الجمعة، 1 مارس 2013

الصحافي الذي أطاح نيكسون ينقضّ على أوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أن يتكلم أي من مسؤولي ادارة الرئيس باراك اوباما بعصبية مع احد الاعلاميين هو أمر مألوف ويتكرر بين الحين والآخر. لكن أن يعلو صراخ مستشاره للشؤون الاقتصادية جين سبيرلينغ، اثناء مكالمة هاتفية مع الصحافي بوب وودوارد، يعقبها ايميل يكتب فيه سبيرلينغ لوودوارد «اعتقد انك ستندم على المزاعم التي ستطلقها» هو أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام في واشنطن.
وودوارد هو الصحافي الذي كشف عن قيام موظفين تابعين للبيت الابيض بمحاولة الدخول خلسة الى مقر لجنة الحزب الديموقراطي للانتخابات في مبنى ووترغايت، في يونيو من العام 1972، في محاولة لسرقة ملفات انتخابية وزرع اجهزة تنصت. تلك العملية التي تحولت الى فضيحة اعطت اسم «غيت» لكل الفضائح التي تلتها، اجبرت ريتشارد نيكسون على الاستقالة تحت طائلة اجبار الكونغرس له على الخروج من الحكم. 
أما المسؤول الاول عن الاطاحة بنيكسون فكان وودوارد، النجم الصاعد حينذاك في صحيفة «واشنطن بوست»، والذي ما زال يعمل في صفوف الصحيفة نفسها، وتتمتع تقاريره حول خبايا الادارات المتعاقبة، والتي يقدمها الى العلن بين الحين والآخر، بمصداقية كبيرة. 
هذه المرة، صادفت ان وودوارد كان في صدد تأليف كتاب حول المفاوضات بين قادة الكونغرس الجمهوريين والرئيس الديموقراطي اوباما، الصيف الماضي، حول رفع سقف الاستدانة، مع تهديد الجمهوريين بحجب كل التمويل عن الحكومة واغلاقها تماما. 
وقتذاك، توصل الطرفان الى اتفاق قضى بموافقة الجمهوريين على رفع سقف الدين العام، في مقابل تقليص النفقات الحكومية، وتحت طائلة فرض تقليص الزامي وعشوائي على مصاريف الحكومة، بواقع ترليون و200 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، في حال فشل الطرفان في الاتفاق على بنود الموازنة التي سيطولها التقليص. 
فشل الطرفان في تحديد أي بنود سيطولها التخفيض، ما ادى الى تبني «التقليصات التلقائية»، التي كان يفترض ان تدخل حيز التنفيذ مطلع هذا العام، ولكن تم تأجيل بدء العمل بها حتى اول من امس.
في هذه الاثناء، اخذ الاقتصاديون من الديموقراطيين والجمهوريين يحذرون من مغبة التقليصات العشوائية وتأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي وعلى جهوزية القوات المسلحة الاميركية. وشنت ادارة اوباما حملة اعلامية شاملة في محاولة لالقاء اللوم على الجمهوريين لفرضهم خفض النفقات، ولاقناع الكونغرس باعادة النظر بها.
لكن وودوارد، وهو المعروف بميله نحو الديموقراطيين سياسيا، تصدى لادارة اوباما بالقول ان «التقليصات التلقائية» كان في الواقع فكرة اوباما لا الجمهوريين، وهو ما يلقي بأي تبعات سلبية على عاتق الادارة لا الجمهوريين.
هنا استشاطت ادارة اوباما غضبا، وحاول الناطقون باسمها التقليل من مصداقية وودوارد وادعاءاته، لكن الاخير كان على تواصل مع كبار المسؤولين في الادارة طالبا منهم التعليق على ما جمعه من معلومات حول مفاوضات التقليصات، وتقديم الدلائل التي تضحض ما يقوله.
ويوم الجمعة 22 فبراير، اتصل وودوارد بسبيرلينغ هاتفيا ليعلمه انه سينشر مقالا في «واشنطن بوست» يوم الاحد يلقي به اللائمة على الادارة، فما كان من الاخير الا ان بادر الى «الصراخ لمدة نصف ساعة»، ثم ارسل ايميلا ليعتذر عما بدر منه، ويتابع الحوار بالقول ان التقليصات التلقائية «كانت مصممة لاجبار الجميع على العودة الى الطاولة للنقاش في مواضيع تقليص نفقات المكتسبات الاجتماعية وزيادة المداخيل».
لكن سبيرلينغ اضاف: «يمكن اننا لن نتفق في هذا الموضوع، ولكني اعتقد انك ستندم اذا ما قمت بهذا الادعاء».
كلمة «ستندم» هذه اثارت عاصفة اعلامية في وجه اوباما وادارته، ودفعت الوسائل الاعلامية المختلفة، ديموقراطية وجمهورية، الى استنكار ما اعتبرته تهديدا معنويا للصحافة. كما ادت الحادثة الى حملة تقييم كامل لتعاطي الادارة مع الاعلام، ليتم التوصل الى نتيجة مفادها ان افراد هذه الادارة متعجرفون، وبعيدون عن الاعلاميين، ولا يقبلون النقد. 
وقال وودوارد في لقاء مع صحافيين: «ستندم... ولو... اعتقد ان اوباما نفسه لو رأى كيف يتعاطون معنا لقال مهلا، لا نقول لاي مراسل انك ستندم ان تحديت وجهة نظرنا». واضاف الصحافي المعروف: «عليهم ان يكونوا مستعدين للعيش في العالم الواقعي حيث يتم تحدي اقوالهم». 
وتابع وودورد: «لقد اشتبكت مع كثيرين من المسؤولين (في حياتي)، ولكن لنفرض ان هناك مراسلا حديث العهد ولديه سنتان فقط، او عشر سنوات خبرة، ويرسل له البيت الابيض ايميلا يعلمه فيه انه سيندم على ما سيكتبه». وختم: «تعلمون ما سيحصل للمراسل الحديث العهد... يرجف، يرجف... لا اعتقد ان هذه طريقة تعاطي مقبولة».
وتفاعلت قضية وودوارد اعلاميا، وحاول بعض المؤيدين للادارة القول ان وودوارد اثار المواجهة بهدف الشهرة، ولكن تبرير من هذا النوع بدا انه يصعب تصديقه بحق واحد من اشهر صحافيي الولايات المتحدة. 
وفي وقت لاحق اطل وودوارد عبر البرامج التي يقدمها جمهوريون معروفون من امثال شون هانيتي على شبكة «فوكس» اليمينية، وبدا ان الصحافيين الاميركيين قاموا بتجاوز الانقسامات الحزبية وابدوا وحدة في المواجهة التي تخوضها السلطة الرابعة مع السلطة الاولى، والتي تبدو فيها الاخيرة خاسرة حتى الآن وفي موقف محرج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق