الخميس، 6 ديسمبر 2012

المستبدّون الجدد

حسين عبد الحسين

يقول أمبروز بيرس، الكاتب الأميركي الساخر الذي عاش في القرن التاسع عشر، إن “الثورة هي تغيير مفاجئ في سوء الحكم”، وهي نبوءة تكاد تتحقق في بعض الدول العربية. فمن بغداد، حيث يدخل رئيس الحكومة المنتخب نوري المالكي عامه السادس وهو ما زال متمسكا بكرسي الحكم بحجة مكافحة “أذناب النظام البائد”، الى القاهرة حيث يدخل الرئيس المنتخب محمد مرسي شهره السادس وهو يفوض نفسه صلاحيات مطلقة لمحاربة “فلول النظام الفاسد”، الخلاصة تتكرر: ربيع العرب هو كخريفهم وصيفهم كشتائهم والديمقراطية مؤجلة مع وقف التنفيذ.

المستبدّون الجدد، كما القدامى صدام حسين وحسني مبارك، يستخدمون الحيلة نفسها: يبدأون حياتهم السياسية كمناضلين أشاوس، يحاربون ظلم النظام القائم، يتغلبون على الصعاب، ويصلون الحكم بتأييد شعبي واسع، ثم يتحولون الى مهووسين بالحكم كسابقيهم بحجة ضرورة بقائهم لاستكمال اهداف الثورة وحمايتها من اعدائها، وهؤلاء هم غالبا النظام السابق او من يتم نسبه إليه بعد الثورة.

في الماضي، كانت العادة السائدة لاقتناص الحكم هي الانقلابات العسكرية. اليوم، اصبحت التظاهرات الشعبية هي الطريقة الانجع. في الحالتين، النتيجة هي اضطراب امني وشعبي تتصارع فيه قوى متعددة حتى تنجح واحدة منها في القضاء على الآخرين، ثم الحكم، على ما يحلو للمالكي غالبا القول في تصاريحه العلنية، “بيد من حديد”.

لكن كيف السبيل الى الانتقال من الحالة الثورية الى حالة ديمقراطية أفضل من سابقتها؟

تقول دراسة صادرة هذا الاسبوع عن “معهد بروكنغز للأبحاث” ان “عملية كتابة الدستور عن طريق الشعب تشوبها الكثير من المخاطر”. وتقدم الدراسة التي اعدها بروفسور القانون في جامعة كولومبيا وليام بارتلت مقارنة للحالة العربية مع حالة الدول السوفياتية السابقة، لتخلص انه على الرغم من الاختلاف في الوسيلة، فإن النتيجة بين الدول الشيوعية والعربية يبدو انها متشابهة.

يقول بارتلت ان معظم الدول الاشتراكية السابقة لم تعتبر التغيير الدستوري التالي للانهيار السوفياتي امرا خارجا عن المألوف، بل تعاملت معه وكأنه موضوع سياسي يومي، فقامت البرلمانات بإدخال تعديلات على دساتير البلاد القائمة، اما النتيجة، فكانت ان حصرت هذه البرلمانات السلطة التنفيذية بأشخاص، بعضهم بسبب شعبيتهم والكاريزما التي كانوا يتمتعون بها لحظة تعديل الدساتير.

في المحصلة، تنشأ حكومة تتمتع بصلاحيات اكثر من اللازم الى حد يخولها القضاء على الحريات الفردية والعامة شيئا فشيئا، ومن ثم الاستمرار في الحكم والقضاء على مبدأ تداول السلطة. اما المثال الابرز، فلا شك انه يأتي من روسيا فلاديمير بوتين، حيث حول الرئيس الروسي فكرة الدستور والديمقراطية الى صورة كاريكاتورية صارت مثارا للسخرية حول العالم، في وقت يقوم هو وفريقه بالقضاء على معارضيه السياسيين، ومنافسيه الماليين، وكل من يحلو لهم التخلص منه عن طريق السجن او السم او الاخفاء.

اما في الدول العربية، فتمسك التظاهرات الشعبية بالشرعية مؤقتا لاعادة انتاج دستور الدولة ومؤسساتها، وهو امر جائز قانونيا حسب بارتلت. بيد ان النتيجة تنطوي على مخاطر، فمن الذي يحدد من هي القوة الشعبية الثورية، ومن ينطق باسمها؟ وما العمل ان اصرت الحركة الشعبية الثورية على التمسك بالشرعية من دون تسليمها الى برلمان او حكومة؟ وماذا ان قامت هذه الحركة نفسها، او جزء منها، بانتاج سلطة تنفيذية ذات صلاحيات مطلقة واستبدادية، وهو ما يبدو انه يحصل في مصر اليوم.

ويكتب ايفان هيل في مجلة “فورين بوليسي” ان “انتصاراتهم في صناديق الاقتراع اعطت الاخوان المسلمين في مصر جرعة زائدة من الثقة، او ربما العجرفة، وجعلتهم يصدقون الاعتقاد السائد ان المعارضة غير الاسلامية لمبارك هي صغيرة وهامشية، اي انه يمكن التغلب عليها بالاقتراع والتفوق عليها عدديا في الشارع من اجل تنفيذ اجندة الاخوان”.

في هذه الاثناء، تجددت الدعوات في العراق لاستجواب المالكي في البرلمان ونزع الثقة عنه، ما حدا برئيس الحكومة الى التهديد باعتقال من يلجأ الى التصويت ضده. اما في مصر، فعاد الثوار الى ساحة التحرير في خطوة تنذر بأن عودة الديكتاتورية، وان كان عن طريق بعض من الشرعية الشعبية، لن يكون سهلا، على الاقل حتى الآن.

من سيخرج منتصرا من هذه المواجهة؟ تبدو الاجابة حتى الآن في مصلحة “المستبدّين الجدد”، على الرغم من انه قد يكون للمصريين المنتفضين على انقضاض مرسي على الحكم رأيا آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق