الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

تباعد أميركا وإسرائيل

حسين عبدالحسين

كرر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، موقف بلاده من عدم الاعتراف بشرعية المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية امام مضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. لكن مع ذلك، لا تجد اسرائيل صديقاً افضل من فرنسا، أو على حد وصف نتنياهو "الصديق الوحيد لاسرائيل" في مجموعة دول الـ5+1 التي تتولى التفاوض مع ايران حول برنامجها النووي. أما السؤال فهو لماذا تبحث تل ابيب عن اصدقاء؟ واين هي الولايات المتحدة، عرابة اسرائيل على مدى العقود الماضية؟

تقول صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها ان الشرخ الذي تعانيه العلاقة الاميركية - الاسرائيلية هو الأسوأ منذ ثلاثين عاماً. 
الصحيفة نفسها، والتي سطرت مئات، بل آلاف، الافتتاحيات في الماضي في الدفاع عن اسرائيل وفي دعوة حكام واشنطن للوقوف إلى جانبها، ظالمة كانت أم مظلومة، يبدو أنها تخلت هذه المرة عن تل أبيب.

في المدى المنظور، تقول الصحيفة، "الأرجح أن لا طريقة ممكنة لرأب الصدع بين القدس (المحتلة) وواشنطن، إلا إذا رفضت إيران نفسها العرض السخي الذي تقدمه أميركا والمجموعة الدولية، فالإدارة رفضت اعتراضات نتنياهو على اتفاقية مؤقتة، والكونغرس لا يبدو مستعداً للتجاوب مع اللوبي الإسرائيلي لفرض المزيد من العقوبات قبل اجتماع جينيف".

لذا، تعتقد "واشنطن بوست"، أن نتنياهو "سيكون حكيماً" إذا قبل الاتفاقية المؤقتة، التي يبدو أنها ستتم على الرغم من معارضته، وفي وقت لاحق يمكن له أن يلقي اللوم على إيران في حال رفضتها.

الافتتاحية ليست الأولى ولا الوحيدة التي تظهر تباعداً أميركياً - إسرائيلياً. فالكاتب اليهودي الأميركي المعروف في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، افترق عن الإسرائيليين منذ أعوام، وهو يحمّل إسرائيل مسؤولية المتاعب التي تواجهها أميركا في الشرق الاوسط. وفي آخر مقالاته، أثنى على اتفاقية جنيف، داعياً إلى توقيعها وتجاهل المخاوف الاسرائيلية.

المعروف أن فريدمان هو أقرب صحافي إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو من أكثر الإعلاميين الذين يقضون معه وقتاً، وهو ما يطرح احتمالين: إما أن فريدمان يؤثر في رأي الرئيس الأميركي، أو أنه يتكلم باسمه. وفي الحالتين، يبدو أن تمسك أوباما باتفاقية جنيف مع إيران ثابتاً، ولا سيّما أنه طالب الكونغرس الأميركي ب"عدم تشديد العقوبات على إيران" كما نقلت "رويترز" عن المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، الثلاثاء.

صحافي آخر معروف بقربه من إدارة أوباما وهو نائب رئيس تحرير "واشنطن بوست"، دايفيد اغناتيوس، كان لديه التوجه نفسه حيال مسألة مخاوف إسرائيل من الاتفاق المؤقت حول ملف إيران النووي.

على أن أبرز المؤشرات التي من شأنها أن تثير هلع اسرائيل وأصدقائها الأميركيين هي استطلاعات الرأي التي صارت تشير إلى أن الغالبية الساحقة من الأميركيين لم تعد تخشى قوة أو نفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.

ففي أحدث استطلاع للرأي أجرته "العصبة اليهودية ضد التمييز"، وهي من أصدقاء اسرائيل، ظهر أن أربعة في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون أن اللوبي الموالي لاسرائيل هو صاحب النفوذ الاكبر عند الادارة الاميركية، فيما حل أولاً لوبي النفط بـ 28 في المئة، يليه لوبي صناعة الأدوية بـ 24 في المئة، وأخيراً "الجمعية الوطنية للبندقية" أو لوبي السلاح الفردي بـ 22 بالمئة.

"إن سمعة اللوبي الموالي لاسرائيل في واشنطن كقوة كاسحة لا يبدو انها تتناسب مع الحقائق"، يقول المعلق ماكس فيشر، الذي يشير إلى قيام هذا اللوبي برمي ثقله خلف ضربات اميركية محدودة ضد اهداف في سوريا، "ولكن من دون أن ينجح في تحريك الإبرة ولو قليلاً".

ويضيف فيشر أن فشل لوبي اسرائيل يبدو اكبر إذا ما قارناه بالنجاح الباهر لمؤسسة "أولاد غير مرئيين"، وهي مجموعة أقل تمويلاً وتتمتع بعلاقات أقل بكثير، ولكنها مع ذلك نجحت في حمل الكونغرس والبيت الأبيض على ارسال جنود إلى وسط إفريقيا لاصطياد أمير الحرب جوزيف كوني.

على ضوء استطلاع الرأي العام ورأي النخبة الاميركية، وفي وسط "غياب الكيمياء" بين أوباما ونتنياهو وقيام الاخير باحباط مبادرات سلام متعددة قامت بها واشنطن في السنوات الاخيرة، لم يكن مستغرباً أن يبدي أوباما، يوماً، وفي غفلة منه واثناء حديثه مع الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، أمام مايكروفون ظنّه الرجلان مقفلاً، امتعاضاً كبيراً من المسؤول الاسرائيلي.

وليس مستغرباً ايضاً أن تتعالى اليوم الاصوات الاميركية المطالبة بتفادي مواجهة عسكرية مع ايران، بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يغضب اسرائيل وأصدقاءها الاميركيين من أصحاب النفوذ.

وفي وقت تكرر اميركا نيتها تقليص دورها في الشرق الاوسط، ما يعطي للقوى الاصغر حجماً مثل روسيا وايران وفرنسا مساحة للعب دور متقدم اكثر، لم يعد لدى اسرائيل الا التمسك بفرنسا والاختباء خلف نفوذها التعطيلي للاتفاقية مع ايران، حتى لو جاء ذلك على حساب تجميد الحكومة الاسرائيلية لبناء مستوطنات جديدة وتجاهل انتقاد هولاند الحاد للسياسة الاستيطانية وتأثيرها السلبي على حظوظ السلام مع الفلسطينيين.

حتى فرنسا نفسها، القوة الغربية المقبلة في غياب الاميركيين، تفترق عن اسرائيل قليلاً حول إيران، فاسرائيل تطالب بوقف كامل لتخصيب اليورانيوم الايراني، أما فرنسا، فتطالب بإغلاق مفاعلي فوردو وآراك، في حين أنها لا تمانع في استمرار التخصيب في نتانز، بنسب لا تتعدى الخمسة في المئة، وهو ما يعني انه حتى باريس مستعدة لقبول اتفاقية تراعي "حق الامة الايرانية بالتخصيب"، وهو ما يبدو انه لسوء حظ نتنياهو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق