الأربعاء، 9 يناير 2013

العدل أساس الحل

حسين عبد الحسين

“هسه إنت ما تعرف اِسمي؟” قال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ردا على سؤال أحد قضاة جلسات محاكمته -وكانت تلك ربما المرة الوحيدة التي بدت على وجه صدام ابتسامة ساخرة- قبل أن يسارع إلى التذاكي على القاضي بالقول، “إذا كنتم لا تعرفوني، لماذا جئتوا بي إلى هنا”. وفي جلسة أخرى من جلسات المحاكمة المتلفزة، قدم الادعاء شاهدا من وراء حجاب. طبعا الخوف على حياة الشاهد من الانتقام ضروري، لكن كان يمكن إظهار وجهه وتقديم حماية دائمة له مقابل شهادته، وإلا ما نفع ما كان يقوله إذا كان من غير الممكن التحقق من هويته علنا؟

تلك المحاكمة كانت جزءًا من منظومة القضاء الهزيل التي قدمها العراقيون لمحاكمة رئيسهم ومساعديه وتاريخهم. وحتى تكتمل المأساة، ظهر فيديو لإعدام صدام وفيه هتافات حزبية، وتحولت العدالة المفروض أنها باسم الشعب العراقي إلى حفلة ثأر حزبية ضد صدام. ولم يكن تنفيذ إعدامات أخرى أفضل حالا، إذ ترافقت غالبا مع فشل تنظيمي وتغطية إعلامية تجاوزت حرمة الموت وشوهت صورة العدالة، مقدمة للعراقيين صورة عراقهم الجديد، التي لم تبد مختلفة عن الذي سبقه، إذ يتقدم الثأر على العدالة، والفشل التنظيمي على ما سواه.

ولأن بعض السوريين يدركون أنهم قد يجدون أنفسهم ذات يوم في موقع كالعراقيين من قبلهم، تنهار فيه مؤسسات دولتهم بأكملها مع نهاية نظامهم ورئيسه بشار الأسد، قامت بعض المجموعات المعارضة بالعمل على إعداد أطر قانونية، تسمح بتحقيق العدالة في المناطق التي تتراخى قبضة النظام فيها وتتحول إلى سيطرة المعارضة ومقاتليها.

كذلك، تأمل هذه المجموعات السورية في تكريس فكرة أن مساعدي الأسد فقط هم من سيُلاحَقون قضائيا بعد انهيار النظام، وفي هذا إشارة قوية على أن الحكم السوري بعد الأسد لن يسعى إلى الانتقام من طائفة العلويين بشكل جماعي، بل سيسعى إلى ملاحقة أشخاص بسبب ما ارتكبوه أثناء وجودهم إلى جانب الأسد. هذا المجهود تقوده “مجموعة الدعم السورية”، وهي مجموعة من الناشطين غالبهم من رجال الأعمال الأميركيين من أصل سوري، ومقرها العاصمة الأميركية.

المعلق الأميركي في صحيفة “واشنطن بوست” التقط محاسن هذا المجهود، وكتب أن “هذه الخطة القانونية الانتقالية هي أفضل فكرة قدمها الثوار السوريون لأنها تعالج ليس دموية الأسد وحسب، بل الخطر الحقيقي في أن تتحول سورية إلى دولة مارقة تعمها الفوضى في وقت تستمر الحرب وتنتشر الكراهية”.

ودعى إغناتيوس الحكومتين الأميركية والبريطانية إلى تبني هذه الخطة، وقال إن “الحكومتين تدعمان أفكارا حول الشفافية والمصالحة عموما، ولكنهما لم تتبنيا أي صيغة محددة في سوريا” حتى الآن. وأرفقت “مجموعة الدعم السورية” مسودة خطتها بالقول إنه “ما لم يُعالج خوف العلويين وتوجسهم كطائفة، فلن تصل سوريا إلى حل بالضرورة مع مغادرة الأسد السلطة، ما سيشكل خطرا كبيرا على استقرار سوريا في المستقبل”.

لا شك في أن جزءا كبيرا من فشل العراق في بناء دولة حديثة يرتبط بفشل القيمين عليه في مرحلة ما بعد صدام بتأسيس مرحلة مبنية على العدالة، وهو ما بدا جليا أثناء محاكمات صدام وصحبه، وفي القضاء الثأري الذي يلاحق مسؤولين عراقيين من دون غيرهم اليوم.

دولة عربية أخرى تعاني بسبب كثرة الجرائم وندرة العثور على المجرمين هي لبنان، وهو الأمر الذي دفع مجلس الأمن إلى إنشاء “المحكمة الدولية الخاصة بلبنان” لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وسياسيين وصحافيين لبنانيين آخرين. لكن المحكمة الدولية تسير ببطء شديد أفقد بعض مؤيديها الثقة بإمكانية وصولها إلى نتائج، ما فاقم من عدم الاستقرار في لبنان، إذ في غياب العدالة، تسيطر عقيدة الثأر والانتقام القبلي.

هكذا، تبدو المحاولة السورية في وضع العدالة ضمن أسس الثورة ضد حكم نظام بشار الأسد فكرة ممتازة، وهو ما دفع أمثال إغناتيوس إلى تبنيها والإشادة بها، ودعوة حكومات العالم إلى تسويقها.

للأسف يبدو أن أصوات مدافع الأسد مازالت، في سوريا اليوم، أعلى من أصوات المشاريع الذكية مثل مشروع “مجموعة الدعم السورية” حول العدالة في مرحلة ما بعد الأسد، لكن لا شك أن السوريين سيجدون أنفسهم، عاجلا أو آجلا، في حاجة إلى مشاريع كهذه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق