الخميس، 23 أكتوبر 2014

نزاع بين عسكر أوباما ومدنييه حول الاستراتيجية في العراق

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يكد الجنرال المتقاعد جون آلن، المبعوث الرئاسي المكلف ادارة الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، يصل واشنطن عائدا من جولة في المنطقة جمعته مع كبار المسؤولين وزعماء محليين وشيوخ قبائل، حتى عاد في جولة اخرى بدأت حتى اول من أمس وتستمر حتى نهاية الشهر الجاري وتشمل الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الخمس الاخرى فضلا عن بريطانيا وفرنسا، يبحث خلالها الحرب على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). كما وصل نائب مستشارة الأمن القومي انتوني بلينكن الى العراق وعقد لقاءات مع المسؤولين في بغداد ودهوك واربيل،

في بادىء الامر، حاول البيت الابيض ابقاء زيارة بلينكن طي الكتمان، الا انها سرعان ما تسربت الى الاعلاميين، ما اجبر الادارة الاعلان عنها رسميا. وسبق لبلينكن ان عمل مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، وكان المسؤول الارفع الذي كلف رسميا ادارة الملف العراقي من العام 2009، وهندسة انسحاب القوات الاميركية نهاية العام 2011. ومع اعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما لولاية ثانية وانتهاء الاهتمام الاميركي بالعراق، تحول بلينكن من مستشار بايدن الى نائب مستشارة الأمن القومي سوزان رايس.

اما الجنرال آلن، فهو من القادة العسكريين ممن أشرفوا على تطبيق «خطة زيادة القوات» بالشراكة مع مقاتلي العشائر السنية، والتي عرفت «بقوات الصحوة»، الى جانب قائد القوات في العراق الجنرال دايفيد بترايوس. واقام آلن علاقة مميزة مع العشائر. ويقول احد مساعديه السابقين مايكل برغنت في دردشة مع «الراي» ان «رجال العشائر غالبا ما يبادرون بصيحات التكبير عند رؤيتهم آلن واستقبالهم له»، وان «علاقته بهم ظلت متينة حتى بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق».

ومع ان آلن التزم العرف العسكري القاضي بعدم التعليق على الانسحاب الاميركي التام من العراق بهدف عدم التعارض مع القيادة السياسية التي كانت متمسكة بالانسحاب الكامل، الا ان من يعرفون الرجل يقولون انه كان يعتقد بضرورة ابقاء قوة اميركية صغيرة ترابط في العراق بعد الانسحاب وبالاتفاق مع الحكومة العراقية.

هكذا، زار العراق في اقل من اسبوع مسؤولان اميركيان يتبنيان رؤى مختلفة للعراق، فبلينكن هو صاحب مقولة انه لا يمكن لاي رئيس حكومة عراقي ان يحكم من دون علاقة جيدة مع ايران، فيما آلن هو من المدرسة المتمسكة بضرورة قيام قوات محلية في المناطق العراقية المختلفة تقوم بتثبيت الأمن ما يسمح للعملية السياسية بالسير بسلام.

هكذا، قالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي برناديت ميهان ان زيارة بلينكن شملت امورا عديدة بما فيها «التعاون مع حكومة وشعب العراق في القتال ضد داعش».

اما آلن، فأطل على الصحافيين عبر منبر آخر، هو وزارة الخارجية، ليقول ان زيارته تضمنت لقاءات مع مسؤولين عراقيين حكوميين وامنيين و»زعماء قبليين وشيوخ». واضاف الجنرال الاميركي ان لقاءاته في العراق تمحورت حول اعداد «القوات الامنية» و»تشكيل حرس وطني عراقي من متطوعين ومقاتلي عشائر» يرتبط بادارات الحكم المحلية.

التباين بين بلينكن وآلن واضح. الأول يعتقد ان حكومة وحدة وطنية في العراق قادرة على الحاق الهزيمة بـ «داعش»، اما آلن فيؤمن انه لا يمكن الحاق الهزيمة بداعش من دون اعادة تشكيل الصحوات. بلينكن سلم رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي «قوات الصحوة» وتجاهل قيام المالكي بوقف مرتبات مقاتليها وتحجيم زعمائها فيما آلن حافظ على علاقة جيدة بالقبائل على الرغم من خروجه من الحكم وقبل عودته اليه.

والخلاف بين العسكريين والمدنيين حول العراق، سابقا وحاليا، واضح للعيان. وتقول تقارير في العاصمة الاميركية ان الجيش غير راض عن تكبيل يديه في الحرب ضد «داعش» واعلان حصر العملية الاميركية بالضربات الجوية. ويقول الخبراء انه حتى لو ان وشنطن لا تنوي استخدام قوات ارضية، لا داعي لتأكيد ذلك عبر الاعلام، بل لا بأس في ابقاء عنصر المفاجأة حاضرا.

حتى في الحرب الجوية، يقول العارفون ان الجنرلات غير راضين عن قيام السلطة السياسية بتحديد الاهداف وكثافة الطلعات التي تبلغ ما معدله سبعة يوميا منذ بدأت في اغسطس الماضي. اما الجنرالات، فيعتقدون ان الحاق الضرر بداعش يحتاج الى ما معدله خمسين طلعة جويا.

وفي السياق نفسه، فيما كان الجنرال آلن يجول في العراق، حاول بلينكن الذهاب سرا بوعود وخطط لا تتطابق بالضرورة مع ما في جعبة الجنرال الاميركي.

وبعدما كرر كبار العاملين السابقين مع أوباما، من امثال وزيري الدفاع روبرت غايتس وخلفه ليون بانيتا، ان ادارة أوباما عمدت الى حصر القرار فيها بشكل مركزي، بما في ذلك القرار العسكري، وبعد الظهور الى العلن استياء ضباط مثل بترايوس بعدما رفض أوباما منحه عدد القوات التي طلبها لانقاذ الوضع في افغانستان، وبعدما تحدث غايتس في كتابه عن تعليمات رئيس الاركان مارتن ديمبسي الى جنرالاته بابقاء عضو مجلس الامن القومي اثناء حرب ليبيا والسفيرة في الامم المتحدة اليوم سامنتا باور بعيدة عن الخطط الحربية الاميركية هناك بعد ان أبدت حشريتها، صار مفهوما ان هناك تضارب واضح في الرؤى بين مدنيي أوباما وعسكرييه حول سياسة أميركا وحربها في العراق وسورية، وفي منطقة الشرق الاوسط عموما.

التضارب بين اعضاء ادارته ينفرد فيها أوباما، المتردد بطبعه في اتخاذ قراراته، بين اسلافه من الرؤساء الاميركيين بشكل يجعل من اداء ادارته متناقض، ويرسل الى بغداد وغيرها اشارات متضاربة، وكل ذلك يساهم باداء ضعيف وارتباك يعيق من سرعة قضاء التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على داعش واعادة الأمن والسلم الى المنطقة المهزوزة اكثر من اي وقت مضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق