الخميس، 15 أغسطس 2013

سنودن ينتهك الحدود الدولية

حسين عبدالحسين

يوم الاثنين العاشر من كانون الاول/ ديسمبر الماضي، وفيما كان فريق الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في البيت الابيض ينتظر وصول نسخة قانون الغاء "تعديل جاكسون-فانيك" و"تطبيع العلاقة التجارية مع روسيا" حتى يوقعه ، بعدما صادق عليه مجلس الشيوخ، قبل ذلك بأيام، ومجلس النواب، قبله بشهر، وردت اتصالات من عدد من المعنيين بالشأن الروسي طالبين تحديد مواعيد مع بعض كبار العاملين في الفريق الرئاسي.

"نطلب منكم ان لا يوقع الرئيس هذا القانون"، قال احد المعارضين لالغاء "تعديل جاكسون-فانيك"، والذي تم اقراره منتصف السبعينيات لحظر اقامة علاقات تجارية اميركية مع الدول التي لا تتمتع باقتصاد حر، والتي لا تحترم حكوماتها حقوق الانسان. وأضاف المعارض لاحد مستشاري الرئيس ان على أوباما ان يتذكر ان نظيره الروسي فلاديمير بوتين يسعى لتقويض اميركا وحلفائها حول العالم. وتابع، حسب بعض االمشاركين في الاجتماع، "لدينا مشكلة مع الروس حول الدرع الصاروخية، وحول ملف ايران النووي، وفي سوريا، وحول سجنهم للمعارضين مثل (اليكسي) نافالني، واغلاقهم مكاتب الجمعيات غير الحكومية الاميركية".

رد مستشار أوباما بالقول إن قانون تطبيع العلاقة حاز على اكثرية ساحقة في مجلسي الكونغرس، وإن القانون أُلحق به "تعديل مانياتسكي"، الذي يفرض عقوبات على مسؤولين روس يعتقد انهم ساهموا في موت المحامي الروسي سيرغي مانياتسكي في سجنه في العام 2009، بعدما كشف الاخير عن فساد وتزوير قام به مسؤولون في دوائر الضرائب الروسية.

وعندما لم يقتنع ضيف البيت الابيض، تابع المستشار الرئاسي بالقول إن أوباما "عازم على توقيع القانون ما ان يصل إلى مكتبه في اي وقت هذا الاسبوع".واضاف: "انظر، يمكننا ان نضغط على موسكو من اجل حقوق الانسان وقضايا اخرى، ولكن روسيا تستورد من الصين سنوياً بقيمة 60 مليار دولار، ومنا بقيمة 16 ملياراً، ولا سبب كي نقوم نحن بمعاقبة انفسنا بعرقلة التجارة مع روسيا التي تساهم في خلق وظائف هنا".

ومع نهاية الاسبوع، اي يوم الجمعة الذي صادف في 14 كانون الاول 2012، دخل أوباما مكتبه البيضاوي في الجناح الغربي للبيت الابيض، ووقع قانون"تطبيع العلاقة التجارية مع روسيا". ولأن القانون الاميركي الجديد تضمن عقوبات على مسؤولين روس، انتفضت موسكو، وبادلت واشنطن بادرتها بفرض عقوبات على مسؤولين اميركيين، وبالغاء قانون كان يسمح لعائلات اميركية تبني اطفالاً روس.

وعلى خلفية الخلاف العميق حول احداث سوريا، استمرت الازمة في العلاقة الاميركية - الروسية الى حين اقتراب منتصف حزيران/ يونيو، موعد انعقاد"قمة الثمانية" في ايرلندا، والتي شارك فيها اوباما وبوتين، واعلن البيت الابيض سلفاً نية الرئيس الاميركي لقاء نظيره الروسي. وعندما حاول المشككون لفت نظر اركان الادارة الى الازمة المستمرة مع روسيا، رد المسؤولون بالقول ان "الاجتماعات ليست مكافآت، بل هي فرص لتذليل العقبات وحل الخلافات".

وعُقد لقاء أوباما - بوتين، وبدا الرجلان متشنجين، وفيما خرج بوتين يعبر عن غضبه من اصرار اميركا وحلفائها على تسليح المعارضين السوريين، اطل نائب مستشار الامن القومي، بن رودز، على الصحافيين، على متن الطائرة الرئاسية، ليشيد بالموقف الروسي ويتحدث عن تقارب في وجهات النظر، في ما بدا وكأن ادارة أوباما غير مكترثة للخلافات مع روسيا.

لم يفلح بوتين وشعبويته، والتي يعتقد اميركيون انه يستخدمها لحساباته الشعبية داخلياً، في اثارة حنق أوباما، الذي بدا هادئاُ في كل مرة، الى ان وقع الحدث الفاجعة، من وجهة النظر الاميركية، عندما وصل إلى موسكو ادوارد سنودن، العميل السابق في الاستخبارات الاميركية، والذي كشف للاعلام عن برامج تجسسية ضد الداخل الاميركي والخارج.

هكذا، لا قتلى سوريا، ولا ملف ايران النووي، ولا الدرع الصاروخية في اوروبا الشرقية، ولا فشل اتفاقية تخفيض الرؤوس النووية، كان يمكنها ان تثني أوباما عن استمراره في عقد لقاءاته المتكررة مع بوتين. وحده منح سنودن اللجوء السياسي في موسكو هو الذي اثار حنق الرئيس الاميركي ودفعه الى الغاء قمة كانت مقررة في موسكو على اثر "قمة الدول العشرين"، التي ستعقد في بطرسبرغ في الخامس من الشهر المقبل.

طبعاً، تناسى أوباما وفريقه نظريتهما القائلة إن اي لقاء، مثل الحوار مع ايران او مؤتمر جنيف بين بشار الاسد ومعارضيه، ليس مكافأة لأحد، بل هو فرصة لحل الامور العالقة، واعتمد أوباما، ربما للمرة الاولى منذ تسلمه الحكم قبل خمس سنوات، اسلوب المقاطعة كموقف سياسي للتعبير عن غضبه من بوتين.

داخل واشنطن، رصد المسؤولون الاميركيون والخبراء مراجعة روسية لمنح سنودن اللجوء. بوتين استخدم عبارة "شركائنا الاميركيين" عندما اشترط ان لا يتسبب ضيفه سنودن لواشنطن بأي متاعب اثناء اقامته في موسكو. وكلمة شراكة كررها وزير الخارجية، سيرغي لافروف، اثناء زيارته واشنطن مطلع هذا الاسبوع ولقائه نظيره جون كيري.

ويعتقد الخبراء الاميركيون ان بوتين لم يقدر ردة الفعل الاميركية، وانه منح سنودن اللجوء في خطوة مسرحية تهدف لكسب الاضواء اعلامياً، وفي تأكيد لموقفه الشعبوي المعادي للولايات المتحدة. لكن وراء الكواليس، يبدو ان رسالة أوباما الحازمة وصلت، وان بوتين سيتراجع ويتخلى عن سنودن، ويستقبل أوباما في موسكو، وان في موعد مؤجل.

في سنوات حكم أوباما، لطالما بدت روسيا جبارة واميركا عاجزة، لكن الواقع يشي بغير ذلك، فبين البلدين مصالح مشتركة، تجارية وامنية واستخباراتية، يحافظان عليها سرا. اما في العلن، فشعبوية ومناورات ومؤتمرات ولقاءات والغاء لقاءات، في وقت يعرف كل طرف حدوده وحدود الآخر. وعندما يسهى احدهما، ينتفض الآخر، وتعود الامور الى مجاريها، ويستمر الخراب في سوريا، وسجن المعارضين في روسيا، والحوار الطويل مع ايران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق