها منذ اليوم الاول للثورة وتكررها اليوم: لا حل في سورية خارج الحوار. كل ماعدا ذلك، من مزاعم واشنطن حول خوفها من وصول السلاح الى ايدي متطرفين او انفلات الوضع في حال خروج الاسد، هو جزء من التبريرات التي تختلقها الادارة الاميركية من اجل اقفال سبل الحل الاخرى، المتمثلة بمساعدة المعارضين من اجل تحقيق الحسم العسكري وانهاء حكم الاسد.
المحاولات الاميركية لضعضعة المعارضة السورية لاجبارها على القبول بـ «مبادرة جنيف»، التي وافق عليها المجتمع الدولي بما فيه واشنطن وموسكو، بلغت اوجها مع توجيه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الانتقادات لـ «مجلس السوري الوطني» المعارض، مطلع الاسبوع الماضي، متهمة اياه بعدم تمثيل شرائح المجتمع السوري المختلفة، ولا حتى المعارضة عموما.
هجوم كلينتون على «المجلس الوطني» توج مجهودا طويلا قامت به واشنطن لتقويض هذا المجلس، اولا عبر الطلب من داعميه في بعض الدول الخليجية حجب دعمهم المادي عنه، وثانيا في حث بعض اعضائه على الانسحاب منه وانتقاده بهدف الانتقاص من مصداقيته.
محمد العبدالله، المعارض السوري المقيم في واشنطن والذي خرج من المجلس بعد فترة وجيزة لتحفظاته على امور عديدة، يثني على موقف هذا المجلس الذي رفض الخضوع للضغوط الدولية والاقليمية «لخفض سقفه السياسي» من اجل الدخول في حوار مع النظام.
ويتهم العبدالله السفير فورد بتأليب بعض الاعضاء، ويقول في مقابلة مع «الراي» ان فورد قام «بالإيعاز لبسمة القضماني بالإنسحاب من المجلس الوطني والإساءة له، بهدف الترويج لفكرة الحكومة الانتقالية اكثر فاكثر». ويضيف: «نفذت القضماني المهمة ونشرت شتائم متعددة ضد المجلس ودعمت وروجت لفكرة حكومة رياض سيف لدى الفرنسيين».
ويعتبر المعارض السوري ان «المجتمع الدولي اكتشف ان المجلس الوطني السوري يتبنى مطالب الثورة كاملة، وان سقفه السياسي مطابق لسقف الثوار في الداخل»، هكذا، «رفض المجلس أنصاف الحلول، ورفض أي شي لا يحقق مطلب الثورة المباشر: تنحي الأسد».
وحسب العبدالله، فان مهمة إنهاء المجلس بدأت على يد فورد، الذي اطلق تصريحات مسيئة للمجلس حول تغييب الاقليات والافتقار لتمثيل شامل للثورة. ترافق ذلك مع محاولة محاصرة المجلس وعزله دوليا وانهاكه عن طريق ايقاف الدعم المالي، مما جعل المجلس يبدو ضعيفا في عيون السوريين، «فلم يقدم سلاحا، ولا اغاثة، ولا حلا للأزمة».
ويكشف العبدالله ان فورد تقدم لاول مرة بمشروعه الحواري في القاهرة في 3 يوليو الماضي، وكان يقضي بتذويب «المجلس الوطني» السوري عبر اقتراح اقامة «لجنة المتابعة والاتصال» التي تضم المجلس و«هيئة التنسيق تيار بناء الدولة، إضافة لبعض الكتل الصغيرة والمستقلين».
كان هدف تلك اللجنة انتخاب حكومة تدخل في حوار مع النظام، الا ان «المجلس الوطني السوري» تذرع في حينه بالقول ان بند الحوار كان السادس في خطة كوفي انان، وان الاسد لم يلتزم بأي من البنود الخمسة التي تسبقه مثل وقف النار، وسحب الجيش من المدن، والسماح للاعلام غير السوري بالدخول بحرية.
بعد القاهرة بقليل، يقول العبدالله، طرح رياض سيف المشروع نفسه على المجلس في السويد، فصوتت الامانة العامة ضده، فغضب سيف وانسحب من القاعة مهددا الأمانة العامة للمجلس بالقول: «من أنتم حتى تصوتوا ضد مشروع روبرت فورد؟».
واشنطن تحاول تكرار مؤتمر القاهرة في الدوحة، حيث قام سيف بوضع لائحة اسماء المشاركين «من دون التشاور مع المجلس»، حسب العبدالله، ثم «بدأ الضغط مجددا على المجلس ليصوت بالقبول على مشروع حكومة رياض سيف، وبدأ التواصل مع أعضاء المكتب التنفيذي، كل على حدة، لضمان موافقتهم على الفكرة، فأبدى برهان غليون رفضه ورفض كتلته للفكرة، اما احمد رمضان، فوافق بشرط ان يكون عضوا في الحكومة المزمعة التشكيل».
بدوره، حافظ تنظيم «الإخوان المسلمين» على «موقف غامض بعدم اعلان القبول بمشروع الحكومة ولكنهم روجوا لقبوله داخل المجلس الوطني بذريعة عدم الاصطدام بالمجتمع الدولي».
لناحية تشكيل الحكومة، يقول العبدالله، «لم يشاور سيف المجلس بالأسماء وإنما وضع لائحة بنفسه فقط، وبالتشاور مع بسمة القضماني، فيها أسماء أصدقائه ومن سيصوتون له ليكون رئيساً للحكومة».
الاستياء السوري من فورد، ومن اداء الولايات المتحدة عموما في سورية، دفع السفير الاميركي الى اصدار بيان قال فيه: «(نحن) نواصل التشاور مع طائفة واسعة من جماعات المعارضة السورية فيما (هي) تسعى لاتخاذ خطوات نحو تشكيل مجلس قيادة تمثيلي». واضاف: «نحن على ثقة من انهم سيتمكنون من ايجاد طرق للجمع بين اطياف ممثلي المعارضة بما يمثلونه من وجهات نظر مختلفة داخل وخارج سورية، ووضع الأساس لسلطة حكم انتقالية».
بيد ان اللافت هو ان «المجلس الوطني السوري»، ورغم معارضته حكومة برئاسة سيف تحاور نظام الاسد، حضر في الدوحة من «اجل المصلحة السورية»، على ما يردد بعض المشاركين من المجلس، الا ان من لم يحضر هو «هيئة التنسيق الوطنية»، التي يتمتع بعض اعضائها المقيمين في دمشق بعلاقة جيدة بفورد. اما سبب غياب هذه الهيئة، يقول احد المعارضين السوريين الذي فضل عدم ذكر اسمه، «قد يكون وجودهم داخل سورية واثر ذلك على استقلالية قرارهم، والا، كيف نفسر دخول وخروج معارضين الى سورية بكل أمان وتحت اعين نظام الاسد، فيما معارضو الخارج، وكذلك الثوار في الداخل، مهددون بالقتل وبالاعدام كل لحظة».
من غير المعروف ما الذي سيخرج عن مؤتمر الدوحة بعد، وان كانت الترجيحات تشير الى ان مصيره لن يكون افضل من مصير مؤتمر القاهرة وغيره من المؤتمرات التي سعت الى طمس مطالب المعارضين والثورة السورية عموما واعادة تركيبها بصورة ترضي موسكو وطهران وواشنطن.
هذا المصير المجهول لمؤتمر الدوحة ربما دفع سيف نفسه الى اصدار بيان، اول من امس، قال فيه ان الحل السياسي في سورية «لا يبدأ الا بتنحية بشار الاسد ورموز السلطة وضمان محاسبة المسؤولين منهم عن دماء السوريين». لكن هل يعني ذلك ان «حوار» سيف وحكومته مع النظام لن يبدأ كذلك قبل تنحية الاسد. ام ان الحوار يبدأ قبل الحل السياسي، الذي قد يفضي بدوره الى تنحي الاسد، وقد يفضي الى بقائه كذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق