الأربعاء، 13 فبراير 2013

هل كانت “الحرب الباردة” باردة فعلا؟

حسين عبدالحسين

“إذا فشلت محاولات الردع، يمكن لاستخدامنا الأسلحة النووية أن يرسل إشارة إلى موسكو إن أميركا مصممة على حماية الخليج”، يكتب مساعد وزير الدفاع لشؤون السياسة العامة بوب كومر في دراسة في ديسمبر (كانون الأول) من العام 1980.
الدراسة جاءت على اثر اجتياح السوفيات لأفغانستان وسقوط الشاه رضا بهلوي، حليف أميركا، وخوف واشنطن من أن تحاول موسكو اجتياح ايران. وتظهر الدراسة أن القوات الروسية كانت توجه صواريخها نحو الخليج، وان الترسانة الروسية كانت تتضمن 152 صاروخا تكتيكيا يمكنها حمل رؤوس نووية، و300 قذيفة مدفعية نووية، و283 مقاتلة قادرة على استخدام قنابل نووية ضخمة.
أما الخطة الأميركية، فكانت تقضي باستخدام القوة النووية المحدودة للتسبب بإغلاق المعابر الجبلية عبر سلسلة زغروس لمنع القوات الروسية من التقدم، ثم قصف القوات الروسية نوويا في حال دخلت ايران، ثم شن هجوم كامل على القيادة النووية السوفياتية في القوقاز وتدميرها ان اقتضى الأمر. أما خوف اميركا الأكبر، فكان من أن تؤدي مواجهة من تلك النوع الى حرب نووية شاملة بين البلدين.
في إيران 1980، كما في أزمة صواريخ كوبا 1962، وأزمات أخرى حول العالم، تصبب كل من الأميركيين والسوفيات عرقا، مرارا، خوفا من القيام بخطأ حسابي يؤدي الى اندلاع مواجهة نووية مميتة بينهما. صحيح انه كان بين العاصمتين “خطا ساخنا” لتدارك أي تصعيد ووقفه قبل اندلاع حرب نووية، الا أن ذلك لم يمنع من وقوع مباريات “عض أصابع” بين الجبارين.
تلك كانت “الحرب الباردة”، والتي حتى لو كان اسمها يشي بأنها كانت بليدة ومملة، لكنها في الواقع كادت تتحول ساخنة مرات عديدة.
تلك الحرب التي كانت مبنية على “سياسة الردع” بين الطرفين، وعلى سياسة أميركا القاضية بـ”احتواء” الخطر السوفياتي بدلا من مواجهته مباشرة، هي النموذج التي يقترح كثيرون استعادته في تعامل واشنطن، والمجتمع الدولي عموما، مع إيران، اي السماح لطهران بانتاج أسلحة نووية، ومن ثم “ردعها”.
والمفارقة أن كبار الدعاة الى “حرب باردة” بين العالم وإيران كانوا من قياديي “الحرب الباردة” في واشنطن، من أمثال مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريزينسكي، وهم يعلمون، أكثر من غيرهم، ان تلك الحرب لم تكن باردة جدا.
و”ردع” أو “احتواء” ايران النووية يصبح أكثر تعقيدا بسبب ضيق المساحة الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط.
ففي حالة أميركا وروسيا، يأخذ الصاروخ الباليستي النووي العابر للقارات قرابة 45 دقيقة لبلوغ هدفه، وهو ما يعطي الدفاع وقتا كافيا للتنبه واطلاق صواريخ نووية بالاتجاه المعاكس، ما يعني انه لو بادر الروس مثلا إلى تسديد الضربة النووية الأولى لأميركا، لكانت أميركا قادرة على الرد بضربة مثلها، وهذا اساس “مبدأ الردع”.
كذلك كان يمكن للروس، أو الأميركيين، التراجع عن هجومهم فيما صواريخهم في الجو في مدة الـ45 دقيقة، وتغيير توجيه هذه الصواريخ النووية الى المحيطات بدلا من ذلك.
أما في حالة ايران، فلو فرضنا أنها أو إسرائيل أرادت تسديد الضربة النووية الأولى، فإن الصاروخ يصل الى هدفه في أقل من سبع دقائق، ولو اعتبرنا أن أي دولة خليجية اقدمت على اقتناء صواريخ نووية لردع ايران، فإن المدة ستكون اقصر من ذلك، ما يعني ان لا وقت لتغيير الهدف، وان العصبية ستكون زائدة، لأنه لن يكون هناك متسع من الوقت لمبادلة الضربة الايرانية بضربة معاكسة، ما يعني أن التوتر سيكون أكبر، وأن الاصبع على زناد الأسلحة النووية سيكون اكثر اضطرابا، خصوصا في منطقة لا تنتهي فيها المواجهات الساخنة اليومية.
إن “الحرب الباردة” بين اميركا وروسيا لم تكن على ذلك القدر من البرودة، ولا شك أن محاولة تبني حرب نووية مشابهة في الشرق الأوسط ستكون اصعب واكثر عرضة للتسبب بدمار شامل، وهو ما يجعل من فكرة حصول نظام ايران على أسلحة نووية، ثم “ردعها” فيما بعد، فكرة لا تلقى استحسانا لدى الكثيرين من الخبراء الاستراتيجيين حول العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق