الثلاثاء، 26 مارس 2013

الخطوط الحمر والأيام المعدودة

حسين عبدالحسين

“لا يمكنه ان يكون خطا زهريا، ولا خطا متقطعا، ولا يمكنه ان يكون خطا وهميا”. بهذه الكلمات وصف رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس الجمهوري مايك روجرز الخط الاحمر الذي رسمه الرئيس باراك اوباما لنظام بشار الاسد، في اكثر من تصريح، وحذره من تجاوزه تحت طائلة عمل عسكري اميركي او عالمي للرد على امكانية استخدام الاسد لاسلحة كيماوية ضد السوريين.

واضاف روجرز، في مقابلة مع محطة “سي بي اس” شبه الرسمية والمعروفة برصانتها، انه يعتقد ان قوات الاسد استخدمت فعلا السلاح الكيماوي بكميات صغيرة، ودعا ادارة اوباما الى القيام بعمل عسكري “لتعطيل قدرتهم على استخدام المزيد من الاسلحة الكيماوية”. وقرن روجرز اقواله بافعال، فعمد الى تقديم مشروع قانون في الكونغرس حمل عنوان “قانون تحرير سوريا للعام 2013″ دعا فيه الحكومة الاميركية الى تسليح الثوار السوريين ومساعدتهم على الاطاحة بنظامهم وعلى الاستعداد لمرحلة ما بعد الاسد الانتقالية.

اليوت انغل، وهو عضو في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، تبنى تقديم مشروع القانون كذلك لاضفاء صبغة غير حزبية عليه.

الا ان انغل كرر التصريحات التي دأب على الادلاء بها مسؤولون في ادارة اوباما منذ اندلاع الثورة في سوريا، منتصف مارس من العام 2011. قال انغل ان “ايام الرئيس الاسد اصبحت معدودة فيما الوضع في سوريا يتجه من سيئ الى اسوأ”.

على ان الحديث الاميركي الفارغ عن “ايام الاسد المعدودة” لا يقل استهتارا عن تهديدات اوباما للنظام السوري ورسمه الخطوط الحمر له في حال قيامه باستخدام الاسلحة الكيماوية.

وفيما “ايام الاسد المعدودة” انقلبت من اسابيع الى اشهر الى سنتين على الاقل، كذلك خطوط اوباما الحمر صارت فعليا “زهرية ومتقطعة ووهمية”، على حسب تعبير روجرز، خصوصا بعد تواتر الانباء عن قيام قوات الاسد بهجوم كيماوي محدود ضد السوريين هو الثالث من نوعه.

وأخيرا اضاف اوباما الى ألعاب واشنطن الكلامية تعبيرا آخرا عندما حذر الاسد من ان اي استخدام للاسلحة الكيماوية سيكون بمثابة “تغيير لقواعد اللعبة”، اي انه سيدفع اميركا على التدخل عسكريا وحسم الوضع لمصلحة الثوار.

لكن كل التهديد والوعيد الاميركي، من خطوط حمر وايام معدودة وتغيير في قواعد اللعبة، يبدو انها من قبيل الالعاب الكلامية لا غير، اذ تجاوز عدد القتلى السوريين السبعين الفا، ولا يبدو ان الرئيس الاميركي مستعد للقيام بأي خطوات فعيلة لتغيير الوضع سريعا، وهذا ما ظهر جليا في تقرير اعدته صحيفة “واشنطن بوست” وتحدثت فيه الى مسؤولين عسكريين اعربوا صراحة عن عدم جاهزية القوات الاميركية للقيام بأي عمل لاحتواء الترسانة الكيماوية السورية.

الشهر الحالي يصادف الذكرى العاشرة لبدء الحرب الاميركية في العراق. وبالمناسبة، امتلأت الصحف الاميركية بالمقالات التي تمحورت حول عنوان وحيد هو “الدروس التي تعلمتها اميركا في العراق”.

لكن اداء واشنطن في سوريا يشي بأن الولايات المتحدة لم تتعلم اي دروس من العراق، اذ لا شك ان احدى ابرز سمات القوة العظمى هي الحكمة في استخدام القوة، لا الافراط بها كما حدث في العراق، ولا تقنينها بشكل غير مبرر كما في سوريا.

كذلك من سمات القوة العظمى الحفاظ على مصداقيتها، فكذبة الاسلحة الكيماوية في العراق لا تقل شأنا عن الكلام الفارغ حول “الخطوط الحمر والايام المعدودة” للأسد.

ان عظمة اي امبراطورية لا تكمن فقط في اساطيلها وجيوشها، بل في حكمتها في استخدام القوة التي تملكها، ومصداقية كلمتها ووعودها، ما يعني ان على اميركا ان تدرك ان دولة بامكاناتها ومكانتها ونفوذها لا يمكنها ان تتأرجح بين الاستخفاف، كما في العراق، والثرثرة، كما في سوريا، من دون ان يؤدي ذلك الى المزيد من التأزيم في عالم لا يحتاج الى المزيد من الازمات ابدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق