الأربعاء، 21 أغسطس 2013

مسؤول أميركي: واشنطن أخّرت موعد انقلاب مصر وحاولت تفاديه

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يروي مسؤول اميركي رفيع معني بالسياسة الخارجية في ادارة الرئيس باراك أوباما ان مسؤولا خليجيا اتصل به في ديسمبر من العام الماضي، طالبا عقد لقاء طارئ. ويضيف المسؤول الاميركي، في جلسة خاصة، ان نظيره الخليجي «حذّر بشدة من محاولة الاخوان المسلمين في مصر تمرير دستور يجعلهم ينفردون في الحكم حتى اشعار آخر». وتابع المسؤول الخليجي ان «الاخوان يفعلون ذلك بغطاء من واشنطن».
حتى ذلك التاريخ، كانت واشنطن تعتقد انها اظهرت ما تسميه احتراما لرغبة اكثرية المصريين بوقوفها الى جانبهم في اطاحتهم بالرئيس السابق حسني مبارك. كما عمدت الى محاولة البقاء خارج عملية التغيير المصرية، وحاولت بناء علاقة ايجابية مع حكام مصر الجدد، بمن فيهم «الاخوان المسلمين»، الذين راحت وفودهم تصل العاصمة الاميركية وتلتقي كبار المسؤولين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.
تحسن العلاقة بين واشنطن و«الاخوان» بلغ ذروته مع اندلاع حرب غزة في خريف 2012، اذ لم تكد الهدنة بين الفلسطينيين والاسرائيليين تدخل حيز التنفيذ في 21 نوفمبر من العام الماضي، حتى نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا حمل عنوان «الرئيس المصري وأوباما ينشآن علاقة» خلال عملية المفاوضات التي ادت الى التوصل الى اتفاق في غزة. واوردت الصحيفة الاميركية ان «بيانات اتصالات البيت الابيض تظهر ان السيد أوباما تحدث الى السيد مرسي ثلاث مرات في 24 ساعة، وست مرات في بضعة ايام، وهي كمية من الوقت غير اعتيادية لحديث (اوباما) مع اي رئيس». واضافت ان «أوباما قال لكبار مساعديه انه اعجب بالثقة والواقعية التي ابداها مرسي». 
بدوره، لم يكد مرسي يطمئن الى اقامة علاقة متينة بالرئيس الاميركي حتى اصدر في اليوم التالي لبدء الهدنة، اي في 22 نوفمبر، مرسوما وسّع بموجبه صلاحياته، وحاول اخراج القضاء المصري من عملية مراقبة كتابة الدستور.
ولاشك ان التقارب بين اوباما ومرسي، بسبب احداث غزة، اثمر دعوة البيت الابيض للرئيس المصري الى زيارة تم اقرار موعدها في 17 ديسمبر، ووصل، المسؤول في تنظيم «الاخوان» مستشار مرسي عصام الحداد، العاصمة الاميركية في الاسبوع الاول من ديسمبر للاتفاق على تفاصيل الزيارة، في الاسبوع نفسه الذي قدمت فيه «لجنة الدستور» في مصر مسودتها الى مرسي، الذي سارع الى اعلان موعد الاستفتاء في منتصف الشهر المذكور.
يقول المسؤول الاميركي: «قال لي (المسؤول الخليجي) يومها ان الاخوان يختبئون خلف علاقتهم الجيدة المستحدثة مع اميركا، وانهم ينوون المصادقة على دستور يجعل من مصر دولة اسلامية هم حكامها حتى اشعار آخر». ويتابع المسؤول: «كذلك، سمعت من ضيفي انهم على اتصال بالجيش المصري، وان الجنرال الذي اختاره حسين طنطاوي خلفا له في قيادة الجيش، وهو ضابط لم يكن بلغ الستين من العمر ويدعى عبدالفتاح السيسي، مستعد للتحرك والاطاحة بحكم مرسي».
دفعت التحذيرات الخليجية، نهاية العام الماضي، واشنطن الى اعادة تقييم موقفها من مرسي و«الاخوان»، وكانت اولى اشارات اعادة التقييم هذه الغاء زيارة مرسي المقررة لاسباب، كان اقل ما يقال فيها انها واهية، اذ علل المسؤولون الاميركيون قرارهم بانشغال البلاد باجراءات مهرجان القسم الرئاسي لولاية ثانية، والذي انعقد بعد شهر من موعد زيارة مرسي التي كانت مقررة.
وخلال النصف الاول من العام الحالي، عمدت واشنطن - خصوصا عبر سفيرتها في القاهرة آن باترسون - الى محاولة التقريب بين وجهات نظر اصدقائها المصريين الجدد، اي «الاخوان»، وعرّابيهم في المنطقة مثل تركيا وقطر، من جهة، وبين اصدقائها المصريين القدامى في الجيش المصري وحلفائهم الاقليميين في دول الخليج.
يقول المسؤول الاميركي: «كانت لدينا علاقات ممتازة مع طرفي المواجهات في مصر، اي الجيش والاخوان، كما مع حلفائهم الاقليميين الذين هم حلفاؤنا في الوقت نفسه. لذلك، اعتقدت واشنطن انها في موقع جيد للقيام بوساطة تفضي الى تسوية سياسية والى شراكة في الحكم تتضمن القوى المصرية كافة».
ويلقي المسؤول الاميركي باللائمة على «الاخوان» الذين «لم يبدوا الكثير من المرونة، وكانوا يقفزون الى التحدي في كل مرة ويهددون بالذهاب الى صناديق الاقتراع، ويصرون على التمسك بمواقفهم التي تتضمن تقويض اسس ديموقراطية اخرى مثل الحرية الفردية». واطلق «الاخوان» على رؤيتهم لشكل الحكم الجديد تسمية «ديموقراطية تراعي الخصوصية المصرية».
لم تعجب «ديموقراطية الاخوان» الجيش، وهو ما دفع بالولايات المتحدة الى «ممارسة المزيد من الضغط على الاخوان، وفي الوقت نفسه الطلب من الجيش والسيسي الالتزام بالصبر حتى التوصل الى تسوية»، حسب المسؤول، الذي يعتقد ان محاولات الضغط الاميركية على الطرفين، اي مرسي والسيسي، «ادت الى نتائج عكسية، فتوترت علاقاتنا مع الاثنين، ولم يعد اي منهم يستمع الى نصائحنا». ويضيف ممازحا: «الا ترون اليوم كيف تعبر الاطراف المصرية المختلفة عن حبها المستمر لنا؟».
هكذا، يروي المسؤول الاميركي انه بعد قرابة ستة اشهر من الوساطات التي شاركت فيها اميركا، انفلتت الامور من ايدي الساعين الى تسوية، «وكان لابد من مواجهة، مازالت مستمرة، يخوضها الطرفان، بدعم من دول اقليمية تتواجه في الموضوع المصري، مع انها متفقة ومتحالفة في اماكن اخرى مثل في سورية».
يختم المسؤول الاميركي: «واشنطن أخّرت موعد انقلاب مصر وحاولت تفاديه، واليوم نحاول السير على السور حتى لا نقع، فلدينا مصالح مع الجانبين، ما يجعل خيارنا الانحياز الى طرف دون آخر عملية صعبة ومعقدة، وما يدفعنا الى تفاديها بما أوتينا من قوة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق