الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

تجسس «سي آي إي» على مجلس الشيوخ... أطاح بها

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ليس التعذيب الذي قامت به «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) هو الذي فجر أزمة في وجهها في العاصمة الأميركية، بل قيام الوكالة بالتجسس على لجنة مجلس الشيوخ المكلفة اعداد تقرير عن ممارسات الوكالة للفترة الممتدة بين الأعوام 2001 و2008.

وكان المجلس شكّل لجنة من المختصين وطلب من الوكالة التجاوب، فأفردت الأخيرة جناحا للجنة في مقرها في لانغلي، وزودتهم بكمبيوترات، ثم مصادفة، اكتشف أحد العاملين في اللجنة ان «سي آي اي» اخترقت كمبيوترات اللجنة، وراحت تتقفى أثر العاملين فيها، وتقرأ مراسلاتهم وتقاريرهم، وهنا انفجرت الأزمة بين الطرفين، ووعدت رئيسة لجنة الاستخبارات دايان فاينستاين بالاقتصاص من «سي آي اي» لتجسسها على السلطة التشريعية وعملها.

والقانون الأميركي يمنع صراحة الوكالة من القيام بأي عمل داخل الولايات المتحدة، ويحصر أنشطتها في العمليات الخارجية. اما عمل الاستخبارات في الداخل فهو من اختصاص «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي)، الذي يعمل بإمرة وزارة العدل، ويمكنه التجسس على مواطنين داخل البلاد بعد استصدار مذكرات صادرة عن المحاكم المختصة.

وعندما اكتشف أحد العاملين في لجنة مجلس الشيوخ ان كمبيوتره يختزن ملفات تعود للوكالة، قام بطباعتها، ووزعها على زملائه وعلى أعضاء لجنة مجلس الشيوخ للاستخبارات. تلك الملفات التي تركتها «سي آي ايه» عن طريق الخطأ على كمبيوتر أحد العاملين في اللجنة الخاصة هي التي كشفت فضائح عديدة، أبرزها ان الوكالة قامت بأمور أخفتها حتى عن إدارة الرئيس جورج بوش.

مع ذلك، حرصت إدارة الرئيس باراك أوباما على حماية الوكالة، على اعتبار ان المرؤوسين ينفذون أوامر رؤسائهم، وانه إذا تمت معاقبة المرؤوسين، فلن يجرؤ أي منهم مستقبلا على تنفيذ الأوامر المفروضة عليه. كذلك، حاولت إدارة أوباما لملمة الموضوع خوفا على سمعة الأجهزة الأمنية عموما، ومخافة ردود الفعل داخل أميركا وخارجها.

وكالعادة في المواجهات مع الكونغرس، طلب أوباما من نائبه بايدن ووزير خارجيته جون كيري، والاثنان عملا لعقود في مجلس الشيوخ ومازالا يتمتعان بعلاقات قوية فيه وصداقات، التوسط مع الشيوخ لتأجيل الكشف عن التقرير حتى اشعار آخر. وعندما لم تنجح جهود بايدن - كيري في ثني فاينستاين وصحبها عن اصدار التقرير، استخدمت الإدارة حق ممارسة الرقابة على أي وثائق حكومية تخرج على العلن، تحت ذريعة الأمن القومي.

هكذا، تحول التقرير، الذي كلف انتاجه 40 مليون دولار على مدى 3 سنوات، والمؤلف من 6 آلاف و700 صفحة، الى تقرير من نحو 600 صفحة، وحتى في الصفحات المتبقية، تم حذف مقاطع كثيرة وأسماء وتواريخ.

الاستنتاجات القليلة الممكنة من التقرير، وبعضها معروف منذ زمن، يمكن تلخيصها بالقول ان التعذيب الذي انتهجته «سي آي اي» بحق معتقلين لديها من أعضاء تنظيم «القاعدة»، لم يؤد الى استخراج معلومات منهم يمكن الإفادة منها في منع هجمات مستقبلية، وهو ما يتناقض مع تقرير أصدرته الوكالة وأوضحت فيه ان التعذيب سمح بمنع وقوع هجمات إرهابية. كذلك، أفاد التقرير ان التعذيب الذي قامت به الوكالة هو أقسى بكثير مما افصحت عنه لمؤسسات الرقابة ولوزارة العدل.

الاستنتاج الثاني يتمحور حول مجهود منظم قامت به الوكالة لتضليل الحكومة التي تشرف على عملها، والكونغرس، والاعلام، وحتى المفتش العام داخل الوكالة نفسها، وتضمن ذلك إخفاء أسماء معتقلين سريّين حول العالم، واتلاف اشرطة فيديو حول جلسات تعذيب سرية. وأشار التقرير الى ان الرئيس السابق جورج بوش سبق ان ابدى اعتراضه على بعض الأساليب، وانه حتى العام 2003، قامت الوكالة بإخفاء التعذيب عن كبار المسؤولين مثل وزيري الدفاع والخارجية السابقين دونالد رامسفيلد وكولين باول.

الاستنتاج الثالث يشير الى فوضى داخل الوكالة أدت الى عدم معرفة كبار المسؤولين فيها العدد الفعلي للمعتقلين أو أماكن اعتقالهم، حتى ان نائب الرئيس السابق ديك تشيني لم يكن يدرك مرة اثناء زيارته لأحد البلدان ومفاتحة المسؤولين في ذلك البلد حول ما يعرف بـ «المواقع السوداء» ان البلد المذكور يستضيف معتقلين لـ «سي آي اي».

الفضائح في تقرير مجلس الشيوخ بحق الوكالة متعددة ومتنوعة، وأدت الى تلطيخ سمعة احدى المؤسسات الحكومية الأميركية التي تعاني سمعتها بين الأميركيين أصلا. على انه كان يمكن للوكالة ربما إخفاء فضائحها تحت ستار السرّية وحماية الأمن القومي، لكن تجسسها على لجنة مجلس الشيوخ هو الذي أطاح بها، ووضعها في مواجهة الشعب وممثليه، فيما وضع التقرير - للمرة الأولى - ادارتي الرئيسين بوش وأوباما على الجانب نفسه، في محاولتهما التستر على الوكالة ودفع الكأس المُرّة عنها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق