السبت، 12 أبريل 2014

انقسام داخل الإدارة الأميركية حول «اليوم التالي» للاتفاق مع إيران

حسين عبدالحسين

تقول الروايات المتواترة من داخل أروقة القرار في العاصمة الاميركية ان ادارة الرئيس باراك أوباما صارت تتصرف وكأن الاتفاق مع ايران، حول ملف الاخيرة النووي، صار ناجزا، وان المطلوب الآن هو تحديد كيفية التعامل مع طهران في مرحلة ما بعد الاتفاق، وهو ما ادى الى وقوع انقسام حاد داخل صفوف الادارة بين فريقين، الاول يقوده وزير الدفاع تشاك هيغل، الذي يدعو لاستئناف العلاقة مع الايرانيين بشكل فوري ومبشار وتوطيدها، وفريق آخر بقيادة وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الامن القومي سوزان رايس يدعو الى التريث، والى استخدام اي علاقة مستجدة مع الايرانيين للطلب منهم «تغيير تصرفاتهم» في المنطقة.

وتنقل الاوساط الاميركية عن فريق « الديبلوماسيين والتقنيين» العائد من احدث جولات المفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا، الاسبوع الماضي، ان «الاتفاق بين مجموعة دول «خمس زائد واحد» وايران صار بحكم المؤكد»، وان «المتبقي هو صياغة الاتفاقية النهائية»، مع ترجيح توقيعها في يونيو المقبل، اي قبل انتهاء مفاعيل اتفاقية جنيف الموقتة في يوليو.

وما عزز الانطباع بالتوصل الى اتفاقية مع الايرانيين هو اعلان الرجل الثاني في وزارة الخارجية وليام بيرنز خروجه الى التقاعد، اول من امس، وهو امر كان مؤجلا بطلب من الرئيس باراك أوباما شخصيا حتى يدير بيرنز عملية التوصل الى اتفاق مع الايرانيين.

وتلخص الاوساط نفسها الاتفاقية على الشكل التالي: «اهم ما حدث من وجهة نظر الولايات المتحدة ان ايران قدمت تنازلين رئيسيين، الاول سماحها بمراقبة كل النشاطات المتعلقة ببرنامجها النووي، ابتداء من استخراج اليورانيوم من المناجم وحتى تخصيبه واستخدامه، والثاني هو قبول ايران تخفيض عدد الطرود المركزية في مفاعلي ناتانز وفوردو الى مستوى يجعل انتاج يورانيوم مخصب بدرجة التسليح تأخذ عاما على الاقل».

وينقل البعض ان ايران وافقت حتى على تحويل المفاعلين، او احدهما، الى منشأة نووية للابحاث عن غرار تلك الموجودة في طهران. وتضيف الاوساط الاميركية ان طهران وافقت كذلك على «اعادة تصميم مفاعل آراك للمياه الثقيلة ووضعه تحت المراقبة».

اما الاهم، من وجهة نظر الايرانيين، فهو ان «التخصيب سيستمر، وهو ما من شأنه ان يحفظ للنظام ماء الوجه، ويجعله يبدو بمظهر المنتصر في مواجهة كلفت الايرانيين الكثير، وخصوصا من اقتصادهم ومعاشهم»، حسب المصادر الاميركية.

خلاصة القول ان الاتفاقية ستسمح لايران بالاستمرار بتخصيب اليورانيوم بكميات يستحيل ان توفر المطلوب لصناعة قنبلة نووية، وان ذلك سيجري بمراقبة اممية لصيقة وكاملة. كذلك، ستتضمن الاتفاقية ما يشبه «البند الجزائي»، اي آلية تتضمن العواقب التي ستواجه الايرانيين في حال قرروا التخلي عن الاتفاقية، او الاخلال ببنودها.

بدورها، ستعمل مجموعة «خمس زائد واحد» على ترجمة الاتفاقية النووية مع ايران الى قرار يصدر عن مجلس الامن، يرفع عنها العقوبات الدولية المفروضة عليها، ويستبدلها بـ «البند الجزائي»، الذي قد يتضمن عبارات تسمح باستخدام القوة ضد اهداف ايرانية في حال اخلال ايران بتعهداتها.

«الكيمياء ممتازة بين المجموعة الدولية وايران»، تنقل الاوساط عن احد المشاركين في مفاوضات فيينا.

هكذا، يستعد أوباما لاعلان انتصار ديبلوماسي يتمثل بنزع الفتيل النووي الايراني، ومن المرجح ان يقترن انتصاره هذا بانتصار آخر على صعيد حظر اسلحة انتشار الدمار الشامل يتمثل باتمام الرئيس السوري بشار الاسد تسليم ترسانته الكيماوية، في وقت يعتقد البعض ان أوباما وادارته سيعملان على استثمار هذين الانتصارين لمساعدة الحزب الديموقراطي، صاحب الحظوظ المتهاوية، في انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر المقبل.

ولأن الاتفاق مع ايران صار في حكم المبرم، راح العاملون في ادارة الرئيس الاميركي يتباحثون في مستقبل العلاقة الاميركية - الايرانية، مع ما يعنيه ذلك من وجوب استعدادات في كلتا الحالتين: المضي في التطبيع مع الايرانيين او قرار مواجهتهم سياسيا وديبلوماسيا على صعيد المنطقة.

وتطور النقاش حول ايران حتى وصل الى خارج الادارة، فأطل الجنرال المتقاعد، بطل حرب العراق والمدير السابق «لوكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) دايفد بترايوس في مقالة تصدرت الصفحة الاولى لصحيفة «واشنطن بوست».

«رفع العقوبات سيؤدي الى تعزيز الوضع الاقتصادي لحكومة تتصدر حكومات العالم في رعاية الارهاب»، كتب بترايوس، مضيفا انه «حتى تحت عقوبات ادت الى شللها، نجحت ايران في تأمين دعم ثابت لوكلائها المتطرفين كجزء من اجندتها الجيوسياسية الاكبر في الشرق الاوسط وما بعده، وهي نشاطات تتناقض ومصالح الولايات المتحدة ومصالح اقرب حلفائها».

ويقول بترايوس انه من الممكن ان الاتفاق مع ايران سيؤدي الى تقارب بينها وبين اميركا وحلفائها، الا ان الارجح ان ايران ستستخدم قوتها المستجدة لبسط نفوذها في سورية، ولبنان، والعراق، والجزيرة العربية.

ويتابع بترايوس انه لا يعتقد ان على واشنطن التخلي عن الديبلوماسية، فهي الوسيلة الافضل لنزع فتيل ايران النووي، لكنه يقترح خمس خطوات لتخفيف تأثير رفع العقوبات عن ايران.

الخطوات الخمس هي، حسب الجنرال الاميركي، القول علنا للايرانيين انه لن تكون هناك مصالحة معهم في حال استمروا في تصرفاتهم التي تزعزع استقرار المنطقة، وانه على واشنطن ان تؤكد لطهران انها ليست متحمسة للخروج من الشرق الاوسط الى درجة انها ممكن ان تقبل هيمنة ايرانية فيه.

الخطوة الثانية هي المزيد من المشاورات مع حلفاء اميركا العرب واسرائيل من اجل الاستعداد لمواجهة ايران اكثر قوة بسبب رفع العقوبات الاقتصادية عنها، اما الثالثة فتكمن في زيادة الدعم العسكري لتسليح المعارضة السورية «لقلب مكتسبات الاسد» هناك.

الخطوة الرابعة، والتي يصفها بترايوس بالمفارقة، تكمن في ان التوصل الى حل نووي يؤدي الى رفع العقوبات عن ايران لن يؤدي الى تخفيف المشاركة الاميركية في الشرق الاوسط، بل سيؤدي الى «تعميق وجودنا العسكري والديبلوماسي والاستخباراتي في المنطقة من اجل مساعدة الحلفاء على موازنة القوة الايرانية المتزايدة».

ختاما، دعا بترايوس الى تحصير نسخة جديدة من العقوبات الاقتصادية حتى تفرضها اميركا وحلفاؤها على طهران، هذه المرة لا بسبب ملفها النووي، بل بسبب رعايتها ودعمها للارهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق