الخميس، 28 فبراير 2013

«حزب الله» من الصفوف الخلفية إلى صدارة «المجموعات الإرهابية» في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كان «مسؤول مكافحة الارهاب» في وزارة الخارجية الاميركية السفير دانيال بنجامين في خضم لقائه مع نظرائه السوريين في دمشق في فبراير 2010، كجزء من «سياسة الانخراط» مع نظام بشار الاسد، عند دخول ضابط رفيع المستوى وقف له الحاضرون. «علي مملوك»، قدم احد المشاركين الضابط المذكور. 
تفاصيل اللقاء، الذي شهد مشاركة غير متوقعة من «مدير امن الدولة» السوري في حينه، ظهرت الى العلن في برقية ديبلوماسية سرية الى واشنطن، كشف عنها موقع «ويكيليكس» في ما بعد، وورد فيها ان مملوك قال للزائر الاميركي ان بلاده لطالما كانت «اكثر نجاحا من الولايات المتحدة والدول الاخرى في المنطقة في مكافحة الارهاب لاننا لا نهاجمهم ونقتلهم فورا، بل نخترقهم، ولا نتحرك الا في اللحظة المناسبة».
طبعا لم يكن بنجامين يتصور ان نجاح مملوك الباهر يعني ان نظام الاسد سيستخدم مقاتلات «ميغ» وصواريخ «سكود» لقتل اكبر عدد ممكن من معارضي استمرار حكم الاسد. ولم يكن بنجامين يتصور كذلك ان الرجل نفسه الذي كانت واشنطن تسعى الى التعامل معه من اجل «مكافحة الارهاب» سينتهي به المطاف على لائحة «الارهابيين» المطلوبين في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
حتى في لبنان، اصدر القضاء مذكرة توقيف بحق مملوك بتهمة تزويده الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بعبوات لاستهداف شخصيات سنية في شمال لبنان بهدف اثارة النعرات وإشعال الاقتتال الطائفي. 
منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، انقلبت الصورة. سماحة اصبح في السجن، ومملوك نال ترقية ليخلف هشام بختيار، الذي قضى في تفجير قام به الثوار، «رئيسا لمكتب الامن القومي» لنظام الاسد. اما بنجامين، فخرج من الوزارة مع خروج الوزيرة هيلاري كلينتون.
في السنوات الثلاث الماضية، الصورة انقلبت في واشنطن كذلك. 
عندما التقى بنجامين مملوك، لم يتطرق المسؤول الاميركي، خريج جامعة هارفرد المرموقة والمتخصص في شؤون التطرف الاسلامي وخصوصا في باكستان وافغانستان، الى مجموعات تعتبرها واشنطن ارهابية، مثل «حزب الله» اللبناني. سلم بنجامين مملوك لائحة من الاسماء لـ «ارهابيين» مطلوبين للولايات المتحدة ينتمون الى «تنظيم القاعدة» او التنظيمات التابعة له.
قبل العام 2011، كان للارهاب في واشنطن مذهب واحد، وكان امثال سماحة يقودون حملة اعلامية لاقناع اميركا والغرب ان كل اتباع هذا المذهب، أكانوا متطرفين او معتدلين، هم ارهابيون، وان مصلحة الغرب هي في التعاون مع الاسد، وربما ايران و«حزب الله»، للقضاء عليهم.
في العام 2007، في خضم المواجهة بين الجيش اللبناني و«تنظيم فتح الاسلام» في مخيم اللاجئين الفلسطينيين «نهر البارد» في شمال لبنان، نشرت مجلة «نيويوركر» الرصينة مقالا للكاتب سيمور هيرش نقل فيه عن العميل السابق في الاستخبارات البريطانية اليستر كروك قوله التالي: «قيل لي انه في غضون 24 ساعة (علي قيام تنظيم فتح الاسلام)، توالت عليهم عروض المال والتسليح من اشخاص قدموا انفسهم كممثلين لمصالح الحكومة اللبنانية، افتراضا حتى يشنوا حربا ضد حزب الله».
هذا التصريح تلقفه مسؤولو «حزب الله» وحلفاؤهم اللبنانيون لاتهام رئيس حكومة لبنان في حينه فؤاد السنيورة، ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية في ذلك الحين سعد الحريري، بدعم «التطرف الاسلامي في لبنان»، وتم تداول مقالة هيرش على نطاق واسع في لبنان والعواصم الغربية.
وفي وقت لاحق، تبين ان هيرش كان من اصدقاء سماحة، الذي قدمه الى كروك الذي يدير مركزا للابحاث في بيروت مقربا من «حزب الله»، وان التقرير كان جزءا من عملية اعلامية محكمة يقودها سماحة، العامل بامرة مملوك، وحليف «حزب الله».
لكن الثورة السورية قلبت الصورة في سورية ولبنان، كما في واشنطن.
اول من امس، تصدرت الصفحة الاولى لصحيفة «واشنطن بوست» مقالة اعتبرت ان «حزب الله» يعمل على توسيع نشاطاته للقيام بهجمات في عواصم غربية، ووردت فيها تفاصيل التحقيقات القبرصية مع عضو الحزب الموقوف حسام يعقوب. كما تطرقت المقالة الى امكانية مشاركة الحزب بتفجير بلغاريا، وموضوع موافقة الاتحاد الاوروبي على وضع الحزب على لائحة التنظيمات الارهابية بعد سنوات طويلة من مقاومة الضغط الاميركي في هذا الشأن.
وقبل اسبوع، نشرت مجلة «نيويوركر» نفسها مقالة حملت عنوان «ان سقط نظام الاسد، هل يمكن لحزب الله الاستمرار؟».
هذه المرة لم يتمكن سماحة المسجون من التأثير في ما تنشره المجلة الاميركية، او مقالها الذي كتبه ديكستر فيلكنز، الذي اجرى مقابلة مع مسؤول عسكري في «حزب الله»، واطلق عليه اسما مستعارا هو داني. 
يقول فيلكنز ان «امكانية غالبية سنية او حتى نظام اصولي، يأتي الى الحكم في سورية بدت مرعبة الى درجة ان داني بدا وكأنه صار يؤيد اسرائيل». يقول داني، حسب فيلكنز، «اذا ما استولى السنة على سورية، فسوف نقاتلهم في بيروت».
وينقل فيلكنز عن امل سعد غريب، التي كانت تقدم نفسها في الماضي القريب على انها باحثة محايدة وتعمل مع «مركز ابحاث كارنيغي» الاميركي في بيروت، قولها: «اذا ما فازوا ورحلت حكومة الاسد، فاتصور انهم سيحاولون نزع سلاح حزب الله». وتضيف سعد غريب، التي يصفها فيلكنز بالكاتبة المقربة من قادة «حزب الله»، ان الحزب «سوف يضطر الى الدفاع عن نفسه».
في هذه الاثناء، شارك السفير بنجامين في لقاء حواري في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» اعتبر خلاله ان نشاط «حزب الله» خارج الشرق الاوسط وصل الى مراحل غير مسبوقة منذ التسعينات. وقال بنجامين ان هذا الحزب «لا يقوم بهجمات متفرقة، بل متورط حاليا في حملة ارهابية» من اجل «تحذير الغرب ضد قيامه بأي تدخل عسكري في ايران».
واوضح بنجامين: «حزب الله يعتقد اننا اصلا في صراع، ولكنهم يريدون ان يوصلوا الينا رسالة عما يمكنهم القيام به في حال تطور الصراع».
اذا الصورة في واشنطن تغيرت جذريا في السنوات القليلة الاخيرة. اللوبي الذي كان يقوده سماحة داخل العاصمة الاميركية تضعضع. كروك، الذي زار اميركا مرارا لتسويق كتابه ونظريته القائلة بضرورة تحالف اميركا مع «محور الشمال» المؤلف من ايران والعراق وتركيا وسورية ولبنان، لم يعد مرحبا به. هيرش منشغل عن الشرق الاوسط بنقاشات مع اميركيين حول شؤون داخلية يعقدها بشكل شبه يومي في فندق «تابارد ان» حيث يتناول فطوره، في وقت انتقل صديقه الآخر، سفير الاسد السابق في اميركا عماد مصطفى، الى الصين.
اشياء كثيرة تغيرت في سنوات قليلة، وتقدم «حزب الله» من الصفوف الخلفية للتنظيمات الارهابية الى الصدارة. ترى لو قيض لبنجامين لقاء مملوك مرة اخرى، فهل كان سيطالبه بالتعاون لمواجهة الحزب اللبناني هذه المرة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق