الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

كيف تحول الدفاع عن قنصلية أربيل استعادة لسد الموصل؟

حسين عبدالحسين

"اليوم، بدعم منا، خطت القوات العراقية والكردية خطوة أساسية باستعادتها أكبر سد في العراق قرب مدينة الموصل"، قال الرئيس باراك أوباما، الذي قطع اجازته الصيفية وحضر الى البيت الابيض، بنبرة بدا عليها الملل وعدم الاهتمام. لكن كيف تحولت عملية محدودة كانت مقررة للدفاع عن القنصلية الأميركية في أربيل الى عملية جوية موسعة تشهد أكثر من أربعين طلعة جوية أميركية يومياً؟ وبعد ان أصبح مقاتلو الدولة الاسلامية بعيدين عن القنصلية المذكورة، الى متى تستمر الغارات الأميركية، وما هو هدفها؟

الإجابة قد تأتي من حصيلة اللقاءات الأميركية المتواصلة مع الإيرانيين، فالولايات المتحدة تعهدت المشاركة في إلحاق الهزيمة بالدول الإسلامية في حال تنحى رئيس حكومة العراق نوري المالكي وأقام العراقيون حكومة "أكثر تمثيلاً"، أي تضم الكرد والسنة.

أما إيران، التي لا تكنّ إعجاباً للمالكي، الذي لطالما رفض الإنضواء في "التحالف الوطني" من دون تزعمه، لم تقلق كثيراً لاستبداله، في وقت يعتقد البعض ان خليفته حيدر العبادي أكثر قرباً لإيران من سلفه.

"على مدى الأسبوع الماضي"، يقول أوباما، "رأينا تقدما تاريخيا مع تسمية العراقيين رئيس حكومة، حيدر العبادي، مع موافقة المالكي بالتنحي"، مضيفاً أن "الانتقال السلمي للسلطة يمثل خطوة كبيرة في مسار تطور العراق السياسي، ولكني اعتقد اننا كلنا نعي ان العمل لم يتم بعد".

وفي الاثناء، عمدت أوساط أوباما الى تسريب انباء مفادها انها هي التي تقف خلف وصول العبادي الى منصبه، وان العملية بدأت بإقناع السفير الأميركي في العراق للنائب احمد الجلبي بضرورة سحب ترشيحه الى منصب نائب رئيس مجلس النواب لمصلحة العبادي، كتمهيد لاختيار الأخير رئيساً للحكومة.

لكن تسلسل الأمور يشي بمبالغة أميركية، فلماذا يسعى الأميركيون لانتخاب العبادي نائباً لرئيس المجلس قبل اختياره رئيساً للحكومة، ما يعني أن جهة أخرى قدمته لرئاسة الحكومة. هذه الجهة هي قائد "فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني، الذي عمد الى سحب حلفاء المالكي من بين يديه الى ان تمكن من اقناعهم بترشيح العبادي.

ومع اعلان ترشيح عبادي، وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم مضطرين للالتزام بجانبهم من الاتفاق مع الإيرانيين، فوسعت واشنطن من ضرباتها الجوية، وتحركت العشائر السنية للمشاركة في القتال ضد داعش، وتابع المقاتلون الكرد تقدمهم بغطاء جوي أميركي.

بيد أن أولى بوادر غياب التمثيل في حكومة العراق الجديدة جاء من كردستان، حيث ذكرت تقارير في العاصمة الأميركية ان المالكي وعبادي رفضاً السماح لطائرات غربية محملة بالعتاد بعبور الأجواء العراقية الى أربيل لتزويد البيشمركة الكردية بالسلاح، وهو ما يشي بخوف عراقي، وخلفه خوف إيراني أكبر، من زيادة في مقدرة الكرد القتالية تساهم لاحقاً في انفصالهم عن العراق، وربما عن ايران في ما بعد.

وإذا ما بقيت الثقة غائبة بين الأطراف العراقية، ليس من المتوقع أن تقدم الحكومة العراقية المقبلة المال والسلاح اللازم لمقاتلي العشائر، على غرار ما فعل المالكي قبلا، خوفا من ارتفاع في مقدرتهم القتالية، وهو ما يعني ان "حكومة المشاركة" العراقية لن تتعدى اطارها الشكلي السابق.

إدارة أوباما تبدو غافلة عن كل هذه التفاصيل، بالضبط كمجلس الأمن الذي أصدر قراراً لضبط تمويل داعش عبر المصارف، وكأن أموال هذا التنظيم تمر عبر بنوك نيويورك. لكن إدارة أوباما تريد في الوقت نفسه تقديم نجاحات للرأي العام الأميركي، ربما بهدف حمله على الموافقة على المزيد من التوغل العسكري للقضاء تماما على الدولة الإسلامية.

من دون الرأي العام الأميركي، سيجد أوباما نفسه مجبراً على وقف الغارات الجوية في الأسبوع الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، لذا، عمد افراد فريقه الى الاتصال بزعماء الكونغرس من الحزبين لاقناعهم بضرورة اصدار قانون يسمح بتمديد العمليات العسكرية الى ما بعد ستين يوماً، تحت عنوان "الحرب على الارهاب"، التي كان أوباما نفسه هو من اعلن نهايتها بالقضاء على "تنظيم القاعدة". ثم قامت إدارته بتغيير تسمية "مكافحة الارهاب" الى "مكافحة العنف المتطرف".

اليوم، تعود الادارة نفسها لاستجداء الكونغرس لدعم حربها الجديدة ضد الارهاب. كذلك، حاولت أميركا عبر حلفائها في مجلس الأمن استصدار قرار ضد الدولة الإسلامية، لكن بسبب معارضة روسيا وخوفها من ان تتوسع العمليات الأميركية لتشمل أهدافا داخل سوريا، وربما أهدافا تابعة للنظام السوري، خرج القرار من دون بند عسكري كانت إدارة أوباما تعول عليه للمشاركة في تحالف دولي لا يحتاج لموافقة الكونغرس.

حتى الآن، خرجت إدارة أوباما من الكونغرس ومن مجلس الأمن بخفي حنين، فيما أطل أوباما ليقدم إنجاز استعادة سد الموصل لكسب الرأي العام الذي يتخوف من اضطراره للجوء اليه.

حتى نفاد مهلة الأيام الستين، سيستمر أوباما في التخبط، وستبقى خطته الوحيدة الاستناد الى ايران، وربما في وقت لاحق الى قوى أخرى في المنطقة، لإيصال عمليته العسكرية الى ختامها بالقضاء الكلي على الدولة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق