الثلاثاء، 4 فبراير 2014

اتفاقية الاطار الاسرائيلي الفلسطيني تقترب؟

حسين عبدالحسين

تنقل الأوساط الأميركية عن رئيس حكومة اسرائيل السابق، ايهود باراك، قوله إن عاملاً أساسياً يساهم في دفع مفاوضات السلام هذه الأيام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل لا سابق له: "هوس وزير الخارجية الأميركية جون كيري".

وعلى الرغم من أن الأشهر الأولى لاستئناف المفاوضات بين الوفد الفلسطيني، برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، والإسرائيلي، برئاسة وزيرة العدل تسيبي ليفني، شهدت تعثراً واستمرار التباعد بين الطرفين، إلا أن الإصرار الأميركي واندفاعة كيري يبدو أنها شارفت أن تثمر "اتفاقية إطار" من المتوقع أن يقدمها الوزير الأميركي إلى الطرفين في مهلة أقصاها نهاية الشهر المقبل، وتشكل الحد الأدنى للأمور المتفق عليها بين الطرفين والأرضية التي ينطلق منها كل منهما للتوصل إلى اتفاقية نهائية في مهلة زمنية لا تتعدى الستة أشهر، أي قبل نهاية هذا العام.

و"اتفاقية الإطار" المزمع الإعلان عنها هي، كما اتفاق المجموعة الدولية مع إيران، عبارة عن اتفاق أولي ومؤقت من شأنه أن يثبت ما هو متفق عليه في طريق تذليل الخلافات حول المتبقي من أمور خلافية.
والأمور المتفق عليها حتى الآن تتضمن تذليل عقبة الهوس الاسرائيلي بموضوع الأمن، وربما التذرع به لتمديد الوجود العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية إلى أجل غير مسمى.

على صعيد الأمن، تقول الأوساط الأميركية، إن واشنطن نجحت في إقناع تل أبيب في إعادة إحياء صيغة كان توصل إليها الفلسطينيون مع رئيس الحكومة السابق ايهود أولمرت، وتقضي بانسحاب اسرائيلي غير مشروط من الضفة الغربية في مهلة خمس سنوات، على أن تحل بدل القوات الاسرائيلية قوات من "تحالف شمال الأطلسي" (الناتو) لتتمركز بدلاً منها وتشرف على الأمن، بالتنسيق مع القوى الأمنية الفلسطينية والاسرائيلية.
وعلى الرغم من معارضة رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتيناهو للأمر، إلا أنه يبدو أن الأميركيين مارسوا حتى الآن ضغطاً كبيراً عليه للقبول بهذا الحل.

وفي هذا السياق، أجرى الكاتب في صحيفة "نيويويرك تايم" توم فريدمان مقابلة مع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس قال فيها إنه يمكن لقوات الناتو أن تتواجد في الضفة "لوقت طويل، أينما أرادوا، ليس على حدودنا الشرقية فحسب، بل على الحدود الغربية كذلك، لوقت طويل، إلى ما شاؤوا، يمكن للناتو أن يكون في كل مكان، لمَ لا؟".

ويضيف عباس أنه يمكن لقوات التحالف أن "تبقى لتضمن للاسرائيليين الأمن، ولحمايتنا، فنحن سنكون دولة منزوعة السلاح". ويختم: "هل تعتقد أن لدينا أي وهم أنه يمكن أن يكون لدينا أمن إذا لم يشعر الإسرائيليون أن لديهم أمناً؟".

وإلى موضوع الأمن، تتحدث الاوساط الاميركية عن حصول الفلسطينيين على "مساحة الضفة الغربية كاملة"، ما يعني تبادل أراض بين الدولتين بشكل يبقي 70 في المئة من المستوطنين الاسرائيليين في منازلهم. ومن المتوقع أن ينال الفسطينيون السيادة على الجزء الأكبر من القدس الشرقية، مع ترتيبات تضمن لليهود زيارة حائط المبكى.

وفي "اتفاقية الاطار" المتوقعة إشارة إلى عودة "لاجئين فلسطينيين" إلى الدولة الفلسطينية، على أن يحدد الطرفان إجمالي العدد المسموح له العودة، في وقت يتحدث الأميركيون عن ضرورة "إقفال ملف اللاجئين الفلسطينيين في الأنروا" مع التوصل إلى اتفاقية نهائية بين الطرفين، اي حل مشكلة اللاجئين نهائياً. وفي الختام اعتراف متبادل: اسرائيلي بدولة فلسطينية مستقلة وفلسطيني بدولة اسرائيلية لليهود.

لا شك أن الزخم الأميركي الكبير والاستثمار السياسي الشخصي لكيري في مفاوضات السلام ساهمت في تحريكها وإمكانية التوصل إلى اتفاقية، ولو مؤقتة.

لكن ما يبدو أنه محرك آخر لا يقل شأناً عن الدفع الأميركي هو تحول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من مسلح إلى سلمي تماماً، فعلى مدى العقد المنصرم، وباستثناء المواجهتين المسلحتين بين اسرائيل وحماس في غزة، لم ينخرط فلسطينيو الضفة الغربية في أي مواجهات مسلحة مع الاسرائيليين، في وقت عملت القوات الفلسطينية على ضبط الأمن بشكل كبير.
وعلى الرغم من أحداث الربيع العربي، لم يبد الفلسطينيون حماسة للقيام بانتفاضة ثالثة، على الرغم من بعض التوقعات في هذا الإطار.

على العكس، دأب الفلسطينيون، ولا سيما في الشتات، على تنظيم حملات مقاطعة أكاديمية ومالية، اثمرت أخيراً في إعلان صندوق المتقاعدين في هولندا عن نيته وقف التعامل مع المصارف الاسرائيلية بسبب المستوطنات، وهو ما سيكلف الاقتصاد الاسرائيلي نحو 5 مليارات دولار و10 آلاف وظيفة حسب الخبير الاسرائيلي هيرش غودمان، المعارض لحملات المقاطعة والذي يعتقد في الوقت نفسه بفاعليتها ونجاحها.

حملات المقاطعة هذه، حملت ليفني نفسها على الاعتراف بأن اسرائيل أصبحت منقطعة عن "الحقيقة الدولية" وقولها إن "المقاطعة تتحرك وتتقدم بطريقة منظمة وتتضاعف"، وأنه "حتى لو لم يكن هناك شريك فلسطيني" على اسرائيل أن "تتوصل إلى اتفاق مع العالم"، لأن المفاوضات ليست مع الفلسطينيين وحدهم، حسب تصريحات لها نقلتها صحيفة يديعوت احرونوت.

هكذا، يتقدم كيري، ربما باسم العالم بأجمعه والفلسطينيين، ليتفاوض مع الاسرائيليين ويقدم لهم أقصى ما يمكنهم التوصل إليه في ظل توسع الضغط الدولي ضدهم.

هذه الأجواء تعزز إلى حد كبير الاعتقاد بأن الظروف ملائمة جداً للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ولعل هذا ما يدفع كيري إلى الاستثمار سياسياً في هذه المفاوضات لاعتقاده بأنها، إن نجحت، فهو سيدخل التاريخ كالوزير الأميركي الوحيد الذي نجح حيث فشل أسلافه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق