الاثنين، 2 سبتمبر 2013

الكونغرس سفينة نجاة أوباما

حسين عبدالحسين

في منتصف آذار الماضي، قدم عضو الكونغرس الديموقراطي، آليوت انغل، مسودة قانون بعنوان "تحرير سوريا"، دعا فيها الادارة الى تزويد الثوار بالسلاح، من دون تدخل عسكري اميركي مباشر. وفقاً للمعتاد، كان من المفترض ان يتقدم عدد من اعضاء الكونغرس من الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، لـ"رعاية" المشروع حتى يتم ارساله الى اللجان للمناقشة والموافقة، ثم احالته للهيئة العامة للمصادقة. لكن بعد اسبوعين، لم يكن قد تقدم لرعاية المشروع أي من أعضاء الحزبين، ما دفع برئيس "لجنة شؤون الاستخبارات"، السناتور الجمهوري مايك روجرز، الى وضع اسمه الى جانب اسم انغل، لانقاذ زميله من الحرج الذي وقع فيه بسبب الغياب التام لتأييد مشروعه.

بهذه البرودة يتعامل الكونغرس مع الأزمة السورية منذ اندلاعها، وهو ما يجعل من الضروري التساؤل حول أسباب انعطاف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، واتخاذه قرار العودة الى الكونغرس نفسه، بعدما كان يصر البيت الابيض أنه سيقوم بتوجيه ضربة الى سوريا من دون المرور بالكونغرس.

مصادر البيت الابيض تفيد بأن أوباما اتخذ قراره لوحده، ثم ابلغه لعدد من مستشاريه، واعلنه امام فريقه للأمن القومي، قبل ان يخرج لاعلانه على الملأ. وتقول المصادر أيضاً إن أوباما قال لمستشاريه إن الحصول على دعم الكونغرس غير أكيد، نظراً لتفشي الخصومة السياسية بين مجلس النواب، ذي الغالبية الجمهورية، وأوباما الديموقراطي. لكن أوباما اضاف، حسب المصادر، إن موافقة الكونغرس على توجيه ضربة ضد سوريا من شأنها ان تسمح بحملة عسكرية اوسع، في حال اقتضت الحاجة.

مستشارو أوباما قدموا، بدورهم، وجهة النظر المضادة بقولهم إن الفشل في الكونغرس من شأنه ان يضعف الرئيس سياسياً، وأن يقيد يديه عسكرياً، اذ حتى لو تمسك أوباما بصلاحياته الدستورية التي تسمح له بشن ضربة من دون موافقة الكونغرس، اي ضربة صوت ضدها الكونغرس، ستأتي حينذاك وسط ضغط سياسي كبير في الداخل.

لم يكترث أوباما للرأي المخالف، وقال إنه تشاور ورئيس الموظفين دينيس ماكدنو، المسؤول عادةً عن حشد تأييد الاكثرية في الكونغرس للمشاريع التي يتقدم بها الرئيس. بالفعل، وزع ماكدنو نص مشروع القانون الذي ارسله أوباما الى رئيس الكونغرس الجمهوري، جون باينر، لمناقشته والتصويت عليه.

واستند مشروع قانون أوباما الى ثماني حيثيات، اولى اثنتين تشيران الى "ان الحكومة السورية قامت في 21 آب 2013 بهجوم كيماوي على ضواحي دمشق راح ضحيته اكثر من 1000 من السوريين الابرياء، وان العمل يعتبر تجاوزاً فاضحاً للاعراف الدولية وقوانين الحرب".

الحيثيتان الثالثة والرابعة تستندان الى قوانين ماضية سنّها الكونغرس، ويقتضي تطبيقهما توجيه ضربة الى سوريا، احداهما تنص على أن "الولايات المتحدة و188 دولة اخرى، تشكل 98 في المئة من سكان العالم، موقعة على اتفاقية الاسلحة الكيماوية التي تحظر تطوير وانتاج وحيازة وتخزين واستخدام الاسلحة الكيماوية"، فضلاً عن انه "بموجب قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان للعام 2003"، والذي كان عرّابه انغل نفسه، بتنسيق مع رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون، سبق أن رأى "ان حيازة سوريا لأسلحة الدمار الشامل تهدد امن الشرق الاوسط ومصالح الامن القومي للولايات المتحدة".

في الحيثية الخامسة، لفت مشروع أوباما الى "قرار مجلس الامن الرقم 1540 الصادر عام 2004، الذي أكد على ان انتشار الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية يهدد السلم والأمن الدوليين"، فيما تركزت الحيثيات الثلاث الاخيرة على اعتبار أن "هدف استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية هو منع، وتعطيل، وتقليص القدرة على اي استخدام مستقبلي للأسلحة الكيماوية وأسلحة الدمار الشامل". كما اعتبرت أن "حل الصراع في سوريا يأتي فقط من خلال تسوية سياسية، في وقت يدعو فيه الكونغرس كل اطراف الصراع في سوريا الى المشاركة بشكل عاجل وبطريقة بناءة في عملية جنيف"، وان "العمل الموحد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية سيرسل اشارة واضحة حول العزم الاميركي".

بناء على الحيثيات الواردة، وفقاً لنص مشروع القانون الجديد "يسمح الكونغرس للرئيس باستخدام القوة العسكرية بالطريقة التي يراها مناسبة وضرورية لمواجهة استخدام الاسلحة الكيماوية او اي اسلحة دمار شامل اخرى في سوريا".

وفيما سيباشر مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية ديموقراطية مؤيدة لأوباما، مناقشة المشروع للمصادقة عليه بدءاً من الاسبوع المقبل، تمهيداً لاحالته الى مجلس النواب الذي يعود من عطلته الصيفية الاثنين المقبل، من المتوقع ان يكون النقاش حامي الوطيس في مجلس النواب الذي يبلغ عدد اعضاؤه 435، منهم غالبية 233 من الحزب الجمهوري، و200 من الحزب الديموقرطي. إلا ان الانقسام يرجح ان لا يأتي هذه المرة حسب الاصطفاف الحزبي.

داخل الحزب الديموقراطي عدد لا بأس به من النواب الذين يعارضون حروب اميركا في الخارج ويطالبون باستخدام الاموال داخلياً، وسيشكل هؤلاء تحدياً لزعيمة الاقلية الديموقراطية، نانسي بيلوسي، التي اعلنت تأييدها للضربة، ووعدت بتأمين أكبر تأييد ديموقراطي لها داخل الكونغرس.

اما الحزب الجمهوري، فاعلنت قيادته نيتها عدم التدخل في التأثير في أصوات نوابها وفتح المجال لهم للتصويت حسب اختيارهم. الجمهوريون في الكونغرس منقسمون الى فصائل متعددة تجاه الحرب في سوريا، فئة منهم تعارض توجيه ضربة محدودة، وتطالب بحرب شاملة تطيح بالرئيس السوري بشار الاسد ونظامه، وفئة اخرى تؤيد الضربة المحدودة ولكنها ترغب في توجيه "لكمة سياسية الى انف أوباما"، حسب التعبير السياسي الرائج في الولايات المتحدة.

كذلك، من بين فصائل الحزب الجمهوري قرابة 50 نائباً يشكلون كتلة "حفلة الشاي"، وهؤلاء مزيج من اليمين المسيحي والليبراليين، الذين يطالبون بتقليص دور الدولة الى ادنى مستوى ممكن داخلياً وخارجياً.

نواب اليمين المسيحي، كانوا كرروا معارضتهم للحرب، بقولهم إن بقاء الأسد هو في مصلحة مسيحيي سوريا والمشرق ومصلحة امنهم، فيما عبّرت "عرابة حفلة الشاي"، المرشحة السابقة الى منصب نائب الرئيس، سارة بايلين، عن موقفها بالقول "لندع إله المسلمين يتدبر ما يحدث في سوريا"، في اشارة واضحة إلى أن هذه الكتلة تعتقد ان ما يحدث في سوريا شأن سوري ولا علاقة لاميركا به، بالرغم من تزايد عدد القتلى.

بين كل هذه الفصائل، سينشط رئيس موظفي البيت الابيض ماكدنو ومساعدوه لحشد التأييد المطلوب لتمرير مشروع قانون حرب في سوريا، إلا ان التجربة الماضية لا توحي بالثقة. منذ مطلع العام الحالي، تكبد أوباما هزائم متعددة داخل الكونغرس، كان ابرزها سقوط قانون تنظيم السلاح الفردي الذي قدمه على اثر مجزرة مدرسة ساندي هوك. كذلك، تكبد الرئيس الاميركي هزيمة في مشروع قانون "تعزيز فرص العمل".

لماذا اذاً أخذ أوباما ضعفه الدولي وزجه في الكونغرس، حيث لاقى الرئيس الاميركي سلسلة هزائم في الاشهر الاخيرة؟ الاجابة متعددة الجوانب، ولكنها لا شك تتعلق بشخصية محام ناجح وخطيب باهر، ولكن برئيس صار كثيرون يعتبرونه بدرجة وسط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق