الأربعاء، 15 يناير 2014

وللعراق جنيف آخر

حسين عبدالحسين

ينقل الوفد الأميركي العائد من بغداد مؤخراً،عن رئيس الحكومة نوري المالكي أنه يقدّر، ربما للمرة الأولى، فداحة الموقف في المواجهات الدائرة في المحافظات ذات الغالبية السنية في غرب وشمال غرب العراق. وكان الوفد الذي ترأسه نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، برت ماكغيرك، زار العاصمة العراقية في عطلة نهاية الأسبوع، وعقد فيها سلسلة لقاءات كان أبرزها مع المالكي.

وسرت الأنباء في واشنطن أن المالكي يدرك أن استخدام العنف لوقف الانفلات الأمني لا يكفي، وهو ما دفعه الى كبح جماح قواته الأمنية، واكتفائه بتقديم دعم مالي ولوجستي واستخباراتي لمقاتلي العشائر من السنة، الذين يخوضون معارك قاسية ضد المتطرفين الإسلاميين في هذه المناطق من العراق.

وتعكف الأوساط المعنية بالملف العراقي في واشنطن، والتي يتصدرها نائب الرئيس، جو بايدن، ومستشاره السابق لشؤون الأمن القومي، انتوني بلينكن، والذي أصبح نائباً لمستشارة الرئيس، سوزان رايس، على إعادة تقييم مواقفها السابقة من المالكي، وعلى تشكيل سياسة جديدة تجاه العراق عموماً.

ومنذ انسحاب القوات الاميركية من العراق في نهاية العام 2011، درج بلينكن على القول إن المالكي يؤمن المصالح الاميركية كافة، وإن زيادته ضخ النفط العراقي ساهمت في عملية إخراج النفط الإيراني من السوق الدولية، بسبب العقوبات التي تم فرضها على طهران على خلفية ملفها النووي، من دون إثارة أزمات في سوق النفط.

ولطالما اعتبر بلينكن، المالكي، شريكاً يمكن الوثوق به في "مكافحة الإرهاب"، ولا سيما في وجه تنظيم القاعدة أو التنظيمات التابعة لها. 
كذلك، تبنى المالكي سياسة "حسن الجوار"، وخصوصاً مع الكويت، حليفة أميركا، التي توصل معها إلى سلسلة مصالحات واتفاقيات تضمنت تسديد حكومة المالكي لتعويضات كانت متوجبة على العراق منذ زمن اجتياح صدام حسين للكويت في العام 1990.

ولأن المالكي التزم هذه السياسات التي رأت فيها واشنطن أنها جزءٌ من مصالحها الاستراتيجية، فهي تجاهلت خصوم واشنطن، وبررت له هذه العلاقات بالقول إن المالكي يحتاج إلى حسن الجوار مع جيرانه كافة، وأنه يحتاج لصداقة الإيرانيين لتسهيل عملية استمراره في الحكم واستمرار تأييد حلفاء ايران له في مجلس النواب العراقي، وهو تأييد يحتاجه المالكي للحفاظ على الغالبية البرلمانية من أجل بقائه رئيساً للحكومة.
لكن أمراً أكثر تعقيداً تجاهله بايدن وبيلنكن، واتضحت فداحته اليوم، يكمن في قيام المالكي بتعزيز سلطاته داخل العراق بشكل مقلق، ما أدى إلى تهميش معظم الأطراف العراقية الأخرى، ولا سيما السنة.

ويقول المطلعون على محادثات ماكغيرك – المالكي، إن الأول ذكّر المسؤول العراقي بسلسلة "الاخطاء" التي ارتكبها بحق المسؤولين السنة، بدءاً من محاولته إلقاء القبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي والتدخل لدى القضاء لمحاكمته، ثم التفات المالكي إلى وزير المالية السني، رافع العيساوي، وإخراجه من السلطة، وبعد ذلك شنه مواجهة ضد المتظاهرين السنة، ثم اعتقال النائب السني أحمد العلواني على إثر مواجهة أدت الى مقتل شقيقه، فالإفراج عنه من دون تهم قضائية وفي مقابل فض الاعتصام في الرمادي.

كل هذه الخطوات أبعدت السنة العراقيين الذين عملت واشنطن بجهد لاستقطابهم إلى العملية السياسية، وسمحت للفصائل المتطرفة مثل "الدولة الاسلامية في العراق والشام" بالعودة إلى نشاطها، مستغلة الغضب السني ضد المالكي وسياساته، حسب الأوساط الأميركية.

لذا، قال مكاغيرك للمالكي إنه "لا يمكنه أن يكرر، بما فيه الكفاية، أهمية إعادة السنة إلى العملية السياسية، وذلك عبر حوار منفتح وشفاف ومشاركة السلطة معهم"، وهي الدعوة نفسها التي وردت في البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي، الذي أيد "القوات الأمنية العراقية، والشرطة المحلية، ومقاتلي العشائر" في مواجهتهم ضد "داعش".

وتنقل أوساط الخارجية الأميركية عن ماكغيرك قوله إنه لمس استعداداً لدى المالكي لعقد مؤتمر وطني، داخل أو خارج العراق، بمشاركة كل الأطراف العراقية، بمن في ذلك المسؤولين السنة الذين سبق للمالكي أن أخرجهم من الحكم.

وتضيف الأوساط الأميركية أن إسقاط التهم الموجهة للهاشمي وعودته للعراق لم تعد فكرة خارج التصور، خصوصا بعدما الغى الانتربول امس مذكرة التوقيف الصادرة بحقه.
وستساهم الزيارة التي يقوم بها رئيس مجلس النواب السني، أسامة النجيفي، إلى العاصمة الأميركية بتعزيز فكرة الحوار الوطني العراقي، وتوجيه رسالة مفادها أن واشنطن "لم تتخل عن حلفائها السنة"، وأنها ستعمل بجهد لجمعهم مع حلفائها الآخرين، أي المالكي، والكرد.

نقطة واحدة مازالت تحيّر الأميركيين هي مدى جدية المالكي بالتزام المصالحة وتداول السلطة، ولا سيما أن الرجل مقبل على انتخابات برلمانية مقررة في نيسان/أبريل المقبل، وهو قد يبدي مرونة تجاه السنة حتى لا تنفجر الأوضاع كلياً بشكل يهدد فرص إعادة انتخابه، إذ لطالما قدم المالكي نفسه على أنه المرشح القادر على ضبط الأمن.
كذلك، من مصلحة المالكي إبداء انفتاح على السنة ربما لتحصيل بعض الأصوات بين ناخبيهم والظهور بمظهر زعيم وطني أكثر من زعيم شيعي. 
في مطلق الأحوال، يبدو أن الازمة العراقية -على عكس الأزمات الأخرى في الشرق الأوسط - حركت الأميركيين، ودفعتهم إلى مراجعة سياساتهم تجاه العراق، وإعادة الانخراط أكثر في شؤونه خوفاً من انفلات الوضع فيه، وهذا إن حصل، يشكل مرارة لدى الأميركيين الذين يعتبرون أن تضحياتهم هي التي أدت إلى إنهاء الحرب الأهلية التي كانت مندلعة هناك في العامين 2007 و2008.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق