الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

هل تنفتح واشنطن على حزب الله والنصرة؟

حسين عبدالحسين

شكل الحوار الذي بدأته حكومة الولايات المتحدة، عبر وسطاء، مع مجموعات تصنفها إرهابية تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية الأميركية تحت عنوان "الواقعية"، التي يمارسها الرئيس باراك أوباما، والتي تحرك الحوار بين واشنطن وطهران والمستمر منذ أكثر من سنتين.

وتدير واشنطن قنوات متعددة بما يعرف "ديبلوماسية الخط الثاني"، والتي يشارك فيها مسؤولون وديبلوماسيون سابقون وخبراء وأكاديميون. ويتضمن هذا النوع من الديبلوماسية حوارات مع حزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، وحتى الأمس القريب جماعة "الاخوان المسلمون" في مصر.


ومن يراقب السياسة الأميركية في لبنان، يدرك أن تقارباً في المواقف بين واشنطن و"حزب الله" أدى حتى الآن الى إبقاء لبنان خارج التطاحن الدموي الإقليمي الدائر، فالولايات المتحدة لا تمانع ان يكون للحزب المذكور اليد العليا في الإمساك بالأمن اللبناني. كذلك، تراجعت واشنطن عن إصرارها على عدم تسليح الجيش اللبناني مخافة وقوع أسلحته في يد مقاتلي حزب الله، بل يبدو ان الجيش اللبناني تحول الى تقاطع مصالح وسياسات بين أميركا والحزب.


وفي هذا السياق، تطابقت مواقف اميركا وحزب الله حول احداث متعددة. فواشنطن مثلا اتخذت موقفا حاسماً ضد الشيخ احمد الأسير اثناء اجتياح القوات الأمنية لجامعه وسكنه في صيدا، منتصف العام الماضي، على الرغم من أن لا الأسير ولا المجموعة الصغيرة التي أحاطت به كانت مصنفة إرهابية. وبوقوفها ضد رجل دين بتهمة انشائه تنظيماً مسلحاً، وتغاضيها عن التنظيمات المسلحة الأخرى في لبنان، وجدت واشنطن نفسها في موقف متطابق مع "حزب الله"، وهو ما عزز من الداعين داخل واشنطن الى انفتاح أميركي على الحزب، وتوسيع الحوار معه ليشمل أكثر من الحوار عبر البريطانيين، الذين يتمتعون بدورهم باتصال مباشر مع ما يسمونه الجناح السياسي للحزب، وليشمل الحوار الأميركي مع حزب الله كذلك أكثر من الخبراء والمسؤولين السابقين الاميركيين.


لكن الحوار شيء، وتزويد السلاح لمجموعات تعتبرها واشنطن إرهابية شيء آخر، من قبيل ما حصل هذا الأسبوع بتزويد الطائرات الحربية الأميركية للمقاتلين الكرد في عين العرب – كوباني السورية بأسلحة وذخائر لمساعدتهم في حربهم الدائرة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".


وعلى الرغم من ان واشنطن وضعت "حزب العمال الكردستاني" على لائحتها للتنظيمات الإرهابية في العام 1997، وعلى الرغم من التقارير التي تشير الى ان عماد القوة المقاتلة الكردية في كوباني هو من مقاتلي هذا التنظيم، الا ان واشنطن لم تأبه لذلك، وقامت بتزويد هؤلاء بالأسلحة، وهو ما يعتبر تغييراً جذرياً في موقفها من هذه التنظيمات.


ومن المعروف ان القانون الأميركي يحظر تقديم المواطنين الاميركيين وحكومتهم اي مساعدات مادية او معنوية للتنظيمات المصنفة إرهابية.


سياسة الواقعية هذه، في التعاطي الأميركي مع المجموعات المسلحة "من غير الحكومات"، بدأت مع أواخر العام الماضي، عندما احتارت واشنطن في موقفها من قيام "الجبهة الإسلامية" في سوريا، فالولايات المتحدة كانت تسعى لرعاية مؤتمر "جنيف 2"، الذي خصص للتوصل الى حل سياسي ينهي الحرب السورية، وهي كانت تسعى الى انتزاع اعتراف أكبر عدد ممكن من الأطراف السورية اعتقاداً منها ان اعتراف هؤلاء بشرعية المؤتمر يؤدي الى قبولهم التسويات التي تصدر عنه.


هكذا، تلكأت أميركا في وضع "الجبهة الاسلامية" على لائحتها للتنظيمات الإرهابية، على الرغم من ان عملية التصنيف كانت قد بدأت، وهي عملية تتضمن مجهوداً من عدد من الوزارات الأميركية، منها الخارجية والخزانة والعدل والأمن القومي. وفي وقت لاحق، صرح وزير الخارجية، جون كيري، أن الفصائل الإسلامية مدعوة الى جنيف، بعد أكثر من عامين من التهويل الأميركي من خطر الإسلاميين في سوريا. وفي نفس الفترة، عقد السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، لقاءات مع ممثلين عن هذه الفصائل.


ومنذ مطلع هذا العام، يبدو الارتباك على وزارة الخارجية الأميركية في تصنيفها المجموعات الإسلامية المقاتلة في سوريا، ربما بسبب ارتباك "تنظيم القاعدة" نفسه، الذي تعتبر واشنطن كل من على علاقة به إرهابياً.


وكانت "القاعدة" في سوريا انقسمت الى "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة"، ونشب صراع وتضارب حول من يبايع من. ومؤخراً، اعتبرت الخارجية الأميركية ان "الدولة الإسلامية" هي سليل "القاعدة في العراق" والذي تمت اضافته الى لائحة الإرهاب في أواخر العام 2004. اما "جبهة النصرة"، فتمت اضافتها للائحة نفسها في أيار الماضي.


وعندما شنت المقاتلات الأميركية أولى ضرباتها داخل سوريا، شملت أهدافها مواقع تعود للدولة وللجبهة ولمجموعة من "القاعدة" كانت غير معروفة حتى ذلك الوقت، وهي مجموعة "خراسان". كذلك، أظهرت الغارات الأميركية ارتباكاً في تحديد الأهداف، فشملت الضربات الأولى أهدافاً تعود "للجيش السوري الحر"، الذي يفترض أن واشنطن ستنفق مئة مليون دولار على تدريبه وتسليحه.


على أن الأصوات، وخصوصاً من المعارضة السورية، تعالت ضد استهداف أميركا لـ "الجيش السوري الحر". واعتبر بعض هؤلاء ان استهداف "النصرة" لم يكن خطوة موفقة. واستمعت واشنطن الى هذه الأصوات، ويبدو أنها أوقفت استهدافها لأهداف تعتقد انها تعود للنصرة.


في نفس الاثناء، راح بعض الخبراء في العاصمة الأميركية يحاولون اظهار تمايز بين "الدولة" و"النصرة"، فالدولة بالنسبة لهؤلاء تنظيم بربري ودموي وبغيض لا يمكن الا القضاء عليه، فيما "النصرة" مجموعة راشدة عاقلة أفرجت عن رهينة أميركي بحوزتها، وتحترم حدود الصراع السوري بتوجيهها بنادقها ضد الرئيس السوري بشار الأسد وقواته لا غير.


هل تستمر واشنطن في "واقعيتها" وتتجاهل وضعها "النصرة" على لائحة التنظيمات الإرهابية، على غرار تجاهلها وجود "حزب الله" اللبناني و"حزب العمال الكردستاني" على هذه اللائحة؟ وهل يؤدي ذلك الى تعاون، وإن "غير مقصود"، بين الطرفين للقضاء على "الدولة الإسلامية" أولاً، وربما الإطاحة بالأسد بعد ذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق