الجمعة، 27 ديسمبر 2013

أميركا: تحسّن المؤشرات لا ينعكس بحبوحة

واشنطن - حسين عبد الحسين

فجّر الاقتصاد الأميركي مفاجأة سارة للرئيس باراك أوباما وفريقه الاقتصادي بتسجيله نمواً بلغ 4.1 في المئة للفصل الثالث من هذه السنة، وهي الأعلى منذ نهاية 2011 وثاني أعلى نسبة منذ تولي أوباما الحكم مطلع 2009. ودفعت تقارير النمو الصادرة عن «مكتب التحليلات الاقتصادية» التابع للحكومة الفيديرالية، سوق الأسهم الأميركية إلى الارتفاع إلى مستويات قياسية، وترافق ذلك مع مؤشرات اقتصادية إيجابية أخرى مثل تلك التي أشارت إلى أن نسبة البطالة انخفضت في 27 من أصل الولايات الخمسين، فيما تجمع التوقعات على مزيد من الانخفاض في نسبة البطالة على مستوى البلاد ككل إلى ما تحت نسبة 7 في المئة التي تسجلها حالياً.

كل هذه التقارير الإيجابية دفعت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إلى القول إن الصندوق سيعيد النظر في نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد الأميركي للعام المقبل، والتي يقدرها حالياً بـ2.5 في المئة. وأوضحت لاغارد أن النهوض الاقتصادي الأميركي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد العالمي. لكنها لم تحدد نسبة التوقع الجديدة للاقتصاد الأميركي للعام المقبل. واعتبرت غالبية الخبراء أن «الرقم السحري» المرجو لنمو الاقتصاد الأميركي هو 3 في المئة، وأن تحقيق نمو بهذه النسبة أو أكثر قد يشير إلى أنه عاد إلى النمو في شكل طبيعي لأول مرة منذ الأزمة المالية منتصف أيلول (سبتمبر) 2008.

بالنسبة لأوباما، فإن «الأخبار الجيدة» تكمن في أن النمو الذي يتحقق اليوم يأتي فيما دأبت الحكومة الفيديرالية، على مدى العامين الماضيين، على عصر النفقات وتقليص العجز، ما من شأنه نظرياً أن يؤدي إلى انكماش اقتصادي، أو أن يؤثر سلباً في النمو. أما النمو الأميركي الحالي الذي يأتي في خضم تقشف الحكومة، فيعني أن الاقتصاد يتعافى فعلاً، وأن النمو يقوده القطاع الخاص، بصرف النظر عن مستويات الإنفاق الحكومي.

وترافقت التقارير عن نسبة النمو المرتفعة للفصل الثالث من هذه السنة مع أخرى أشارت إلى نمو في الصادرات، فاق النمو في الواردات، ما أدى إلى تقلص في العجز التجاري وتحسن في ميزان المدفوعات. وأشارت التقارير إلى عودة المستهلك الأميركي إلى شهيته السابقة في الإنفاق، مع العلم أن الإنفاق الاستهلاكي يشكّل أكثر من ثلثي الناتج الاقتصادي الأميركي سنوياً.

وعلى رغم التقشف الحكومي إلا أن النمو الاقتصادي خلق ثقة لدى الأميركيين عموماً، والاحتياط الفيديرالي خصوصاً الذي أعلن نيته بدء الإنهاء التدريجي لبرنامج شراء السندات وضخ السيولة النقدية في الأسواق بمعدل 85 بليون دولار شهرياً. وكانت تلميحات مسؤولي الفيديرالي حول إنهاء هذا البرنامج في الماضي أدت إلى زعزعة الثقة وإلى هبوط في أسواق المال. إلا أن معدلات النمو الحالية صارت تفسح المجال للاحتياط الفيديرالي بإنهاء البرنامج تدريجاً من دون الخوف على مصير سوق الأسهم، أو على عملية التعافي التي كانت متأرجحة حتى الأمس القريب.

لكن طريق أوباما إلى دخول نادي الرؤساء الأميركيين الذين يذكرهم التاريخ بسبب النمو الاقتصادي والبحبوحة في عهودهم لا يزال طويلاً ومعقداً، فأوباما حتى الآن ما زال الرئيس الذي شهدت البلد في خمس سنوات من حكمه أدنى مستويات نمو اقتصادي منذ عهد الرئيس الراحل هاري ترومان، إذ بالكاد بلغ معدل النمو في زمن أوباما 1.6 في المئة، أدنى حتى من معدل مستوى النمو الاقتصادي في زمن سلفه جورج بوش، والذي بلغ 1.7 في المئة بين 2000 و2008.

ويتصدر الرئيس الراحل جون كينيدي ونائبه وخلفه ليندون جونسون الرؤساء الذين شهد الاقتصاد الأميركي أعلى نسبة نمو في عهدهم منذ الحرب العالمية الثانية، إذ بلغت 5.2 في المئة، تلاه بيل كلينتون بمعدل نمو بلغ 3.7 في المئة، فجيمي كارتر بـ3.4 في المئة، فرونالد ريغان بـ3.3 في المئة، فريتشارد نيكسون ونائبه وخلفه جيرالد فورد بـ2.7 في المئة، فدوايت آيزنهاور بـ2.3 في المئة. وفي نادي الرؤساء الذين لم يبلغ معدل النمو في حكمهم الاثنين في المئة جورج بوش الأب بـ1.9 في المئة، وترومان بـ1.8 في المئة، وبوش الابن بـ1.7 في المئة.

وما زالت أمام أوباما فرصة لتحسين صورته، فأمامه ثلاث سنوات، أو 12 فصلاً، وإذا صحت التوقعات واستمر معدل النمو بنسبة 3 في المئة أو أكثر، يمكن معدل أوباما أن يرتفع من 1.6 حالياً إلى 2.1 في المئة مستقبلاً، وهو ما من شأنه إخراجه من نادي الرؤساء ذوي الأداء الاقتصادي المزري.

أما على أرض الواقع، فنسبة نمو بمعدل 3 في المئة من شأنها أن تخالف نظريات عدة قدمها اقتصاديون تشير إلى أن النمو ينخفض بنسبة 1 في المئة عقداً بعد عقد، وأنه انخفض من 4 في المئة في الثمانينات، إلى 3 في التسعينات، فـ2 في المئة في العقد الماضي، ثم إلى حوالى 1.5 في المئة منذ وصول أوباما إلى الحكم.

أخبار النمو الأميركي أعادت بعض الثقة إلى الأميركيين وحكومتهم، وقلصت الإحباط الذي أصابهم بسبب ما تصوره البعض نهاية قوتهم الاقتصادية وصعود قوى أخرى حول العالم منذ عام 2008. «إياكم أن تراهنوا ضد الولايات المتحدة»، هو القول المعروف لثاني أغنى رجل أميركي البليونير المعروف وارن بافيت الذي حقق معظم ثروته من نجاحه في قراءة الأسواق المالية ومضاربته فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق