السبت، 3 نوفمبر 2012

فوز أوباما سيعكس انعطافة في حياة أميركا السياسية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عندما انتقل الشاب باراك اوباما للعيش في مدينة شيكاغو في العام 1985، كانت المدينة انتخبت اول عمدة لها من اصل افريقي بعدما نجح هارولد واشنطن في بناء تحالف معقد من الاقليات العرقية والطبقية اطاح بطبقة سياسية كانت تتحكم بالمدينة بزعامة ريتشارد دالي الذي احتل المنصب بين 1955 و1976. 
السياسة في شيكاغو كانت معروفة بفسادها، ففيها برز نجم اشهر وجوه المافيا الايطالية آل كابوني، الذي بنيت حول قصته رواية «العراب»، والتي تحولت في ما بعد الى اشهر افلام هوليوود. وفساد شيكاغو السياسي اكسبها لقب «بيروت على البحيرة» نسبة لبحيرة ميشيغان التي تقع شيكاغو على شواطئها. 
لكن هارولد واشنطن حطم اسطورة دالي والمدينة الفاسدة، واجتاح الطبقة السياسية من اصل ايطالي التي سادت لعقود، وحكم شيكاغو وغير تركيبتها حتى يومنا هذا. صحيح ان ابن دالي، المدعو ريتشارد ايضا، فاز بمنصب عمدة فيما بعد، الا ان السياسة كانت اختلفت عن الماضي. اما اليوم، فيشغل المنصب عضو الكونغرس السابق واول رئيس لموظفي البيت الابيض في ادارة اوباما رحم ايمانيويل.
يقول كتبة سيرة الرئيس الاميركي ان فوز واشنطن ترك اثرا في نفس اوباما الشاب، الذي رأى فيه درسا لكيفية بناء تحالف متنوع يطيح بالطبقة الحاكمة. طبعا لم ينجح اوباما من المحاولة الاولى، فهو تكبد خسارة فادحة عندما خاض انتخابات الكونغرس للمرة الاولى في العام 2000، لكنه تابع مسيرته، ودخل مجلس الشيوخ في العام 2006، وبدأ على اثرها عملية بناء تحالف اميركي واسع يشمل اليوم فئة الشباب دون 30 عاما، والاقليات العرقية من اصول افريقية واميركية لاتينية وآسيوية، ومثليي الجنس، الذين فتح الباب لهم للانتساب علنا الى الجيش، والنساء اللاتي يدافع عن حقوقهن في شؤون منع الحمل والصحة الجنسية، كما الاتحادات العمالية الموالية تقليديا للحزب الديموقراطي والتي انقذها اوباما بانقاذ مصانع السيارات الاميركية من الافلاس باقراضها اموالا حكومية ضخمة في العام 2009.
تحالف اوباما الواسع، فضلا عن الكاريزما التي يتمتع بها الرجل، وقصة جذوره من اب كيني مسلم وام تزوجت في ما بعد في اندونيسيا واخذته ليسكن معها، ثم ارسلته الى جديه البيض في ولاية هاواي ليكمل تعليمه المتوسط، ساهمت في اضفاء بريق فريد من نوعه على شخصية السناتور الذي اثبت قوته السياسية بالحاقه الهزيمة باقوى زوج في الولايات المتحدة عندما اخرج هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس الاسطوري بيل كلينتون، من الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، ليفوز بترشيح الحزب الى الرئاسة في العام 2008.
في ذلك العام، حقق اوباما فوزا سهلا وباهرا على منافسه الجمهوري جون ماكين، وتسلم اميركا منهكة بسبب حربين طويلتين في العراق وافغانستان وذات اقتصاد متهاو. 
انهى اوباما حرب العراق، وحدد العام 2014 موعدا للانسحاب من افغانستان، وعمل على اصدار قانون للرعاية الصحية سبق ان حاول رؤساء كبار تحقيقه وفشلوا. والتفت الى الاقتصاد، ففرض قوانين قاسية على مضاربة البنوك في اسواق الاسهم المالية، وعمل على تشجيع الصناعة فزادت الواردات الاميركية بنسبة 40 في المئة، وعاد الاقتصاد الى النمو، وان ببطء، واضاف وظائف على مدى الاشهر الاثنين وثلاثين الماضية من دون انقطاع.
وانعكست اهتمامات التحالف الذي يقوده اوباما على سياسة اميركا الدولية، اذ يندر ان يبدي من هم دون الثلاثين او الاقليات او العمال اهتماما في شؤون العالم، ما دفع اوباما الى ابعاد اميركا عن الشؤون الدولية الى اقصى حد منذ دخولها الحرب العالمية الثانية.
لكن الطبقة التي حكمت اميركا لقرون، خصوصا من اليمين الاميركي المحافظ، لم تستسغ وصول اميركي من اصل افريقي الى البيت الابيض، ولم تعجبها اجندة اوباما في السياسات الداخلية اوالخارجية اوالاقتصادية، فصممت انتفاضة انتخابية اطاحت بالاغلبية الديموقراطية التي كانت تسيطر على الكونغرس، واعطتها في العام 2010 للحزب الجمهوري، الذي راح يعرقل كل خطوة تقوم بها ادارة اوباما على امل الاطاحة به تماما في انتخابات بعد غد.
في العام 2012، اصبحت قصة اوباما قديمة، فخسر بعضا من بريقه، لكن تحالفه في وجه الطبقة التقليدية يبدو انه يصمد، وكذلك حظوظه في التفوق على مرشح الحزب الجمهوري، المليونير ميت رومني. 
ولحسن حظ الرئيس الاميركي، فان آخر تقريرين صدرا عن وزارة العمل، الاخير يوم الجمعة الماضي، اظهرا نموا في سوق العمل اكثر من المتوقع، كما سجل الاقتصاد الاميركي نموا اكبر من المتوقع كذلك بواقع نقطتين مئويتين للفصل الثالث من هذا العام، وهو نمو يأتي في وسط اقتصاد عالمي متهالك واقتصادات تتقلص في اوروبا ونمو ينحدر في الصين والهند والبرازيل.
يوم الثلاثاء هو يوم الحساب السياسي لاوباما فاما يصمد تحالفه ويهزم الحزب الجمهوري التقليدي واما ينهار. على ان الارقام تشير الى ارجحية لاوباما، تقودها في الغالب الاقلية الاميركية من اصول لاتينية، التي يتبنى اوباما مطالبها في خصوص شؤون السماح لافرادها بالهجرة والاقامة في البلاد. هذه الاقلية يمكنها ترجيح عدد من المعارك خصوصا في ولايات فلوريدا ونيوميكسيكو وكولورادو ونيفادا وفيرجينيا. 
وفي ولايات اخرى، مثل ميشيغان وويسكونسن، للاتحادات العمالية نفوذ ترجيحي. اما الصوت النسائي، فهو الابرز الذي يعول عليها اوباما للفوز بولاية ثانية.
هذه المكونات التي تشكل التحالف الديموقراطي تعادي الحزب الجمهوري بمعظمها وهو يبادلها العداء، ما يجعل هذا الحزب حزبا للذكور البيض من متوسطي وكبار السن. فالحزب الجمهوري الابيض يعادي الاقليات من غير البيض ويعارض هجرتهم واقامتهم في البلاد. والحزب الجمهوري يحارب سياسات تتعلق بمنع الحمل والاجهاض حتى الاضطراري منه، عملا بتعاليم الديانة المسيحية، التي تملي كذلك العداء مع مثليي الجنس. 
ولأنه حزب الاغنياء واصحاب الاعمال، فان الحزب الجمهوري يسعى الى حل الاتحادات العمالية والقضاء على البرامج الحكومية للرعاية الاجتماعية لسد عجز الموازنة لكنه يعمل على خفض الضرائب على الاغنياء.
في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري هذا العام، اتخذ رومني مواقف مغالية في يمينيتها بهدف اقصاء خصومه، لكنه في المناظرة الرئاسية الاولى، تخلى عنها جميعها فجأة وتبنى مواقف اقرب الى الوسط ادراكا منه ان مجموعة الافكار المحافظة التي كان يتبناها من غير الممكن ان تسعفه للفوز بالرئاسة. 
على ان للتقلب في السياسة ثمن، وهو ما حدا بـ صحيفة «واشنطن بوست»، الى كتابة افتتاحية، امس، بعنوان «اهانة رومني للناخبين» اتهمته فيها بالتقلب في المواقف وكأن الناخبين لا ذاكرة لهم. 
قد يدفع رومني بعد غد ثمن تقلبه ويخسر السباق الى الرئاسة، لكن من سيدفع الثمن على المدى الطويل هو «الحزب الجمهوري»، الذي يبدو انه يبتعد اكثر فأكثر عن غالبية الاميركيين، ويوغل في الاعتماد على قاعدته التي يتقلص عددها، وتشيخ عمرا وتزداد في يمينيتها، وهو ما يبدو ان الحزب صار يدركه ولكنه يقف عاجزا عن تغييره. 
هذا ما يعني ان فوز اوباما بولاية ثانية الثلاثاء لن يكون انتصارا لاوباما والديموقراطيين فحسب، بل سيكون مؤشرا على تغيرات دائمة وكبرى تحصل في المشهد السياسي الاميركي، وعلى الجمهوريين اما ادراكها والتغير معها، واما المجازفة بالمزيد من التهميش على الصعيد الوطني مستقبلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق