الثلاثاء، 26 مارس 2013

«أميركا الجديدة»: مصالح واشنطن في سورية متضاربة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تسيطر الحيرة على الرئيس باراك اوباما وفريقه في موضوع سورية، فالخيارات الممكنة قليلة، ومعظمها ليست في مصلحة الولايات المتحدة. ابرز طرفي المواجهة هما اعداء اميركا: الرئيس بشار الاسد وايران من جهة، والثوار المتطرفون اسلاميا وتنظيم «القاعدة» من جهة اخرى. 
ربما الادارة الحالية كانت تتمنى لو انه كان ممكنا خسارة الاثنين في سورية، ايران و«القاعدة»، او تقدم طرف ثالث غيرهما للفوز. لكن رؤية الفريق الاميركي الحاكم متشائمة، وتعتقد ان الخيار الافضل هو تسليح الثوار سرا كما يحصل منذ فترة، والمراوحة في انتظار تغيرات يمكن ان تأتي يوما ويمكن لاميركا التعويل عليها. 
هذه النظرة تنعكس في دراسة صدرت عن مركز ابحاث «اميركا الجديدة»، وجاء فيها ان الوضع في سورية سيبقى على ما هو عليه: «شديد العنف وغير مستقر في المستقبل المنظور».
والمركز هو واحد من اكثر المراكز قربا الى الفريق الرئاسي الحالي. اما مؤلف الدراسة، بريان فيشمان، فمستشار سابق للين ووزلي. 
ووزلي هي من الحزب الديموقراطي وكانت تقاعدت من الكونغرس قبل شهرين، وكانت من القلائل ممن صوتوا ضد حرب العراق العام 2003. 
ويقدم فيشمان ستة بنود يعتبر انها تمثل المصالح الاميركية، وهي «الحد من الخسائر البشرية»، و«منع تحول سورية الى مناطق آمنة لتنظيم القاعدة والتنظيمات الاسلامية المتشددة الاخرى»، و«مجابهة النفوذ الايراني»، و«تفادي استخدام اسلحة كيماوية وبيولوجية»، و«تفادي انتشار الاسلحة الكيماوية والبيولوجية»، و«الحد من عدم الاستقرار الاقليمي». ثم يقدم فيشمان ستة سيناريوات يعتبرها اما «مرغوبة» او «ممكن حدوثها» في سورية. ويقارن الخبير الاميركي كل واحد من السيناريوات حسب تأثيره على المصالح الاميركية الست التي حددها، ثم يعمد الى اجراء حساب لمعدلات الدرجات التي يمنحها لكل منها، ليخلص الى تصنيف هذه السيناريوات من الافضل الى الاسوأ.
افضل السيناريوات، حسب الدراسة، هو التوصل الى حل سياسي عبر مفاوضات بين الثوار وعناصر من نظام الاسد تفضي الى خروج الرئيس السوري من الحكم واستبداله بحكومة انتقالية تقود البلاد الى المرحلة المقبلة. الا ان فيشمان يعتبر ان هذا السيناريو هو الاقل واقعية، ما يجبر الولايات المتحدة على ضرورة البحث عن خطة بديلة تكون اكثر قابلية للتنفيذ.
ثاني افضل السيناريوات، يقول فيشمان، هو فرض الامم المتحدة وقف نار على الاطراف المتنازعة داخل سورية، وهو ما يتطلب فرض «حظر جوي» واقامة «مناطق عازلة» وربما مشاركة قوة حفظ سلام دولية. ويضيف فيشمان ان هذا السيناريو يتطلب «دعم الجامعة العربية، وموافقة من روسيا والصين في الامم المتحدة، ما يجعل حدوثه غير ممكن».
ثالث افضل سيناريو، حسب الخبير الاميركي، هو «انتصار الاسد... وهو امر يعتبره كثيرون غير ممكن، ويعتبره معظم المعنيين انه حل ملعون، لكنه مع ذلك نتيجة محتملة للحرب الاهلية في سورية». ويكتب فيشمان ان «انتصار الاسد يهز الضمير، ويهدد مصداقية المؤسسات الدولية والولايات المتحدة في الشرق الاوسط... لكن لا يمكن شطبه من الحسبان نهائيا». 
ويتابع فيشمان ان «قوات الاسد مازالت اكثر تطورا عسكريا من الثوار»، و«تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من ايران»، وهناك سوابق لانظمة استخدمت العنف المفرط وبقيت في الحكم، مثل «صدام حسين الذي استخدم الاسلحة الكيماوية ضد الكرد العام 1988، وسحق انتفاضة الشيعة في مطلع التسعينات، واستمر في حكمه لعقد من الزمن رغم فرض اميركا لمناطق حظر طيران عليه».
وحسب النموذج الحسابي الذي يقدمه الخبير الاميركي، يتساوى سوءا سيناريوان هما «فوز الثوار» او «قيام تحالف الاطلسي بالاطاحة بالاسد». ففوز الثوار، يقول فيشمان، «يساهم في شكل اساسي في القضاء على النفوذ الايراني تماما في سورية، وربما يقلص من امكان انتشار الصراع اقليميا، لكنه يأتي بتكلفة بشرية مرتفعة، ويقدم لـ «القاعدة» مناطق آمنة، ويمكن ان يؤدي اما الى استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية، وإما الى وصولها الى ايدي الثوار، خصوصا المتطرفين منهم. اما التدخل الدولي، مثل تحالف الاطلسي، فمن شأنه ان يقلل من الخسائر البشرية، وان يقلص من نفوذ ايران الى حد كبير»، وان «يعطل امكانية انشاء المتطرفين الاسلاميين لمناطق نفوذ آمنة، لكنه يهدد في شكل كبير استقرار المنطقة عموما، ويدفع الاسد الى استخدام الاسلحة الكيماوية بشكل شبه مؤكد». 
ختاما، يعتبر فيشمان السيناريو الاسوأ، والارجح حدوثا، هو استمرار النزاع المسلح، وتقاسم الاسد والثوار الاراضي السورية في شكل يشبه كثيرا الشكل القائم. 
هذا السيناريو يضمن استمرار النفوذ الايراني وفي الوقت نفسه يقدم مناطق نفوذ آمنة للمتطرفين الاسلاميين. كذلك، يؤدي هذا السيناريو الى حرب طويلة والى وقوع اكبر عدد من الخسائر البشرية، مع احتمال دائم لامكان استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية، او لانتشارها عبر وقوعها بيد الثوار. كذلك، يساهم هذا السيناريو في اطالة امد الانقسام الاقليمي، وتاليا يهدد باتساع رقعته الى دول مجاورة لسورية.
على ان فيشمان يعتقد انه من وجهة النظر الاميركية، ومقارنة التكلفة مع النتيجة ومع المحافظة على اكبر كمية ممكنة من المصالح، افضل سياسة يمكن للولايات المتحدة انتهاجها تقضي باستمرارها بتسليح «محدود وسري» للثوار، وتأكيد ان المجموعات التي تتسلم الاسلحة هي الاقل تطرفا، وتشديد العقوبات الديبلوماسية والاقتصادية على الاسد ونظامه، و«مساعدة الثوار على الانتصار»، مع ان السيناريو الارجح في المدى المتوسط هو ما يشبه التعادل وتقاسم النفوذ داخل سورية بين الثوار وبين قوات الاسد واستمرار «العنف الشديد وعدم الاستقرار في المستقبل المنظور».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق