الخميس، 3 أبريل 2014

محاولات كيري لتحقيق سلام فلسطيني - إسرائيلي تصطدم بواقع معاند

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اصطدم أول استحقاقات ربيع الديبلوماسية الاميركية الموعود في الشرق الاوسط بحائط الواقعية، اذ صار من شبه المؤكد تعذر التوصل الى اتفاقية سلام شاملة بين الفلسطينيين والاسرائيليين كان وزير الخارجية جون كيري وعد بها، ووصف التوصل اليها في 29 ابريل المقبل، امرا ممكنا وغير مستحيل.

وفي ظلّ الفشل، تحاول واشنطن استخدام الاوراق التي في حوزتها لتمديد مهلة التفاوض حتى نهاية العام الحالي بتقديمها وعودا لاسرائيل بالافراج عن الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد، الذي يقبع في السجن منذ العام 1985 بحكم على مدى الحياة، ولكن يمكن له البدء باستئنافه ابتداء من العام المقبل. في المقابل تطلب واشنطن افراج اسرائيل عن دفعة الفلسطينيين المتفق عليها والمتبقين في السجون الاسرائيلية، حتى يتم تمديد عملية المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

وهذه ليست المرة الاولى التي تطيح فيها الواقعية بأحلام المسؤولين الاميركيين. فالرئيس باراك أوباما، اثناء حملة ترشحه وفي الاشهر الستة الاولى لرئاسته، قدم الكثير من الوعود، وأكد ان التوصل الى سلام فلسطيني - اسرائيلي هو في حكم الناجز، ليستفيق بعد ذلك على واقع مرّ اجبره على التراجع علنا عن مساعيه في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» اكد فيها انه «لم يكن يدري مدى صعوبة تحقيق السلام»، مضيفا ان «السلام هو مسؤولية الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وانه لا يمكن للولايات المتحدة ان تريده اكثر من الاطراف المعنية».

وكما أوباما كذلك فعل كيري، الواثق من نفسه، والذي وضع جدولا زمنيا طموحا جدا لانجاز السلام، فيما وصفت غالبية الخبراء والمتابعين الجدول في حينه بـ«غير الواقعي». وكما تراجع أوباما، كذلك يتراجع كيري الذي استبدل نبرته من طموح سلام مؤكد وناجز الى التساؤل عن «البديل» المجهول في حال تعثر المحاثات بين الطرفين.

أما المشكلة الكبرى فتكمن في ان مسؤول المفاوضات في وزارة الخارجية الاميركية هو أحد اقدم الديبلوماسيين ممن عاشوا جولات مشابهة في الماضي، ويبدو انهم لم يتعلموا منها، فمارتن انديك، السفير الاميركي السابق في اسرائيل، شارك في جولات عدة اثناء حكومة بنيامين نتنياهو الاولى في النصف الثاني من التسعينات، والتي كان يرعاها الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي ورغم حنكته ومقدرته الهائلة على الحشد والاقناع، لم يتمكن من دفع السلام قدما، لا بل ساهم انهيار العملية السلمية مع نهاية ولايته الثانية في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

انديك، الذي مازال يحاول دفع العملية السلمية هذه الايام عن طريق ديبلوماسية ناشطة بين رام الله وتل ابيب، لا يبدو انه حقق أي نجاح يذكر، ومن غير المتوقع ان تؤدي جهوده الى انفراجات قبل موعد 29 ابريل.

اما أحدث العراقيل، فبرزت بعدما رفضت حكومة نتنياهو الافراج عن الدفعة المتبقية من السجناء الفلسطينيين والبالغ عددهم 26. وكانت اسرائيل افرجت عن 78 فلسطينيا محكومين بأحكام سجن طويلة، في مقابل موافقة الفلسطينيين على العودة الى طاولة المفاوضات بمهلة زمنية تنتهي في 29 ابريل. الا انه يبدو ان اسرائيل شعرت بأن ثمن شراء وقت للمفاوضات مرتفع، وانها صارت تسعى الآن الى تمديد المهلة في مقابل الافراج عن الدفعة الاخيرة.

لكن نقض الوعد استفز الفلسطينيين الذين صاروا يهددون بانهاء التفاوض، حتى قبل الموعد المذكور، ما لم تف اسرائيل بوعودها.

وفي هذه الاثناء، صار يبدو جليا ان «اتفاق الاطار»، الذي أراد كيري تقديمه في الموعد المذكور والاشارة اليه كأولى ثمرات ديبلوماسيته المحنكة، من غير الممكن ان يتم التوصل إليه نظرا للخلافات حول مضمونه، فالفلسطينيون لا يوافقون على اي بقاء عسكري اسرائيلي، وحتى ان في قواعد محددة، في وادي الاردن، بعد توقيع السلام. كذلك، لم يفلح كيري في حمل الفلسطينيين على قبول الاعتراف بـ «يهودية دولة اسرائيل»، وهو طلب، تقول بعض الاوساط الاميركية، حمله أوباما معه شخصيا الى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حتى يمارس الاخير الضغط على الفلسطينيين للقبول به.

وتقول المصادر نفسها ان أوباما «سمع من الملك عبدالله تأكيد التزام بلاده والدول العربية مبادرة بيروت للسلام»، الصادرة في العام 2002، والتي تنص على قيام دولة فلسطينية على اراضي العام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، في مقابل اعتراف عربي باسرائيل وباتفاقية سلام معها.

واضافت ان «السعوديين قالوا للاميركيين ان يهودية اسرائيل هو شأنها الداخلي، وان أي رأي فلسطيني بيهوديتها او عدم يهوديتها هو غير ذي صلة».

ومع مايبدو انهيارا تاما لمحاولات كيري السلمية، عمد الاخير وفريقه الى اخافة الطرفين من البديل، خصوصا عند الاسرائيليين، من امكانية مقاطعة دولية لهم او من مغبة «المشكلة الديموغرافية» لتزايد الفلسطينيين التي تحتم انفصال اسرائيل عنهم في الضفة للمحافظة على غالبيتها اليهودية.

وفي الناحية الفلسطينية، يحاول الاميركيون اقناع الفلسطينيين ان هذه المفاوضات قد تكون فرصتهم الاخيرة، خصوصا مع بلوغ عباس عامه الـ 79، وامكانية انهيار السلطة في حال رحيله، وسيطرة فصائل متطرفة على الضفة وتحويلها الى قطاع غزة آخر.

هكذا، اصطدمت السذاجة الاميركية بالواقع، وصار الخبراء يرجحون عودة الامور الى ماكانت عليه، مع محاولات فلسطينية للضغط على الاسرائيليين في المحافل الدولية، يقابل ذلك محاولات اسرائيلية لحض اميركا والاتحاد الاوروبي على التلويح بقطع المساعدات عن الفلسطينيين في حال واصلوا مساعيهم الدولية، وفي الوقت نفسه تهديد اسرائيل للسلطة الفلسطينية بحجب اموال الضرائب عنها، رغم خوف الاسرائيليين من ان أي عقوبات قاسية قد تطيح بالسلطة وتفتح الباب للمتطرفين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق