الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

واشنطن تسعى إلى تعميم نموذجها في «الحرس الوطني» ... على العراق وسورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تسعى الخطة الاميركية لمحاربة تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) الى «فصل قبائل السنة» عن التنظيم، على حد تعبير رئيس أركان الجنرال مارتن ديمبسي اثناء جلسة الاستماع التي عقدتها «لجنة القوات المسلحة» في مجلس الشيوخ، أول من أمس، مضيفا انه «ان لم ننجح في ذلك، علينا العودة الى اللوح الخشبي» لرسم خطة بديلة.

يضيف ديمبسي ان القبائل في محافظة الانبار العراقية «تطمح لتكوين حرس وطني، ويمكنها ان تساهم بشكل كبير في الحرب ضد داعش». ويكشف الجنرال الأميركي ان رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي كان معارضا لانشاء «حرس وطني» في الأنبار، على غرار قوات البيشمركة الكردية، فيما رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي منفتح على الفكرة.

و«الحرس الوطني» في الولايات المتحدة هو قوات مسلحة تابعة لحكومات الولايات وتأتمر بأوامر محافظ الولاية، وهي غير الجيش الأميركي التابع، بوحداته المختلفة، للحكومة الفيديرالية التي يرأسها باراك أوباما. وحسب القانون الأميركي، يمكن للرئيس أن يأمر قوات «الحرس الوطني» في عمليات خارج البلاد فقط، مثل في الحربين في العراق وأفغانستان، لكن لا يمكنه تحريكها داخل البلاد، مثل ابان نشرها على الحدود مع المكسيك لوقف تدفق اللاجئين، وهو الأمر الذي تطلب موافقة محافظ ولاية تكساس ريك بيري.

وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أول من أعلن نية بلاده تخصيص مبلغ 48 مليون دولار من اجل إقامة وتمويل «حرس وطني في العراق»، اثناء زيارته بغداد الأسبوع الماضي واثارته الأمر مع العبادي.

بعد ذلك بساعات، قال أوباما في خطابه الى الشعب الأميركي: «سوف ندعم مجهود العراق لإقامة وحدات حرس وطني لمساعدة الجماعة السنية على ضمان حريتها ضد سيطرة داعش».

وحديث المسؤولين الاميركيين المستجد عن «الحرس الوطني» المزمع اقامته يطوي صفحة عقد كامل من الزمن حاولت فيه الولايات المتحدة إقامة وتدريب ودعم جيوش وطنية، على غرار جيشي العراق وأفغانستان، كشركاء في تثبيت الأمن ومكافحة الإرهاب.

وفي السنوات الثلاث التي تلت اندلاع الثورة السورية في العام 2011، أصر المسؤولون الأميركيون على ضرورة الحفاظ على «الجيش العربي السوري» ليستمر في مهامه، خصوصا بعد رحيل بشار الأسد عن السلطة.

وقد تكون مصر النموذج الأبرز للشراكة الأميركية مع الجيوش العربية، حيث تعتبر الولايات المتحدة ان المساعدة التي تقدمها للجيش المصري تضمن لها مصالحها الاستراتيجية واهمها حرية الملاحة في السويس، وأمن الحدود مع إسرائيل، وحق استخدام الطائرات العسكرية الأميركية للمجال الجوي المصري. اما شؤون مصر السياسية الداخلية فلا تستأهل اهتماما اميركيا أكثر من تصريحات ديبلوماسييها والناطقين باسمها.

ولكن بعد انهيار الجيش العراقي في الموصل في 8 يونيو امام اجتياح «داعش»، وبعد الأداء الضعيف للقوات الحكومية العراقية في وقف زحف «داعش» او استعادة مناطق منه، يبدو ان واشنطن تخلت عن فكرة البحث عن شركاء في الجيوش، وأدركت ان حكومات وطنية ضعيفة ومنقسمة لا يمكنها الا ان تنتج جيوشا على شاكلتها.

هكذا، رفعت الولايات المتحدة – للمرة الأولى منذ العام 2003 –الحظر الذي كانت تفرضه على تسليح قوات البيشمركة الكردية. في الماضي، كانت تخشى واشنطن ان يثير تسليح حلفائها الكرد خوف حليفتها تركيا، وريبة خصمها إيران التي تسعى واشنطن منذ سنوات لمصادقتها.

لكن احداث الموصل فرضت تغييرا في الرؤية الأميركية، وتوجهت الأنظار الى السكان المحليين، ان من قبائل العراق السنية، او البيشمركة، او الثوار السوريين، لتشكيل ميليشيات يمكنها مواجهة «داعش»، او الدفاع عن مناطقهم في وجه مخاطر أخرى مثل قوات بشار الأسد. وتقول التقارير ان واشنطن أوعزت لحلفائها الكرد بتدريب وتسليح ميليشيات مسيحية وايزيدية وكاكائية عراقية، وهو ما بدأ مطلع الأسبوع.

لكن هل يؤدي التسليح والتدريب وإقامة ميليشيات محلية تحت مسمى «الحرس الوطني» الى تفتيت الدول العربية المعنية، وفي طليعتها العراق وسورية؟

ليس بالضرورة ذلك، فالمسؤولون الأميركيون يسعون الى إعادة تشكيل العراق وسورية حسب رغبات السكان المحليين وحسب النموذج الأميركي، فالولايات المتحدة تشكلت طوعا، والعلاقة بين المركز الفيديرالي وحكومات الولايات مقبولة وتفرض قيودا على إمكانية هيمنة أي منها على الأخرى.

ثم ان الحدود حاليا بين العراق وسورية تبخرت، لا بسبب جهود الأميركيين، بل بسبب التطورات في المنطقة.

طبعا لا يعني المجهود الأميركي ان الولايات المتحدة ستسعى الى تفتيت الدول القائمة، بل ان خيار انشاء وحدات «حرس وطني» هو في الدول المنهارة اصلا.

في لبنان مثلا، تعمل واشنطن منذ سنوات على دعم وتسليح الجيش اللبناني، وكذلك في الأردن وفي دول كثيرة أخرى، وهي ستلتزم ذلك في المدى المنظور. لكن عندما يتعذر إقامة جيش يأتمر بأوامر حكومة وطنية شاملة، وقتذاك يصبح المطلوب التفكير بوسائل بديلة لإعادة سلطة القانون على المناطق التي تسودها الفوضى.

في العراق، كما في سورية، يحمل المسؤولون الاميركيون المالكي والأسد سبب التفكك. لو التزم المالكي الصيغة الفيديرالية التي تم إقرارها في الدستور العراقي، لما وصلت الأمور الى ما هي عليه اليوم. في سورية كذلك، لو قبل نظام الأسد بمشاركة السلطة، لما تحولت البلد الى ركام خرجت منه مجموعات إرهابية مثل «داعش».

اما وحدات «الحرس الوطني» العراقية والسورية التي ينوي الاميركيون اقامتها، فسترتكز على انشاء هيكلية قيادية عسكرية تابعة لسلطة مدنية، المعارضة في الحالة السورية والمجالس او الحكومة المحلية في غرب العراق وكردستان. ومن شأن هذه القوات العسكرية استيعاب البطالة عند الشباب، وابعادهم عن المجموعات المتطرفة. كذلك، يمكن لهذه القوات، غير دحر «داعش» والإرهاب، القيام بدور حفظ الأمن في مراحل التسويات السياسية التي ستلي رحيل «داعش» والأسد، او هكذا على الأقل يفكر المسؤولون الأميركيون اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق