الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

غياب السياسة الخارجية عن انتخابات الكونغرس

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

أظهرت دراسة قام بها مركز أبحاث «كانتار» للشؤون الإعلامية انه في 1155 دعاية انتخابية بثتها الشبكات التلفزيونية الأميركية منذ مطلع العام، بلغت نسبة الدعايات التي تم تخصيصها لشؤون السياسة الأميركية الخارجية اقل من 3 في المئة، ما يعني استمرار تركز اهتمام الاميركيين على الشؤون الداخلية التي ستسيطر على انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر المقبل.

وأظهرت الدراسة ان 42 في المئة من الدعايات الانتخابية تمحورت حول قانون الرعاية الصحية المعروف بقانون «أوباما كير»، والذي لا يلاقي استحسانا شعبيا، ما دفع مرشحي الحزب الجمهوري الى استخدامه كمادة معادية ضد الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي. يلي الرعاية الصحية شؤون الموازنة العامة والانفاق الحكومي، فالبطالة والضرائب.

وفي المرتبة الأخيرة، حلت دعايات حول الوضعين في العراق وأفغانستان والموقف الأميركي منهما، وهذه شؤون يتم التطرق اليها من باب مهاجمة أوباما واظهاره كرئيس ضعيف أدت قيادته الى تقويض سطوة اميركا ونفوذها حول العالم. اما سورية، فكانت حاضرة في دعاية واحدة فقط من الـ 1155 التي احصاها المركز.

ورغم تراجع الشؤون الخارجية عموما في الانتخابات النصفية، وتقدمها بعض الشيء في الانتخابات الرئاسية، الا انه في العام 2002، مثلا، تصدرت «الحرب على الإرهاب» مواضيع الساعة وسيطرت على الانتخابات التي فاز فيها الجمهوريون بالكونغرس، فاعتبر الرئيس السابق جورج بوش الفوز بمثابة موافقة شعبية على نيته شن حربين في أفغانستان والعراق.

وفي العام 2006، عادت السياسة الخارجية الى الصدارة في انتخابات الكونغرس، اذ عول الديموقراطيون على الاستياء الشعبي من حرب العراق واستخدموه في الدعاية التي ساهمت في استرجاعهم الغالبية.

لكن منذ ذلك الحين، لم يحدث ان تصدرت السياسة الخارجية شؤون الانتخابات الأميركية، وهو الأمر الذي تنبه اليه أوباما وفريقه، وعملا بموجبه.

فالرئيس الأميركي أطل الاسبوع الماضي ليجدد أن لا دور لبلاده في تحديد مصير الشعوب الأخرى.

ومما قاله أوباما، ردا على المشككين في قيادته والقائلين انه رئيس ضعيف، ان لا الولايات المتحدة ولا الرئاسة الأميركية تملكان القوة الكافية للسيطرة على مجريات الاحداث حول العالم، ولكنه أصر ان له ولبلاده المقدرة على «احداث فرق» حول العالم.

وقال أوباما: «هذه فكرة يرددها البعض بشكل مستمر، ويبدو ان هؤلاء نسوا ان أميركا، كأقوى دولة في العالم، لا تسيطر على كل شيء حول العالم، لذا، كما تعلمون، فان مجهودنا الديبلوماسي غالبا ما يأخذ بعض الوقت».

ولكن رغم تكرار أوباما مقولات من طراز ان أميركا هي الدولة الأقوى في العالم، الا ان معارضيه، وخصوصا من الجمهوريين، يحاولون تشبيهه دائما بالرئيس السابق جيمي كارتر، الذي اشتهر بـ «خطاب المرض» الذي توجه فيه الى الاميركيين من البيت الأبيض ليصارحهم ويقول لهم ان أيام قوة اميركا ولت، وان عليهم التقشف في الطاقة والمال والقوة العسكرية.

ويحاول الجمهوريون في الوقت نفسه الإشارة الى ان الرئيس الراحل الذي تلا كارتر، أي رونالد ريغان، كان من الحزب الجمهوري. وكان ريغان اشتهر بتفاؤله المفرط الذي منح الاميركيين املا بأن «الحلم الأميركي» مازال حيا، وبأن الولايات المتحدة هي «المدينة المشرقة على التلة» التي ينظر اليها العالم كخشبة خلاصه.

والمعروف ان الرئيس السابق جورج بوش الابن حاول تقليد ريغان، اذ على الرغم من المصاعب التي واجهتها اميركا اثناء فترة حكمه حول العالم، الا انه كان غالبا ما يطلق تصريحات تجافي الواقع، مثلا في ذروة الازمة الأميركية في العراق، قال بوش ان بلاده «ستستمر على السكة نفسها»، وانها «ستقعد عندما يقف العراقيون على اقدامهم». وعندما كاد الاقتصاد الأميركي ان ينهار، صرح بوش ان «أسس اقتصادنا قوية»، فبدا وكأنه منعزل عن الواقع.

هكذا، يبدو ان غالبية الاميركيين تفضل رئيسا يتكلم بقسوة حول شؤون السياسة الخارجية، حتى لو كان الاميركيون غير مهتمين بشؤون العالم ومنهمكين بشؤونهم الداخلية.

ويبدو أيضا ان هذه الرغبة الشعبية الأميركية هي التي دفعت أوباما غالبا على إطلاق وعود لم يحترمها فيما بعد، مثل توجيهه تهديدات الى الرئيس السوري بشار الأسد من مغبة استخدام أسلحة كيماوية واعتبار ذلك خطا احمر. وبعد تقديم الاستخبارات الأميركية تقييمها الذي قضى بأن الأسد شن هجوما كيماويا في 21 أغسطس الماضي في غوطة دمشق، وجد أوباما نفسه مجبرا على تحريك السفن الحربية الأميركية، لكنه سعى جاهدا لمخرج قدمه له لاحقا – عن طريق المصادفة – الروس.

في واشنطن، يعتقد كثيرون ان السياسة الخارجية لطالما كانت في يد الرئيس وحده من دون الكونغرس وسائر الشعب الأميركي، الا في الأمور الكبرى مثل دخول حربي العراق وأفغانستان اللتين حتمتا الحصول على تفويض من الكونغرس بعد حملة كبيرة لإقناع الاميركيين بدعمها.

لكن في أمور العالم الأخرى، كان يمكن لأوباما توجيه ضربة عسكرية للأسد، على غرار مشاركة اميركا في الأيام الأولى للحرب في ليبيا، تقريبا من دون ان تلاحظ غالبية الاميركيين ان بلادهم دخلت في حرب جديدة، وفي الوقت الذي تنبهوا الى ذلك، انسحب أوباما كليا من المجهود العسكري تاركا الأوروبيين يخوضون المعركة وحدهم.

ولأن الكونغرس وانتخاباته بعيدة عن السياسة الأميركية الخارجية، ولأن لا شهية للرئيس الأميركي للتوغل فيها، فان العالم على موعد مع سنتين اضافيتين من السبات الأميركي عالميا هي الوقت المتبقي في حكم الرئيس الأميركي الحالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق