الثلاثاء، 11 فبراير 2014

سوريا تهدد أمن أميركا القومي

حسين عبدالحسين

"الليلة الماضية، عدت أنا ووزير العدل من لقاءات في بولندا جمعتنا مع نظرائنا من ستة دول هي المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واسبانيا، وايطاليا وبولندا، وكانت سوريا موضوع الحديث الأول بالنسبة لنا ولهم"، يقول وزير الأمن القومي، جيه جونسون، في محاضرة في العاصمة الأميركية. ويضيف: "لقد أصبحت سوريا مسألة أمن قومي أميركي".

تصريحات جونسون لم تكن الأولى من نوعها. قبلها أطل مدير "الاستخبارات القومية للولايات المتحدة" جايمس كلابر ومدير "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي ايه) جون برينان بتصريحات مماثلة تحدثت عن قيام المجموعات الإسلامية المتطرفة بتجنيد رجال يحملون جنسيات أميركية وأوروبية للمشاركة في القتال ضد قوات بشار الأسد في سوريا.

طبعاً خطر هؤلاء داخل سوريا لا يقلق الأميركيين، إذ سبق أن قال قائد الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي إن الحرب في سوريا هي بين طرفين إرهابيين هما أعداء للولايات المتحدة، أي "تنظيم القاعدة" و"حزب الله" اللبناني، وأن من مصلحة واشنطن استمرار القتال بينهما من دون التدخل لحسم هذا الصراع لمصلحة طرف دون آخر.

إلا أن تصريحات ديمبسي، الصيف الماضي، لطالما تصدى لها عدد من المسؤولين والخبراء ممن حذروا من أن استمرار القتال في سوريا من شأنه أن يتحول إلى مسرح تجنيد وتنظيم وتدريب وإقامة شبكات تمويل لمقاتلين إسلاميين متطرفين، وانه فور انتهاء المواجهات في سوريا، من الطبيعي أن يعود هؤلاء إلى منازلهم، وبعضهم مواطنين دول غربية، وأن يقوموا بأعمال عنف أو إرهاب في هذه الدول.

هذه التحذيرات التي تتوالى على مسامع الرئيس باراك أوباما، الذي يبدو انه لا يبالي بها، تحولت إلى حقيقة صارت تخيف المسؤولين الاميركيين.
"بالاعتماد على عملنا وعمل شركائنا الدوليين، صرنا نعرف أن أفراداً من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا يسافرون إلى سوريا للقتال في الصراع، وفي نفس الوقت، يسعى المتطرفون لتجنيد غربيين، وأدلجتهم، والإشراف على عودتهم إلى بلادهم مع مهمة متطرفة"، حسب الوزير الأميركي، الذي أردف: "لكن وزارة الامن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) واجهزة الاستخبارات تتابع عملها المشترك لتحديد هؤلاء المقاتلين الاجانب الذين يمثلون خطرا على الوطن".

وكانت الرواية الرسمية للادارة الاميركية تحذر من أن انهيار نظام بشار الأسد من شأنه تحويل سوريا إلى مقر للمجموعات المتطرفة تشن منه هجمات إرهابية ضد دول الجوار، وأوروبا، والولايات المتحدة، وهو ما دفع بواشنطن إلى الإحجام عن استخدام أي قوة عسكرية لترجيح كفة الثوار ضد الأسد.

لكن حتى مع بقاء الأسد، وجدت المجموعات المتطرفة لنفسها موطئ قدم في سوريا، وبدأت بممارسة نشاطات هي بمثابة كابوس للاستخبارات الغربية والأميركية، التي تسعى اليوم إلى التعامل مع نتائج هذا الواقع، ما دفع من طالبوا بإزاحة الأسد منذ اليوم الأول اعتبار انه لو قامت واشنطن بحسم الوضع السوري قبل أن يحوله الأسد إلى حرب أهلية، لكانت فرص انتقال السلطة سلمياً أكبر واستباب الأمن في سوريا أسهل.

على انه بغض النظر عن الخطر السوري تجاه الولايات المتحدة، مازال الرئيس الاميركي يتصرف وكأن الأحداث في سوريا هي "حرب الآخرين الأهلية"، حسب التسمية التي أطلقها عليها في خطابه إلى الشعب الأميركي في أيلول/سبتمبر الماضي.
ومما قاله أوباما العام الماضي، ومازال يكرره اليوم، هو إن لا مصلحة لبلاده التدخل في سوريا، وإن الأفضل هو البقاء بعيداً عن هذا الصراع حتى لا تنعكس امتداداته على الولايات المتحدة.

وجدد الرئيس الأميركي تصوره للحرب السورية على أنها مواجهة تؤثر في منطقة الشرق الأوسط دون غيرها، وكتب في مقالة نشرها مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند في صحيفة "واشنطن بوست"، بمناسبة زيارة الأخير للعاصمة الأميركية، جاء فيها: "فيما تهدد الحرب في سوريا استقرار المنطقة، بما فيها لبنان، على المجتمع الدولي أن يزيد من مجهوده للعناية بالشعب السوري، وتقوية المعارضة السورية المعتدلة، والعمل من خلال عملية جنيف 2 باتجاه انتقال سياسي يمكنه أن يخلّص الشعب السوري من الديكتاتورية والإرهاب".

هكذا، بينما يكرر كبار المسؤولين الأميركيين تحذيراتهم من أن تطال النار السورية "الوطن" الاميركي، يمضي أوباما في تأكيده أن ما يحدث في سوريا هو حرب السوريين فقط، وأن تأثيرات هذه الحرب تقتصر على منطقة الشرق الأوسط دون غيرها، وأن الحل الوحيد يكمن في "عملية جنيف"، وهي التي صار يبدو أن المسؤولين الأميركيين يدركون أنها ستكون عملية طويلة من دون نتائج في المدى المنظور، مع ما يعني ذلك من بقاء الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأميركية في حالة تأهب قصوى، فيما أوباما لا يبدو أن الانتظار يقلقه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق