السبت، 14 سبتمبر 2013

القيصر يثير سخرية اميركا

حسين عبدالحسين

يُقال إن نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عندما سمع من مستشاريه ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توجه الى الاميركيين في مقال نُشر في صحيفة"نيويورك تايمز"، التفت الى أحدهم ضاحكاً، وقال: "فلاديمير يريد أن يقنع الشعب الاميركي، أهلًا وسهلًا به الى السياسة الاميركية، فلنعطه مقعداً في الكونغرس".

لكن مقال بوتين في الحقيقة ليس سوى جزء من حملة "ضغط" عكف الرئيس الروسي على شنها داخل الولايات المتحدة، منذ اعوام عديدة، عن طريق"شركة العلاقات العامة" المعروفة باسم "كاتشام”. ولأن شركات "اللوبي" مجبرة على كشف كل بياناتها المالية دورياً، تظهر ارقام "كاتشام" أنها بين العامين 2006 و2012، تقاضت ما يقارب الاربعين مليون دولار من الكرملين لتمثيل بوتين شخصياً وشركة الغاز الروسية "غازبروم”.

وقامت "كاتشام" بنشر عدد من المقالات، التي تشيد بسياسيات الحكومة الروسية، في كبرى المواقع الاخبارية الاميركية مثل "سي ان بي سي" و"هفنغتون بوست". اما الكتاب، فتنوعوا بين مصرفي مقيم في موسكو ومحاضر في جامعة كنت الانكليزية وغيرهما.

بدروها عكفت "الجريدة الرسمية" في روسيا، روسيسكايا، على التعاقد مع 12 صحيفة حول العالم، منها "واشنطن بوست" في الولايات المتحدة، لاصدار ملاحق شهرية مطبوعة وعلى الانترنت بعنوان "روسيا الآن". وفي هذه الملاحق الدورية مقالات سياسية واقتصادية تشيد ببوتين وحكومته.

هذا النشاط غير المألوف لحكومة أجنبية داخل الولايات المتحدة دفع الكثيرين الى طرح تساؤلات، فأطل الباحث بيتر ميرجانيان، على شبكة "سي بي اس"ليقول: "تنظر الى هذه العقود الضخمة مع شركات العلاقات العامة، وتتساءل في نفسك، ما الذي يقدمونه لروسيا غير تشتيت الانتباه عن الانتقادات ضد سجل حقوق الانسان هناك". ويضيف: "الأمر يذهب ابعد من مقال رأي في نيويورك تايمز".

وبالفعل، فور اعلان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نيته الذهاب الى الكونغرس لنيل موافقة من اجل استخدام القوة العسكرية في سوريا، اعلنت موسكو انها تنوي ارسال وفد الى واشنطن ليقابل اعضاء الكونغرس ويقنعهم بالتصويت ضد الحرب. ومع مرور الايام، صار اعضاء الكونغرس، بدءاً برئيسهم، جون باينر، يصدرون البيان تلو الآخر يعلنون فيه انهم رفضوا لقاء الوفد الروسي الذي ترأسه سفير موسكو في واشنطن.

ما الذي يدفع بوتين الى شن حملة سياسية داخل العاصمة الاميركية؟

قدم المعلقون الاميركيون تفسيرات مختلفة، الا ان الاجماع كان انه بغض النظر عن الاسباب، فإن حملة بوتين في واشنطن ادت الى مفعول عكسي. مقاله تحول الى مادة للتندر في البرامج الفكاهية، التي راحت تعرض صور بوتين وهو عار الصدر في رحلات صيد، وتتهكم على ملاحقته الرجل الذي رسمه بثياب داخلية نسائية.

رئيس الكونغرس، جون باينر، قال إنه شعر أن المقال "اهانة"، فيما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ روبرت مينينديز، انه شعر"برغبة في التقيؤ" لدى قراءته المقال. وكذلك فعل السناتور جون ماكين الذي قال ان المقال "اهانة لذكائنا"، معرباً عن نيته نشر مقال على صفحات صحيفة"برافدا" الروسية رداً على مقال بوتين.

كذلك، رصدت برامج الراديو والتفلزيون الاميركية مقال رأي مشابه لبوتين، في الصحيفة نفسها في العام 1999، دعا فيه الى عمل عسكري في الشيشان"لوقف القتل" هناك.

وهو موقف مناقض لموقفه الذي "يدعو الى السلام" في سوريا، حسب مقاله الاخير. وذكّر المعلقون الاميركيون المشاهدين أن بوتين شن حربا قبل فترة على جورجيا، "ولم يذهب اليها بتسويات سياسية".

اما الجزء في المقال الذي اغاظ غالبية الاميركيين، فكان اعتبار بوتين انه، على عكس ما ورد في خطاب أوباما حول سوريا الثلاثاء، لا يوجد شيء اسمه"الاستثناء الاميركي". 

وهنا تساءل بعض المراقبين، كيف يأمل رئيس دولة اجنبية بأن يكسب ود شعب وهو يقول لهم "اسمعوا، هذا رئيسكم يقول لكم انكم استثنائيون، ولكنكم لستم كذلك".

"الغرب لا يفهم بوتين"، كتب مدير "معهد كارنيغي للسلام في موسكو"، ديميتري ترانين، في مقال على موقع وكالة بلومبرغ، بالتزامن مع الانتقادات التي لاحقت الرئيس الروسي.

قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن لماذا تحول النقاش من صراع اميركا وروسيا حول سوريا الى آخر حول بوتين ورؤية الاميركيين له؟

الاجابات متعددة، ولكن الرأي الذي صار يسود اوساط النخب الاميركية يتمحور حول شخص بوتين نفسه. ويعتبر هذا الرأي، ان بوتين يفعل ما يفعله في سوريا لا لأن لديه مصالح تذكر، بل لأنه يرغب في الظهور كند للولايات المتحدة، وان تظهر روسيا بمظهر القوة العالمية، وهي صورة يرسمها الرئيس الروسي لنفسه ولبلاده ويعمل على تسويقها داخليا وخارجيا.

يقول احد العاملين في الادارة الاميركية، إن تصرفات بوتين صارت تشبه الى حد كبير زعماء حكموا بتسلط واستخدموا موارد بلادهم من اجل تلميع صورتهم الشخصية والتغطية على طغيانهم داخلياً. ويذكّر المسؤول الاميركي بالزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، الذي كان يثير ضجة اينما رحل وارتحل، والذي كان يسجل حضوراً قوياً في وسائل الاعلام الغربية، ويوظف شركات علاقات عامة تسوق له "الكتاب الاخضر"، ويطلق تصريحات نارية في المحافل الدولية تستثير عداوة نظرائه.

ويضيف المسؤول: "القذافي كان غالباً ما يتوجه الى الاميركيين مباشرة عبر اعلامنا ومراكز ابحاثنا، حتى انه كان يطلق على رئيسنا اسم بركة أبو عمامة". ويتساءل المسؤول: "ما هي حظوظ ان يطل (الرئيس السوري بشار) الاسد عبر شبكة "سي بي اس"، وبعد ايام يطل بوتين عبر نيويورك تايمز؟" ليجيب: "لكل منهما امكاناته وعلاقاته، وكل منهما يعتقد ان بامكانه تلميع صورته حتى يغطي على تجاوزاته داخل بلاده وحول العالم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق