الخميس، 2 يناير 2014

توقع استخباراتي باستمرار الحرب السورية عقداً يقسّم مسؤولي الإدارة حول التعاطي معها

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

خلف الموقف الرسمي للولايات المتحدة من الازمة في سورية، والذي يلتزم «نقاط كلام» متفقا عليها وتنص على وجوب رحيل الرئيس بشار الاسد كجزء من حوار وحل سياسي، مواقف عديدة ومتباينة لمسؤولي الحكومة الاميركية. بعضها علني، وبعضها الآخر لا يتفق مع وجهة النظر السائدة، ما دفع اصحابه الى تسريبه الى وسائل اعلام محلية وعالمية.
المجموعة الاولى، وهي الاكثر قربا من الرئيس باراك أوباما، تعتقد ان «كل الخيارات سيئة في سورية»، وان المصلحة الاميركية تقضي بالبقاء بعيدا وعدم التدخل الا «في الضرورات التي قد تهدد الامن القومي للولايات المتحدة».
وتستند هذه المجموعة الى تقديرات وكالات الاستخبارات الاميركية، والغربية عموما، والتي صارت تشير الى مواجهة مسلحة مفتوحة الامد في سورية، قد تستمر على مدى العقد المقبل. 
ورغم التقدم الذي احرزه مقاتلو الاسد و«حزب الله» اللبناني في الآونة الاخيرة، ترى اجهزة الاستخبارات انه «من شبه المستحيل» ان «يعود الى الأسد الى سابق عهده في الحكم»، او ان «ينجح في القضاء على التمرد تماما».
وترجح هذه الاجهزة ان تستمر المواجهة «على شكل حرب عصابات قاسية في حدها الادنى، ترهق الاسد وحلفاءه، وتمنعهم من استعادة السيطرة على سورية، كما تمنعهم من الانتقال من الوضع العسكري الحالي الى وضع مدني سلمي كالذي كان سائدا قبل مارس 2011».
في ظل هذا التقييم، تنقسم المجموعة المؤيدة لسياسة أوباما، والتي تفضل التريث في الشأن السوري والبقاء بعيدا عنه، الى قسمين: الاول يعتقد انه كان الافضل لو تدخلت اميركا في مراحل مبكرة للاطاحة بالاسد والسماح بانتقال الحكم الى حكومة تمثل جميع مكونات الشعب السوري، فيما يعتقد القسم الآخر، وخصوصا من المؤسسة العسكرية، ان عدم التدخل كان فكرة حكيمة، وان استمرار الوضع الحالي، والذي يعتقد العسكر انه يرهق كلا من ايران والاسد والمجموعات الاسلامية المتطرفة، هو حكم في المصلحة الاميركية.
مشكلة نظرية المواجهة بين ايران والاسد و«حزب الله» من جهة، وتنظيم «القاعدة» والفصائل الاسلامية المتطرفة من جهة اخرى، انها تفتح المجال امام المتطرفين الاسلاميين لتجنيد شباب من عموم العالم الاسلامي، وتدريبهم في ساحات معركة حقيقية، وجمع التبرعات من اجل حربهم ضد الاسد وايران، ما يعني ان المواجهة المستمرة في سورية ترهق الطرفين، ولكنها «تعسكرهم»، وتسمح لهم بانشاء شبكات قد يصعب تفكيكها او القضاء عليها مستقبلا، وقد تنقل هذه الشبكات عملياتها من سورية الى اي بلد قريب، او بعيد.
هذ الخوف من استمرار المواجهة في سورية دفع بعض المؤيدين لبقاء اميركا «بعيدة عن المستنقع السوري» الى المطالبة «بدخول بشراكة مع الاسد من اجل القضاء على الارهابيين». ويتصدر هؤلاء السفير الاميركي السابق في العراق، والمتقاعد حاليا، ريان كروكر.
الخوف نفسه ينتاب مجموعة مناوئة لرأي أوباما، الذي يفضل البقاء خارج الازمة السورية. هذه المجموعة المناوئة تعتقد ان على واشنطن العمل على التوصل الى حل في سورية «في اقرب وقت ممكن»، وهو ما قد يتطلب تدخلا اميركيا اوسع، بما فيه نوع من التدخل العسكري الذي من شأنه ان يكسر التفوق الذي تتمتع به قوات الاسد و«يسوي الارض بين الاثنين، وتاليا الفرص، ويجبر الاسد على القبول بتسوية مع الآخرين».
وتعتبر هذه المجموعة انه «ما زال في سورية بارقة امل تقضي بتسليح معتدلين من الثوار، ودعمهم بفرض حظر جوي او توجيه ضربة عسكرية تؤدي الى تكافؤ في القوة النارية بين الأسد والمعارضة المسلحة»، ما من شأنه ان يفرض على الأسد تقديم تنازلات.
ويقول هؤلاء ان نافذة سياسية مازالت مفتوحة من خلال قرار مجلس الأمن 2118، والذي ينص على وجوب نزع وتفكيك الترسانة الكيماوية للأسد في موعد اقصاه منتصف العام الحالي. 
وكانت تقارير اممية اشارت هذا الاسبوع الى تعذر التزام الجدول الزمني المتفق عليه من اجل تفكيك هذه الترسانة، ما يعني ان التأخير ممكن، وما يعني ايضا انه يمكن تحميل الاسد مسؤولية التأخير وتاليا استخدام القوة العسكرية ضد قواته. 
على ان مشكلة تسريع الحسم او دفع الاوضاع باتجاه حوار او حل تشوبه مشكلة رئيسية تتمثل في الاداء الضعيف للمعارضة السورية، فالعذر الابرز الذي يتمسك به المسؤولون الاميركيون المعارضون كليا لاي تدخل اميركي في سورية مبني على التذرع بانقسام المعارضة السورية المستمر، وعدم اظهارها اي امكانية على التوحد او امساك الارض في حال انهيار الاسد، او حتى في حال قبوله التخلي عن الحكم.
ويكرر هؤلاء المسؤولون الاميركيون: «لو تدخلنا في سورية، نصبح مسؤولين عن العواقب، خصوصا في ظل غياب اي طرف ممكن ان يستفيد من تدخلنا وفرضنا خروج الاسد».
على ان مؤيدي التدخل يعتقدون ان «اميركا ستكون مسؤولة عن العواقب في كل الاحوال»، وان «انتظار توسع رقعة العنف اقليميا ومحليا ستجبر واشنطن على التدخل في وقت لاحق، وبتكلفة اكبر».
الانقسام السائد بين المسؤولين الاميركيين يجعل من موقف واشنطن حول سورية اكثر ارتباكا، ومايزيد في الطين بلة انه، على عكس الادارات السابقة، لا تظهر الادارة الحالية اي مقدرة على «القيادة» او على الحشد لرأي دون آخر، ومتابعته، والعمل على تنفيذه.
هل هو عجز أوباما وفريقه ام غياب سورية عن لائحة اولوياتهما؟ بغض النظر عن الاجابة، فان «النتيجة القاضية بانفلات المشهد السوري والاقليمي والعالمي لا تبدو في مصلحة سورية، ولا في مصلحة اميركا»، حسب مسؤولين اميركيين يتحدثون همسا منذ فترة، ولكن يبدو ان اصواتهم صارت تتعالى أخيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق