الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

من الضعيف.. أميركا أم رئيسها؟

حسين عبد الحسين

في «نادي واشنطن» الفاخر والقريب من البيت الأبيض، وقف الصحافي المعروف ديفيد إغناتيوس يتحدث إلى مجموعة من كبار الدبلوماسيين الأميركيين والمعنيين بالسياسة الخارجية. رفع إغناتيوس كتابا وقال: «هل تعرفون ما هذا الكتاب؟» ليجيب بأنه أطروحة الدكتوراه لوزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، والتي تتناول صعود قوى في أوروبا في القرن السابع عشر، وعن معاهدة ويستفاليا التي سمحت لهذه القوى بالتعايش مع القوى الموجودة قبلها، وأن معاهدة مماثلة قد تكون مطلوبة اليوم للسماح بدخول دول مثل إيران والصين نادي الدول الكبرى.

ويقول إغناتيوس، وهو نائب رئيس تحرير «واشنطن بوست»، إنه لطالما عقد جلسات حوار مع مسؤولين كبار في إدارة الرئيس باراك أوباما، وقدم لهم أفكار كيسنجر هذه. ويضيف أنه في إحدى الجلسات، التفت إليه أحد المسؤولين وقال له: «تعرف بمن يذكرني حديثك هذا يا ديفيد، إنه يذكرني بحديث الرئيس».

هكذا، يستنتج إغناتيوس على أنه على عكس الانطباع السائد، فإن لدى أوباما «رؤية كبرى» و«خطة متكاملة» لسياسة أميركا الخارجية، ولدورها حول العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط.

استحسن غالبية الحاضرين كلام الصحافي الأميركي، ولكن أقلية كانت تعرف أن كلام إغناتيوس – المقرب من الإدارة – هو من باب المراءاة، وأن إغناتيوس نفسه، سبق أن انفلت من عقاله وشن هجمات عنيفة، في مقالاته المتكررة، ضد الرئيس الأميركي وفريقه.
فإغناتيوس، الذي كال لأوباما المديح الأسبوع الماضي، سبق أن كتب أن أوباما «يحكم عن طريق ورشات العمل». كما اتهم الرئيس الأميركي بالتردد في الرأي والتقلب. فأوباما بعدما أرسل أساطيله إلى قرب الشاطئ السوري، استدار فجأة وقرر أن يأخذ موضوع استخدام القوة العسكرية ضد أهداف بشار الأسد إلى الكونغرس.

ولم يكن أحد يعتقد أن أوباما كان يتحرك وفقا لخطة أو رؤية، حتى إن وزيري خارجيته ودفاعه جون كيري وتشاك هيغل لم تجري استشارتهما، فيما حاولت مستشارته للأمن القومي سوزان رايس ثني أوباما عن الذهاب إلى الكونغرس، ولكنه لم يستمع.
ثم أطل الرئيس الأميركي في «خطاب إلى الأمة»، وبدا فيه أوباما فصيحا، لكن أفكاره كانت متناقضة جدا، فهو تحدث عن «الاستثناء الأميركي»، وعن دور أميركا في الدفاع عن المدنيين العزل وعن الأطفال حول العالم، ليقول في الخطاب نفسه إنه لا شأن لبلاده في التدخل «في حروب الآخرين الأهلية».

لكن وقفة تأمل بسيطة تشير إلى أن كلا من روسيا وإيران لا تزالان بعيدتين كل البعد عن منافسة القوة الأميركية، فالأرقام تتوقع أن ينمو الاقتصاد الروسي بأقل من نقطتين مئويتين هذا العام، وهذه نسبة ضعيفة.
وروسيا ليست من الدول المتقدمة، مثل أميركا، بل هي في مصاف الدول النامية، حسب البنك الدولي. كذلك تعاني روسيا من شيخوخة السكان وتناقص في أعدادهم، ومن تراجع في مستويات التعليم والتكنولوجيا والصناعات، ومن فساد حكومي مستشر على المستويات كافة، مما يعطل الاستثمارات الخارجية وخصوصا في القطاع النفطي، عماد روسيا. وعلى الرغم من أن حجم الاقتصاد الروسي هو الثامن عالميا، فإن إمكانات تقدمه تبدو متعثرة.

وموسكو تعلم أن قوتها لا تقارن بأميركا، فالقوة النارية للأسطول الروسي بأكمله توازي القوة النارية للأسطول الأميركي السادس وحده، لذا عندما اقتربت السفن الحربية الأميركية من الشاطئ السوري، انسحب الروس، لكنهم عادوا من بوابة الدبلوماسية مستندين خصوصا إلى حقهم في النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.

وإذا كانت القوة الروسية ضعيفة مقارنة بأميركا، فإن إيران أضعف بكثير، فبيانات المصرف المركزي الإيراني أظهرت أن التضخم في شهر أغسطس(آب) الماضي بلغ 40 في المائة، وأن أسعار المأكل تضاعفت، وأن الإيرانيين يعانون من العقوبات الدولية المفروضة عليهم بسبب إخفاء قيادتهم لبرنامجها النووي عن أعين وكالة الطاقة الذرية.

وكان دكستر فيلكنز نشر في مجلة «نيويوركر» مقالا مطولا حول شخصية الرجل الذي يدير سياسة إيران في منطقة الشرق الأوسط، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وأظهر المقال أن سليماني يعمل بموازنة 20 مليون دولار شهريا يرصدها له حليفه رئيس حكومة العراق نوري المالكي من واردات النفط العراقية. هذه الأموال كافية لشن حروب ميليشيات، لكنها لا تكفي لفرض النفوذ على دول بأكملها مثل سوريا.
كذلك أظهر المقال أنه إبان الحرب الأميركية في العراق، شعر الإيرانيون بالذعر من قوة الأميركيين وحاولوا التوصل إلى اتفاق معهم مخافة اجتياح أميركي محتمل يطيح بالنظام.

إذن ماذا حدث للقوة الأميركية التي أجبرت الإيرانيين على الحوار في عام 2003 وأجبرت الروس على فتح المجال للأساطيل الأميركية التي كانت تستعد لتوجيه ضربة لنظام بشار الأسد؟
الإجابة هي أن القوة الأميركية ما زالت موجودة، لكنها اليوم بإمرة رئيس ضعيف ومتردد وعديم الخبرة في السياسة الخارجية، خصوصا مقارنة بأقرانه الإيراني علي خامنئي، القيادي منذ 34 عاما، والروسي فلاديمير بوتين، الذي يترأس روسيا منذ 13 عاما، فيما بالكاد تصل خبرة أوباما الخارجية إلى خمسة أعوام.

في إحدى المقابلات التي أجراها أوباما على أثر الاتفاق مع روسيا حول نزع ترسانة الأسد الكيماوية، قال منفعلا إن البعض في واشنطن يقيّمون سياسته الخارجية على أساس الأسلوب، فيما هو لا يكترث بالأسلوب بل يسعى إلى النتائج. ما فات الرئيس الأميركي هو أنه في السياسة، الخارجية كما الداخلية، الجزء الأكبر يعتمد على الأسلوب، فلو اعتقدت روسيا أو إيران للحظة أن أوباما ينوي استخدام القوة في سوريا، لاتخذ الصراع هناك منحى مختلفا تماما، لكن أوباما الحديث العهد بالسياسة لا يعرف كيف يخبئ أوراقه قريبا إلى صدره، حسب التعبير الأميركي، لذا حول القوة الأميركية الهائلة إلى سفن متمركزة في عرض المتوسط من دون خطة أو هدف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق